أثار “اتفاق ابراهام” التطبيعي بين الإمارات والمستعمرة الصهيونية؛ ردود فعل غاضبة على امتداد فلسطين والعالم العربي، وفتح الملفات من جديد، وفي مقدمتها ملفات صفقة القرن، كما أثار مسألة الأولويات الوطنية الفلسطينية والقومية العربية وإعادة ترتيبها من جديد، بما يتناسب مع هول الحدث وخطورته. فليس صحيحًا أنه ليس من جديد في هذا الاتفاق سوى أنه خرج من تحت الطاولة إلى العلن، بل يمكن اعتباره بداية تطبيقات صفقة القرن التصفوية في بعدها العربي التطبيعي.
فقد كان من المتوقع في ضوء صفقة القرن والتبني الأمريكي المطلق للخطاب الاستراتيجي والتوراتي الصهيوني، “أن يفعل اليهود-الغزاة والمستعمرون- ما يفعلوه”، وأن يواصلوا مشروعهم الاستعماري الاستيطاني على امتداد مساحة فلسطين من جهة أولى، وأن ينفذ بعض العرب ما هو مطلوب منهم أمريكيًا وصهيونيًا من جهة ثانية، وذلك على طريق تصفية وإنهاء القضية الفلسطينية من جهة ثالثة، ما يعني عمليًا استمرار الصراع والحروب والمواجهات، لذلك يجب أن لا يغيب عن البال، وعن الذاكرة، وعن الأجندة السياسية والإعلامية الفلسطينية والعربية، أن الاجماع السياسي الصهيوني ذاته، يقف وراء مشروع الحروب الصهيونية العدوانية تجاه القدس والضفة الغربية من جهة، وتجاه غزة من جهة أخرى. ويجب أن لا يعتبر الفلسطينيون من جهتهم، أن الاحتلال ينتهي عند حدود الرفض والاحتجاجات الأممية والأوروبية على قرارات الضم والتهويد الاحتلالية، أو احتجاجًا على “اتفاق ابراهام” مثلًا، بل إن هذا الاتفاق وتلك الاجراءات الاحتلالية المفروض منطقيًا أن تفتح كل الجبهات مع الاحتلال، فلا مجال للاستكانة والهدوء، ويمكن أن نقول أن هناك معارك استراتيجية باتت في الأفق الفلسطيني.
والتحديات وحقول الألغام التي تواجه الفلسطينيين من الآن فصاعدًا، مفتوحة وبلا سقف أو حدود أو مساحة، فنحن نتحدث هنا عن ملفات استراتيجية كبيرة، وعن معارك استراتيجية كبيرة وطاحنة من شأنها أن تقرر مصير القضية والشعب الفلسطيني إلى أجيال قادمة، فهناك أولًا ملف المدينة المقدسة التي تواجه في هذه الأيام اجتياحات تهويدية وجدران حصارية خانقة، وهناك ملف مدينة خليل الرحمن التي تجمع المؤسسة السياسية والدينية الاسرائيلية، على أن الأماكن الدينية فيها مثل الحرم الإبراهيمي، وكذلك البلدة القديمة تابعة لهم، وكذلك كل الأماكن الأخرى التي ترى فيها تلك المؤسسة أنها أماكن دينية يهودية، يجب أن تبقى تحت السيطرة اليهودية، ناهيكم عن ملف تكتلات المستوطنات، الذي يجمعون هناك في”اسرائيل”، على ضرورة ضم “تكتلات المستوطنات” إلى السيادة الإسرائيلية، يضاف إلى ذلك، وقبل كل ذلك ملف تهويد الأغوار على امتداد نهر الأردن وهو الأخطر في هذه المرحلة، وملف السيطرة على مصادر المياه، وملف الجدار، والملف الأكبر، الأكبر، وهو ملف إقامة الدولة الفلسطينية على امتداد أراضي الضفة والقطاع وفق برنامج التسوية الراحل، ويبدو أن أفق الدولة قد انتهى حاليًا، ناهيكم عن معركة توحيد جناحي غزة والضفة لمواجهة هذا التصعيد الاحتلالي الخطير الذي يهدد باختطاف كامل الضفة الغربية، وهذه المعركة ستكون كبيرة وصعبة جدًا..!!
ونقول.. إذا كان المشهد الفلسطيني الراهن، ترفرف في فضاءاته في هذه الأيام رايات الصمود والتحدي على امتداد الأرض المحتلة، فإن التحديات الآتية أمام الفلسطينيين كبيرة واستراتيجية من الوزن الثقيل، وفي طريقهم حقول ألغام لا حصر لها، تحتاج من أجل تفكيكها وتحييدها إلى جملة شروط واشتراطات فلسطينية، في مقدمتها تعزيز وتكريس الوحدة الوطنية الداخلية وتصليب جدرانها؛ وتحتاج أيضًا في مقدمة ما تحتاجه إلى جبهة عربية وإسلامية حقيقية (وهذه الجبهة أصبحت حلمًا)، تتصدى إلى الأجندة الصهيونية والأمريكية البريطانية المتحالفة معها، إلى جانب الفلسطينيين وليس من ورائهم.
ونعتقد أنه من الأولى والأكثر جدية للعرب العروبيين أو من بقي منهم، أن يكون على جدول أعمالهم دائمًا (ونتمسك هنا بآمالنا وطموحاتنا العروبية برغم مشهد التفكك والهوان الراهن):
- القيام بمسؤولياتهم القومية والتاريخية تجاه القدس وفلسطين.
- تحشيد كل الطاقات والإمكانات الممكنة وراء الشعب الفلسطيني دعمًا لصموده وبقائه.
- البحث عن، وبلورة آليات عمل جادة في التصدي لقطار التطبيع مع العدو الذي يقوده الأعراب.
- المطالبة بتأمين الحماية الدولية الفورية للشعب العربي الفلسطيني أولاً، والعمل بالسرعة القصوى من أجل تأمين الحماية العربية للفلسطينيين ثانيًا.
- الوقوف ببالغ الجدية والمسؤولية القومية أمام الحرب الاستعمارية التهويدية التي تشنها وتواصلها دولة الاحتلال الإسرائيلي في القدس والضفة.
- المطالبة بعقد محاكمة دولية لمجرمي الحرب الصهاينة بدلًا من الذهاب معهم إلى مؤتمرات السلام؛ الأكذوبة…
فمن الطبيعي والمنطقي والمشروع والملح أن تسير أمور القوى العربية العروبية في هذا الاتجاه الصحيح والعاجل، وأن يلملم العرب أنفسهم في هذه المرحلة العصيبة والمفصلية أكثر من أي مرحلة سابقة.
نواف الزرو