افتتحت كتدرائية آيا صوفيا في عام ٥٣٧ ميلادي بعد أن استغرق بناءها خمس سنوات، وعندما فتحت القسطنطينية عام ١٤٥٣م اشتراها السلطان محمد الفاتح من حر ماله وجعلها مسجدا للمسلمين، وفي عام ١٩٢٤م أعلن قيام الجمهورية التركية فقام مصطفى أتاتورك في عام ١٩٣٤م بتحويلها الى متحف، وبعد (٨٥) عام أي في تاريخ ١٠ يوليو ٢٠٢٠م قررت المحكمة في تركيا قبول الدعوى المقدمة لاعادتها الى مسجد مرة أخرى، وآيا صوفيا تقع في منطقة السلطان أحمد في اسطنبول وتبعد عن مسجد السلطان أحمد خطوات معدودة ويوجد مساجد كثيرة في المنطقة .
لقد أحدث قرار تحويل آيا صوفيا الى مسجد ردود أفعال دولية في العالم المسيحي، السؤال هنا ماذا لو أقدمت بعض الدول الى تحويل المساجد فيها الى كنائس غلى غرار ما حدث في تركيا، وماذا لو حدثت ردود أفعال متطرفة ضد المسلمين من قبل التيار اليميني المسيحي المتطرف؟
تحويل آيا صوفيا استغل اعلاميا وسياسيا كانتصار عظيم حققه أردوغان لايصال رسالة سياسية اعلامية للرأي العام العربي والاسلامي أنه القائد الاسلامي الوحيد الذي يدافع عن الاسلام وحامي الاسلام والمسلمين، وهو في حقيقته شأن داخلي في تركيا سبق أن تغير أكثر من مرة من كتدرائية الى مسجد ثم الى متحف وأخيرا الى مسجد وربما يعود لاحقا الى اصله المسيحي حسب النظم السياسية الحاكمة، وهو ما يمس حقيقة التعايش بين الأديان في العالم، ونأمل أن لا يصل تأثيره الى المسلمين في بقية أنحاء العالم .
ما يقوم به أردوغان في بلده لا يعنينا في شيء طالما ذلك في حدود بلده، ولكن ما يهمني كمواطن عربي هو ما يقوم به اردوغان في الوطن العربي من تهديد للأمن القومي العربي واستهداف خطير على سوريا والعراق وليبيا وتهديد مصر فهذا هو ما يحكم علاقتنا به كعرب، وللعرب سوابق تاريخية مأساوية مع تركيا منذ الدولة العثمانية التي فرضت حظرا على تواصلهم مع اوروبا التي كانت تعيش نهضة متسارعة ومنعوا ادوات الطباعة في الوطن العربي لعيش العرب في جهل يحكمهم النار والحديد والقمع من قبل الباب العالي ونفذوا العديد من الاعدامات السياسية كما حدث في عام ١٩١٦/١٩١٥م وأرسلوا المجندين العرب الى مناطق بعيدا عن اداراتهم المحلية وفرضوا التتريك في حكومة الاتحاد والترقي ثم تنصلوا من كل بعد اسلامي بعد مرض الدولة وسقوطها فسلموا المشرق العربي وباقي اجزاء الدولة الى الاستعمار منها بمعاهدات دولية مثل معاهدة لوزان وغيرها ومنها بفعل الاستعمار العسكري الذي جثم على صدر الوطن العربي خلال القرن التاسع عشر والعشرين بعد تقاسم أملاك الدولة العثمانية (الرجل المريض) ثم جاء أتاتورك ومنع حتى الاذان في تركيا وانتهت العلاقة مع الللغة العربية لغة القرآن نهائيا، واليوم أردوغان يستكمل ما بدأه أجداده من استهداف للوطن العربي، والتاريخ حافل بكل التفاصيل .
إذن يجب أن ننظر الى السياسة من زواياها الحقيقية لا من قبل العاطفة والمنظومات الاعلامية التي تقوم بتلميع كل حركة سينمائية مثل ما حدث في منتدى دافوس مع رئيس وزراء الكيان الصهيوني بينما العلاقات الاستراتيجية التركية والمعاهدات العسكرية والتمارين المشتركة والعلاقات التجارية على أوجها مع كيان الاحتلال الصهيوني؟! وآخر المشاهد هو تحويل كتدرائية آيا صوفيا الى مسجد واعتباره انتصار عظيم بينما بيوت الدعارة بتصاريح رسمية حكومية موحوده في عموم تركيا؟!
السياسة تتطلب قراءة سياسية دقيقة وإلمام بالتاريخ السياسي لا انتقاء ما يتوافق مع العواطف والاعلام الممنهج الذي للأسف تبعة كثير من العرب اليوم الذين باتوا بلا مشروع واضح حائرين بين مشاريع أقليمية مختلفة وتبعوا كل ناعق .
خميس بن عبيد القطيطي