عندما سجلت السلطنة أول حالتي إصابة بفيروس كورونا في شهر فبراير المُنصرم وبالتحديد في الرابع والعشرين من فبراير المنصرم لمواطنتين قادمتين من إيران، أحدث هذا الخبر اهتمامًا كبيرًا واستقبل العمانيون الخبر باهتمام بالغ وبحذر شديد، وأعلنت الجهات الرسمية بعد هذه الإصابة عددا من الإجراءات الاحترازية للتعامل مع هذا الوباء.
وأعلنت المطارات تعليق أية رحلات بين السلطنة وجمهورية إيران الصديقة، ومع هذا الإعلان الرسمي بدأت الجهات الرسمية التعامل مع هذا الوباء بجدية وبحذر شديد على أعلى المستويات، وفرضت الحجر والتباعد المؤسسي والمنزلي لكل العائدين إلى السلطنة من الطلبة وغيرهم. وأذكر وقتها اتصل بي عددٌ من الفضائيات العربية للحديث عن هذه الحالة، وما أقدمت عليه السلطات العُمانية من إصدار حزمة من الإجراءات للتعامل مع هذا الوباء، ولعل أسرع هذه الحزم تشكيل لجنة عُليا بأوامر سامية من عاهل البلاد المفدى أعطيت كل الصلاحيات للتعامل مع هذه الجائحة.
كانت عُمان تعد من الدول الأكثر صرامة والأقل في تسجيل حالات الإصابة بفيروس كورونا بين المواطنين والمقيمين، وعندما نتتبع المسافة المتحركة بين الحالة رقم واحد المصابة بفيروس كورونا بتاريخ 24 فبراير 2020 وما تم تسجيله أمس، حيث بلغت حالات الإصابة اليومية أعلى معدل منذ بدء انتشار هذا الوباء ووصلت يوم الإثنين 13 يوليو 2020 إلى 2164 إصابة، أغلبها للمواطنين، وبين هذين التاريخين 133 يومًا ارتفعت فيها الإصابات حتى وقت كتابة هذا المقال إلى 58179 إصابة.
وعندما أعلنت الجهات المعنية في 1 أبريل 2020 تسجيل وفاة أول مواطن عُماني بسبب هذا الفيروس حزن المواطنون على هذا المصاب الجلل، وعزَّت وزارة الصحة أهالي الفقيد، وهنا بدأت اللجنة العليا التعامل بشكل أشد للتعامل مع هذه الجائحة، وأعلنت حزماً جديدة وغلق العديد من المرافق ومنع التجمعات وأصدرت الجهات الرسمية عدداً من المقاطع التوعوية للتعامل مع هذا الفيروس، ولعل الدعوة التي أعلنتها كل دول العالم بأهمية البقاء في البيت كانت بمثابة حاجز الأمان للإصابة بفيروس كورونا. ومنذ الأول من أبريل وحتى وقت كتابة هذا المقال بلغ عدد الوفيات 259 وفاة.
الحكومة من جانبها تعاملت بحزم شديد وشددت العقوبة للمخالفين والمتهورين، وكون أنَّ آثار هذا الفيروس مدمرة وفتاكة وقضت على الحركة الاقتصادية وخسرت العديد من المؤسسات بسب غلق تلك المؤسسات، فإنِّه عندما بدأت آثار هذا الوباء تزول تدريجياً أعلن العديد من دول العالم الانفتاح التدريجي والسماح للمواطنين بممارسة حياتهم والخروج للعمل وإدارة مؤسساتهم، وما أن بدأت الحياة تعود تدريجياً حتى ظهر انفلات وعدم التزام بالتعليمات، والكثير من المواطنين مارسوا الاختلاط وتبادلوا الزيارات وأقاموا مجالس الفرح والعزاء، وبسبب هذه التصرفات غير المسؤولة ارتفعت حالات الإصابة في صفوف المواطنين وأعلنت وزارة الصحة عن تشغيل مراكزها الصحية بكل طاقتها لمُعالجة المصابين ومنهم من يعانون من الإصابة الشديدة والحرجة وهم في غرف العناية المركزة.
ومع إعلان منظمة الصحة العالمية معلومات متضاربة عن هذا الفيروس وآخرها أهمية التعايش مع فيروس كورونا مع اتخاذ كل فرد الاحتياطات الاحترازية التي تجنبه الوقوع في فخ هذا الوباء، لم تكن السلطنة بعيدة عن هذا المشهد وبدأت أيضاً بالسماح بعودة الحياة تدريجياً وفق خطة مدروسة، كما شددت المخالفات على غير الملتزمين.
ومع ارتفاع أعداد الإصابات في بلادنا ووصول الأعداد إلى أعلى المستويات بدأت الآن الأصوات تدعو من جديد للعودة إلى الإغلاق وتخفيف ساعات العمل واستمرار غلق دور العبادة الدينية وعدد من الأنشطة. وهذه الأصوات والنداءات صدرت من المواطنين الذين كانوا يطالبون في البداية بفتح المرافق والأنشطة لتعويض الخسائر المتراكمة من جراء غلق أنشطتهم التجارية، واليوم يطالبون بالغلق من جديد والعودة إلى الجلوس في المنزل وعدم الخروج إلا للضرورة القصوى.
حقيقة الأمر أن هذا الفيروس لا يفرق بين صغير وكبير وبين رجل وامرأة وبين شاب وعجوز فالكل قد يكون ضحية هذا الوباء، ونظرًا لهذه الحالات المتزايدة من الإصابات فكان لابد من إعادة النظر من جديد في العودة إلى المربع الأول والعودة إلى محاربة كورونا من خلال مناشدة “خليك في البيت” من أجل سلامتك كواجب وطني.
والمطالبة أصبحت حتمية، وأقترح من خلال هذا المقال تحمل كل أسرة مسؤوليتها وأن تعلن على نطاقها الضيق الجلوس في البيت لمدة أسبوعين على أقل تقدير، حتى تبدأ الأعداد في الانحسار. إنَّ التزامنا خلال أسبوعين بالتعليمات كفيل بمحاربة هذا الفيروس والعيش في اطمئنان، فلا نريد أن نفقد الكثير، فقد تحملنا أعباء الأشهر الخمسة الماضية، ويمكننا أن نتحمل شهراً آخر من أجل سلامة الجميع… فهل سننجح؟!
حمود بن علي الطوقي