صدر عددٌ من البيانات والمنشورات من وزارة المالية منذ شهر فبراير 2020، وأهم التعليمات التي كانت تحتويها هذه المنشورات تكمن في تخفيض النفقات للمؤسسات الحكومية المدنية والشركات الحكومية بنسبة لا تقل عن 10% من المصاريف التشغيلية ونسبة 5% للجهات الأمنية والعسكرية، وإيقاف الصرف على المؤتمرات والسفر، والتفاوض لتقليل قيمة الإيجار بنسبة 10% لبعض المباني المُؤجرة للحكومة، وتخفيض علاوات حضور مجالس الإدارة بنسبة 50%، وتخفيض ما نسبته 23% من رواتب الموظفين الجُدد في الحكومة، وعدد آخر من القرارات في نفس هذا الإطار.
وبالرغم مما قامت به الحكومة من قرارات تهدف لضبط الصرف في النصف الأول من 2020، إلا أنَّ انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تقترب من 4% في الربع الأول من هذا العام، وانخفاض في الإنفاق الحكومي إلى شهر أبريل 2020 بنسبة 7.8%، وزيادة في الإيرادات الحكومية بنسبة طفيفة لا تتعدى 1.2%، وهذه مؤشرات قد لايعتد بها، وذلك لأنَّ العالم أجمع يمر بمرحلة عصيبة وضبابية منذ بداية هذا العام إلى الآن بسبب انتشار فيروس كورونا، ولا أحد يدري إلى متى سوف يستمر الوضع الضبابي هذا، خاصة وأنَّ الأرقام في تزايد في بعض الدول، ونحن إحدى هذه الدول التي وصل عدد حالاتها إلى ما يزيد عن 46 ألف مصاب، وربما الإحصائيات المالية الحكومية ستكون أكثر واقعية في النصف الثاني من هذا العام.
عودة إلى الموضوع، هل هذه الخطوات التقشفية مجدية ليمر عام 2020 على خير؟ هذا العام الذي ضمَّ أحداثا صعبة على دول الخليج ومنها السلطنة، بنزول سعر برميل النفط إلى مستويات قياسية، وشل حركة الأنشطة التجارية بشكل شبه تام بسبب جائحة كورونا، وما خلف ذلك من آثار مؤلمة على كل نواحي الحياة المختلفة، وهناك محاولات من حكومة صاحب الجلالة لتحفيز النشاط الاقتصادي، منها توجيهات حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- أيده الله ونصره- بتخصيص 300 مليون ريال عُماني لإكمال بعض المشاريع التنموية التي تم تأجيلها من عام 2019، إلى جانب خطوات أخرى لتحفيز النشاط الاقتصادي، كما أعلنت اللجنة العليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا، حزمًا اقتصادية تمثلت في إعفاءات من دفع بعض الرسوم الحكومية أو تأجيلها، وإعادة جدولة القروض للمؤسسات التي حصلت على تمويل من البنوك والشركات التمويلية وتأجيلها، وأخيراً أعلن بنك التنمية العماني بناءً على توجيهات سامية عن قروض بدون فوائد مع فترة سماح تمتد إلى 6 أشهر وفترة سداد لمدة 48 شهراً، لأكثر القطاعات التجارية تضررا التي شملت 4 فئات يصل عددهم إلى 25 ألف شخص ومؤسسة.
فهل هذه الخطوات كافية؟
هي خطوات ضرورية ومُلحة، لكنها لن تكون كافية لعدة أسباب؛ أولًا: لأنَّ أعداد المتضررين أكبر من 25 ألف شخص ومؤسسة، وليس جميع المتضررين مسجلين ببطاقة “ريادة” أو لم يجددوها لسبب أو آخر، مما يعني أنهم لن يحصلوا على قرض أو معاملة تفضيلية. ثانيًا: استمرار معاناة أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي ما زالت تُعاني- كما يدّعون- في مماطلة الجهات التمويلية وتنصلها من مسؤولياتها المعلنة من اللجنة العليا التي أقرت الحزم التحفيزية منذ عدة أشهر، لكن المُعاناة ما زالت قائمة، حسبما يقولون.
سياسات ضبط الصرف في غاية الأهمية خاصة للمؤسسات الحكومية، لكن لابد من اتباع سياسات تحفيزية للقطاع الخاص، وإقرار خطة انعاشية واضحة ومُلزمة وعاجلة منها تعاون كل الجهات الحكومية بدون استثناء لتنفيذ هذه الخطة، ومنها إعفاء المؤسسات التجارية من أي رسوم حكومية لهذا العام، وإلغاء الغرامات أو تأجيلها أو تقسيطها، وتسهيل الإجراءات الحكومية لما تبقى من هذا العام لكل المؤسسات التجارية القائمة أو المستجدة المتضرر منها، وإلزام البنوك التجارية بالالتزام بتأجيل الأقساط للمؤسسات التجارية المتضررة بدون أي فوائد أو رسوم إدارية إضافية مع تعويض البنوك التجارية والمؤسسات التمويلية هذه المبالغ، ودفع المستحقات المالية المتأخرة -إن وجدت- للشركات المُتعاقدة معها، وسرعة تنفيذ خطة القروض بدون فوائد التي أعلنها بنك التنمية العُماني، وزيادة المخصصات لهذه الخطة- إن أمكن- لتشمل مزيداً من الفئات المتضررة، وتكوين فريق مشترك (حكومي وقطاع خاص ومتخصصين اقتصاديين) لإقرار خطة إنقاذ عاجلة تشتمل على حزم مالية وتشريعية وإجراءات تمكينية لتقليل الضرر على أكبر عدد مُمكن، وإنقاذ ما يُمكن إنقاذه، والعمل في خط متوازٍ في ضبط الصرف من خلال السياسات التقشفية من جانب، وتحفيز النشاط الاقتصادي من جانب آخر، لضمان مرور هذا العام بسلام.
خلفان الطوقي