يُعد الإمام عزان بن قيس أحد حكام دولة البوسعيد (١١٥٧هـ/ ١٧٤٤م- حتى الآن)، وبالرغم من وجود اختلاف في الآراء بين الباحثين حول مدى صحة نسبته إلى سلسلة حكام دولة البوسعيد إلا أن دولة الإمامة التي توصف بها فترة حكمه لا تخرجه من كونه حاكم من هذه الأسرة العريقة، فالمؤسس أحمد بن سعيد كان إماماً بموجب البيعة، وابنه الإمام سعيد بن أحمد كذلك. وهو-أعني الإمام عزان- كانت سلطته على عُمان ولم يكن هناك سلطة أخرى تتقاسم معه السلطة في عُمان، وهو الأمر الذي حدث لاحقاً في القرن ١٤هـ/ ٢٠م بوجود كيانين سياسيين في عُمان سلطنة مسقط، وإمامة عُمان (الإمام سالم بن راشد الخروصي، ثم محمد بن عبد الله الخليلي، ثم غالب بن علي الهنائي). كما أن شكل الحكم وإن اختلف-إمامي أو سلطاني- لا يُخرِج الإمام عزان من الأسرة البوسعيدية الحاكمة.
- أسرته:
عزان بن قيس بن عزان بن قيس ابن الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي، والده السيد قيس بن عزان كان والياً على الرستاق، تُوفى في حادثة البيذامة سنة ١٨٦١م، ومن أعمام عزان الذين كان لهم حضور فاعل في المشهد السياسي العُماني السيد حمود بن عزان وكان والياً على صحار، وكانت له محاولات للسيطرة على السلطة في عهد السلطان سعيد بن سلطان، وتوفي في عهد السلطان ثويني بن سعيد. ومن أشهر النساء حول الإمام عزان، ممن اشتهرن بالفضل والعلم والكرم أخته السيدة أصيلة، والسيدة عزاء، وهما سيدتان جليلتان ذاع صيتهما بالكثير من الأعمال الخيّرة. وابنة عمه السيدة ثريا بنت محمد بن عزان بن قيس. تزوج الإمام عزان من شمساء ابنة الشيخ المحقق سعيد بن خلفان الخليلي في عام ١٢٨٥هـ/ ١٨٦٨م، بعد توليه الإمامة ولم يُنجب منها، واشتهرت بمقولتها: “لا رجل بعد عزان”، وفي رواية أخرى: “لا بعد عزان رجل”. وللإمام عزان أبناء من زوجة أخرى تُكنى بأم سعود، هم: سعود وحمود وقيس. وكان الإمام عزان يُكنى بأبي سعود نسبة لابنه سعود. وقد حكم سعود الرستاق بعد وفاة عمه إبراهيم بن قيس بن عزان، واغتيل سعود وهو يصلي الفجر سنة ١٣٢١هـ/ 1899م.
- الأوضاع في عُمان قبل توليه الحكم:
عاشت عُمان فترة من عدم الاستقرار الداخلي الذي أعقب وفاة السلطان سعيد بن سلطان في عام 1273هـ/ 1856م، وما نجم عن ذلك من تقسيم الإمبراطورية العُمانية بين أبناء السيد سعيد، فكانت زنجبار تحت حكم السيد ماجد بن سعيد (1273-1287هـ/ 1856-1870م)، وعُمان تحت حكم السيد ثويني بن سعيد (1273-1282هـ/ 1856-1866م). وقد حاول السيد ثويني استعادة شقي الإمبراطورية؛ لذلك وجه اهتمامه لتحقيق السيطرة الكاملة على عُمان بعد محاولات كثيرة للاستقلال بأجزاء منها من أفراد البيت البوسعيدي، فتركي حاول الاستقلال بصحار، وقيس بن عزان-والد الإمام عزان- بالرستاق. وبعد محاولات ناجحة للسيد ثويني تمكّن من احكام السلطة بعُمان وبدأ توجيه اهتمامه للعدو الخارجي المتمثل في ما يعرف بالوهابيين آنذاك؛ لكن ابنه سالم قوّض كل الجهود وأحدث انقساماً كبيراً بسبب قتله لوالده السلطان ثويني واستحواذه على السلطة (1282-1285هـ/ 1866-1868م) .
- توليه الحكم:
جاءت مبايعة الإمام عزان بن قيس بالإمامة في إطار جهود إعادة إحياء الإمامة في عُمان من أجل إعادة حكم الشورى، لاسيّما بعد التدخل الإنجليزي في شؤون عُمان الداخلية، والأحداث التي أعقبت مقتل السلطان ثويني بن سعيد واستحواذ ابنه سالم على الحكم في عام 1866م، وما ترتب عليه من دخول عُمان في حالة من الفوضى وعدم الاستقرار الداخلي. بُويع الإمام عزان بن قيس يوم الجمعة 22 جمادي الآخر سنة 1285هـ/ 10 أكتوبر 1868م، من قبل أهل الحل والعقد وعلى رأسهم الشيخ سعيد بن خلفان الخليلي والشيخ صالح بن علي الحارثي، والشيخ محمد بن سليّم الغاربي، ولم يتجاوز الإمام عزان السابعة والعشرين من العمر عند توليه الحكم. وكانت بيعته في بيت الشجر في مسقط (مسكد)، وهو أول إمام يُعقد على مبايعته في مسقط، وكان الأئمة يُعقد على مبايعتهم في نزوى، وبعض الأئمة المتأخرين عُقد عليهم في الرستاق، وبعضهم بنخل ومنح وينقل. ومما جاء في نص بيعة الإمام عزان بن قيس: “قد بايعناك على طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونصبناك إماماً علينا وعلى الناس على سبيل الدفاع وعلى شرط أن لا تعقد راية ولا تنفذ حكماً ولا تقضي أمراً إلا برأي المسلمين ومشورتهم”.
- فترة حكمه:
تضمن برنامج الإمام عزان بن قيس عند تسلمه السلطة في عُمان على عدد من النقاط الرئيسية، تمثلت أبرزها في: إلغاء السلطة المستقلة للقبائل المعارضة للإمامة بإخضاعها من جديد للسلطة المركزية، ووضع حدّ لحالة الفوضى والانقسام الداخلي، وتعيين قضاة وولاة جدد، وتحرير منطقة البريمي من الاحتلال الوهّابي آنذاك، ووضع حدّ للنفوذ البريطاني، والعمل على إلغاء الالتزامات والاتفاقات التي فُرضت على عُمان خلال عهد السلطنة. وكذلك محاولة الحصول على اعتراف بإمامة عزان بن قيس من بريطانيا، مع إعادة التأكيد على استقلال عُمان وسيادتها، واستعادة زنجبار، ومعالجة قضيَّتي جوادر وبندر عباس اللتين كانتا تحت السيادة العُمانية.
وكانت البداية لتنفيذ برنامج الإمام أو تنفيذ خطوط سياسته في الحكم هو تحقيق الوحدة الوطنية بإخضاع كافة المدن العُمانية لسلطته، فقام الإمام بتوجيه حملة عسكرية إلى وادي سمائل من أجل إخضاع بعض القبائل الغافرية التي رفضت مبايعة الإمام، وأعلنوا تمردهم عليه، وتم ذلك في شوال 1285هـ/ 1869م. وفي نفس العام تم عقد لقاء بين الإمام عزان وزعيم قبيلة النعيم الغافرية في بركاء، واتفقوا على خطوات الهجوم لتحرير البريمي من الوهابيين، وتحقق ذلك للإمام بعد حصار حصن البريمي لمدة خمس أيام، وبذلك تمكن الإمام من بسط نفوذه على منطقة الظاهرة بأكملها. وفي طريق عودته من البريمي توقف بالرستاق وبايعه زعيم قبيلة بني هُناءة، وزعيم بني شكيل مما مكنه بعد ذلك من توطيد حكمه على منطقتي الداخلية والوسطى من عُمان. كما سيّر الإمام عزان حملة بقيادة ابن عمه فيصل بن حمود إلى صور وجعلان بني بو حسن وجعلان بني بوعلي، فتمكن من إخضاعها لسلطة الإمامة.
وبهذا تمكن الإمام من توطيد الحكم والقضاء على الحروب القبلية الداخلية وحماية حدود البلاد واستقلالها، وهذا ما افتقدته عُمان فترة من الزمن بسبب عدم الاتفاق على سلطة موحدة وحكم مركزي. ويصف لاندن نجاحات الإمام عزان السياسية والعسكرية، قائلا: “في خريف عام 1869 وصل نفوذ الإمامة في عُمان إلى ذروته. وكان أقوى حكم شهدته عُمان في كل تاريخها، فقد امتدت سلطة الإمام عزان حتى شملت البلاد كلها داخلها وخارجها، مناطقها الساحلية ومناطقها القبلية، معاقلها ومدنها، سهولها وجبالها، وهو عمل يحق للإمام عزان أن يفخر به”.
ومن أهم الإجراءات التي اتخذها الإمام عزان بن قيس في فترة حكمه القصيرة التي استمرت تقريباً سنتين ونصف: أخذ القرض لبيت المال من الرعية لأجل الدفاع عن الوطن، ووجه الإمام عزان دعوته إلى الولاة والرعية للبذل والمشاركة في الجهاد، واستبدل علم عُمان الأحمر بالعلم الأبيض كشعار للدولة، ومنع التدخين وشرب الخمر، وصادر أموال بعض أفراد آل بوسعيد. ومن أبرز جهود الإمام عزان أيضا، الاهتمام بالتعليم، حيث عيّن في كل ناحية مدرسا وخصص له راتبا شهريا. ومما يُقال في هذا الجانب أن دولة الإمامة كان لديها توجها في الاهتمام بالتعليم، وتشجيع الحركة العلمية لكن بسبب عدم استقرار الظروف السياسية وقلة الإمكانات المادية، وقِصر فترة حكم الإمام عزان بن قيس كلها عوامل ساهمت في عدم تحقيق تلك الغاية.
إن استقراء الأحداث وما مرت به عُمان خلال فترة حكم الإمام عزان تثبت أن برنامج الإمام لم يتحقق كله كما أراد، وهناك الكثير من الأسباب التي يمكن استجلاؤها من فترة حكمه. ويمكن تلخيص تلك الأسباب في ما قاله كلاً من نور الدين السالمي ولوريمر، فيذكر السالمي في التحفة: “بعد أن دانت الأمور وسكنت الحركات وظهر العدل والانصاف، وأخذ الحق من القوي للضعيف، وذلت رقاب الجبابرة والمعاندين، فعند ذلك نجم بالرؤساء نفاقهم وكاتبوا تركي بن سعيد سراً فيما بينهم، وكان قد ركب إلى الهند في دولة ابن أخيه سالم بن ثويني…فجاء تركي في مركب للنصارى ودخل به مكلى مسكد”. أما لوريمر فلخص الأسباب بقوله: “لولا رفض الحكومة البريطانية الاعتراف به رسمياً، وفقدانه بالتالي معونة زنجبار، وإطلاق حكومة الهند سراح عدوه الخطير السيد تركي، لكان عزان استطاع أن يتغلب على الصعوبات التي اعترضته جميعاً، ولاستطاع أن يقيم في عُمان ملكية على درجة عالية من التنظيم والكفاية ولو لفترة من الزمن”.
مما تقدم يمكن تقسيم العوامل التي أدت إلى سرعة إنهاء حكم الإمام عزان إلى عاملين، داخلي تمثل في القبائل العمانية وعدم التفافها حول سلطة الحكم المركزي المتمثلة في إمامة عزان بن قيس. وخارجي تمثل في بريطانيا التي لم تكن تريد الإمام عزان في السلطة فهو يقوّض تدخلها في الشأن السياسي الداخلي لعُمان؛ لذلك ضغطت عليه من ناحيتين، الناحية الأولى تمثلت في الضغط الاقتصادي بإيقاف معونة زنجبار. والناحية الأخرى كانت ضغطا سياسيا بعدم الاعتراف الرسمي بسلطة الإمام عزان، وعسكرياً بمساندة السيد تركي وإطلاق سراحه ليكون منافساً على الحكم؛ وبالتالي تضييق الخناق عليه سياسياً واقتصاديا وعسكرياً.
- وفاته:
تُوفى الإمام عزان بن قيس في 9 رمضان 1287هـ/ 30 يناير ١٨٧١م، عن عمر يناهز الثلاثين عاماً، وذلك أثناء مشاركته في صد هجوم السيد تركي بن سعيد على مطرح، وكانت وفاته تحديدا ً في حلة جبروه في مسقط، ودُفن في مقبرة تُعرف حالياً بمقبرة حارة الشمال. ويمكن تلخيص مكانة الإمام عزان بما قاله لوريمر: “ربما كان عزان أعلى حكام عُمان المحدثين هِمة وأتعسهم حظاً، ذلك أن عُمان لم تعرف منذ أيام سلطان بن أحمد رجلاً في مثل حزمه ورجولته وحسن قيادته”. كما لخَّص المقيم السياسي في الخليج العقيد لويس بيلي حياة الإمام عزان بن قيس بقوله: “لقد عاش بطلاً، ومات بطلاً في ساحة الوغى”.
بالرغم مما سبق ذكره حول وجود آراء بشأن صحة نسبة الإمام عزان بن قيس إلى سلسة حكام الأسرة البوسعيدية إلا أن هناك حقيقة يكاد يُجمع عليها الكثيرون وهي أن الإمام عزان بن قيس استطاع أن يوحّد عُمان فعلياً ويسترد بعض المناطق التي خرجت من السيطرة العُمانية بسبب الخلاف حول السلطة منذ وفاة السلطان سعيد بن سلطان في عام ١٢٧٣هـ/ ١٨٥٦م وما نجم عن ذلك الخِلاف من صراع أدى إلى تفتيت للتراب العُماني وتمزيق للحمة الوطنية، وهو ما أكده روبرت لاندن بقوله: “أن أهم إنجاز لحكومة الإمام هو إخضاع عُمان كلها لسيطرته، وهذا ما لم يتسن إلا للقليلين من رجال الحكم في عُمان”.
وعموماً إن قراءة فترة حكم الإمام عزان القصيرة نسبياً، تقدم الكثير من الدروس في الجانب السياسي حول الوحدة الوطنية العُمانية وأسباب تقويضها. وفي ذات الوقت تقدم لنا دروساً في نواحٍ عدة، والدرس الأهم والمُلِح هو ضرورة إعلاء الوحدة الوطنية والتنازل عن كل المطامح والمطامع التي تمس الوحدة والمصلحة الوطنية. كما أن قراءة سيرة الإمام عزان تُحفز الباحث والقارئ للبحث عن بعض الشخصيات المهمة والمؤثرة التي ارتبطت بفترة حكمه بشكل مباشر أو غير مباشر-كأخيه إبراهيم وابن عمه فيصل بن حمود- وبعض الشخصيات النسائية ممن كان لهن دور سياسي واجتماعي بارز ومؤثر.
د. أحلام بنت حمود الجهورية