تدرجت القضية الفلسطينية خلال قرن من الزمان أي منذ مؤتمر سان ريمو عام ١٩٢٠م والانتداب البريطاني على فلسطين الذي مهد لتنفيذ وعد بلفور القائم على منح اليهود وطن قومي لهم في فلسطين، بل منذ أبعد من ذلك التاريخ حيث اجتماع الحركة الصهيونية الأول في مؤتمر بازل باشراف هيرتزل عام ١٨٩٧م الذي وضع خارطة طريق محددة بالتواريخ في هذا المشروع الاستعماري الصهيوني برعاية ومساندة قوى الاستعمار الدولي حتى تم انتهاء فترة الانتداب وتقسيم فلسطين ثم الاحتلال في عام ١٩٤٨م وبمصادقة من الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن، والحديث هنا يطول ويفتح ملفات ومجلدات في اطار الصراع العربي الصهيوني طوال قرن من الزمان بل ما يزيد على القرن إن اعتبرنا بداية المخطط مؤتمر بازل الصهيوني، وما يهمنا اليوم هو الحديث عن الراهن السياسي المسمى صفقة القرن والتي تمحورت من خطة اخطبوطية متعددة الأذرع لتشمل غزة الكبرى بتكاليفها الباهظة الى خطة مركزة في الضفة وأغوار الاردن، إلا أن الهدف في كلا الخطتين هو الضفة الغربية مع الحفاظ على فك الارتباط الجغرافي بين غزة والضفة والسيطرة الكلية على القدس وجميع الكتل الاستيطانية والمستوطنات المعزولة البالغة (١٩) مستوطنة غرب الجدار الفاصل في محاولة توسع جديد يصفه بعض أقطاب اليمين الصهيوني بأنه أكبر صفقة منذ مؤتمر سان ريمو التي أقرت الانتداب على فلسطين ثم الاحتلال لاحقا .
عندما اتضح فشل صفقة كوشنير فريدمان (المعقدة) في منتصف العام الماضي ٢٠١٩م وذلك بعد فشل مؤتمر المانحين في البحرين بالتوازي مع تصريحات مايك بومبيو أن الصفقة يصعب تطبيقها على أرض الواقع مع إرتباط جزء منها بسيناء المصرية وهو ما يعني فتح منافذ للشياطين في افشال الصفقة وكذلك صعوبة مرورها على القطاع المقاوم في غزة، ثم تجلت المخططات الصهيونية الخبيثة للانتقال الى تطبيق المشروع التوراتي الوهمي بسيادة وسيطرة الاحتلال على ما يسمى يهودا والسامرة وهذه الخطة بحد ذاتها ليست خطة بديلة في العقلية الصهيونية بل تحمل أبعادا أيديولوجية وقومية وخطة قديمة في مشروع “اسرائيل الكبرى” وهي تجنب اشكاليات الشق الاقتصادي ومسألة توفير (٥٠) مليار دولار من المانحين لتغطية التكاليف المالية الضخمة للخطة السابقة إلا أن كلفتها الأمنية لا يستطيع كيان الاحتلال تقديرها أيضا، وبالتالي فإن خطة الضم تعني وفقا لهذا المشروع ضم مساحة كبيرة من أراضي الضفة الغربية بما نسبته ٣٠% لتشمل الكتل الاستيطانية الكبرى والمستوطنات المعزولة والأراضي التي تقع غرب الجدار الفاصل والتي يقطنها مئات الآلاف من الفلسطينيين في تكريس لمفهوم (آبارتهايد) يأمل من خلاله الاحتلال منح الفلسطينيين إقامة دائمة تحت إدارة فلسطينية انتظارا لوقت آخر قد يتمكن فيه من إبعاد الفلسطينيين في اطار قانون يهودية الدولة القائم على أسس دينية بما لا يتفق مع القوانين والاعراف الدولية .
الوضع السياسي الدولي واقتناص ما يسمى اللحظة التاريخية بوجود ترامب على رأس الادارة الامريكية ومعارضة أوروبية خجولة ووضع سياسي عربي مترنح بل ومتردي يعتبره أقطاب اليمين في “اسرائيل” بالمثالي لذلك نشطت تحركات الاحتلال في تنفيذ هذه الخطة من على منابر البيت الأبيض والكنيست وفي الحكومة الاسرائيلية المصغرة والاتفاق بين قطبي الحكومة الليكود وحزب أزرق أبيض أو (نتنياهو – جانتس) على مشروع الضم الذي يمثل صفقة كبرى لزعيم الليكود نتنياهو على الصعيد الشخصي أيضا بعد تردد مستمر خلال الأشهر الماضية لأسباب داخلية .
مشروع الضم الذي يعتبر أساس صفقة القرن فيما لو تحقق يعتبر أخطر خطة احتلال منذ عام ١٩٦٧م ما يعني نسف كل ما سبق فيما يتعلق بحل الدولتين وعودة اللاجئين وقضية القدس وهي البنود الثلاثة الرئيسية وينهي أيضا القضية الرابعة وهي العودة الى حدود الرابع من يونيو ١٩٦٧م حسب القرار (٢٤٢) الصادر من مجلس الأمن وينسف كل المرجعيات السابقة وهو ما يعني نسف كل أوهام السلام التي استمرت ثلاثة عقود بين السلطة الفلسطينية والحكومات الصهيونية برعاية الادارات الامريكية المتعاقبة فيما يشبه الضربة القاضية أو سايكس بيكو جديدة صاحبها تنويم مغناطيسي للسلطة التي مضت في هذا المسار الوهمي وبغطاء سياسي عربي، مع رفض تام الانصياع لمشورة المؤتمنين على القضية منذ بداية أوسلو والى اليوم .
إن ما يمنع الكيان من تنفيذ الخطة دفعة واحدة أي ضم ال٣٠% من الضفة وغور الاردن هو التكلفة الامنية الكبيرة التي حذر منها جنرالات الجيش في وقت سابق ومبكر باعتبار أن المضي في تنفيذ المشروع يعد استفزازا للمقاومة الفلسطينية واحتمالية اندلاع انتفاضة ثالثة، وبالتالي انشغال كيان الاحتلال الاسرائيلي بالامن الداخلي بدلا من توجيه العمل نحو العدو الخارجي (ايران) كما يؤدي ذلك الى تسليط الضوء مجددا على القضية الفلسطينية من قبل الرأي العام الدولي، كما أن الهاجس الأمني وفوبيا الهزيمة التي تلاحق كيان الاحتلال منذ الانتفاضة الاولى ١٩٨٧م حتى اليوم يعتبر سببا مهما، وهناك مشكلة أخرى قد يواجهها كيان الاحتلال هي إحتمالية مغادرة ترامب البيت الابيض .
أعتقد أن الفكر اليميني المتطرف في كيان الاحتلال ينهج أسلوب المغامرة في اعتماد الحلول العسكرية ومحاولة نتنياهو تحقيق مجد شخصي بشكل أو آخر وأحلام ما يسمى يهودا والسامرة قد يدفع كيان الاحتلال للمجازفة في تنفيذ جزء من هذه الخطة وإرجاء نصفها الآخر المتعلق بغور الأردن لوقت آخر، وهذا الجزء هو الأهم في مشروع صفقة القرن الاستيطانية، ولكن بالمقابل فإن المقاومة الفلسطينية الباسلة في عموم فلسطين تترقب ما تسفر عنه الاحداث القادمة متأهبة لأي اعلان في تنفيذ هذا المشروع باعتباره يمثل حالة حرب كما أعلنت عنه الفصائل في رسالة واثقة ومؤمنة بقضيتها شعارها : “وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصيرا” فتحية لكم يا أبطال الرباط تحية لكم يا أبطال فلسطين فانتم الخط الاول الذي نراهن عليه في الدفاع عن القضية، وستبقى فلسطين عربية حتى يتم التحرير الكامل من النهر الى البحر عاصمتها القدس الشريف والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين .
خميس بن عبيد القطيطي