يُقاس تقدم الدول بمدى تطورها في مجالات عدة، لكن أكثرها في الجانب الإلكتروني والتكنولوجي، وهناك عشرات الأمثلة من الدول لم تكن معروفة، وأصبح لها مكانة مُعتبرة على الخارطة العالمية، بعدما استطاعت الاستفادة القصوى من الثورة التكنولوجية في بداياتها، ولا يشك اثنان في أن التكنولوجيا هي المصباح السحري والورقة الرابحة للدخول في نادي المنافسة العالمية، ولن تتمكن أي دولة بأي حال من الأحوال إن أرادت أن تتقدم وتنمو وتزدهر، إلا أن تستفيد من عنصر التكنولوجيا، وأن تضعها في قمة أولوياتها الاستثمارية.
عليه.. فإنَّ المطالبة المجتمعية في السلطنة مستمرة بالتحول الرقمي، خاصة وأن عُمان ذكرت هذا الموضوع منذ منتصف التسعينات من القرن الماضي، إلا أنَّ هناك تفاوتًا في تطور جانب رقمنة الخدمات من جهة حكومية إلى أخرى، مما يجعل المستخدم من مواطن أو مقيم أو متصفح من خارج السلطنة يحكم على هذه الخدمة الإلكترونية من خلال تجربته الشخصية، والتي لا يمكن أن يعتد بها كحكم نهائي على مدى تطور الخدمات الإلكترونية أو تخلفها.
من هنا يأتي مقترح إنشاء منصة إلكترونية حكومية متكاملة تكون بعدة لغات وجذابة وسهلة وصديقة وغنية بالمعلومات وتفاعلية للمُتصفح، وتضم قسمين: القسم الأول للخدمات المقدمة للفرد، والثانية للمؤسسات، وهذا ما أود التركيز عليه في هذه المقالة.
وكما هو ملحوظ من العامين 2020/ 202 صدور كثير من القوانين والإجراءات لم تكن معتادة من قبل، وتبعتها في أوقات متفرقة الإعلان عن عددٍ من الحزم التحفيزية من عدة جهات، لكنه حسب ملاحظتي لم يكن لها أثرٌ عظيم، ويعود ذلك لأنها تصدر في أوقات متفرقة، وتظل الجهود مُشتتة، ويظل المستهدف منها يرى أنها قليلية وغير فعالة، ويظل غير راض عن الحوافز والتسهيلات المقدمة إليه. لكن إن كانت هناك منصة إلكترونية حكومية واحدة يتم ضم هذه الحزم التحفيزية فيها على سبيل المثال، فإنَّ الحكومة سوف تحقق كثيرًا من الأهداف، منها رضا المتصفح/ المستخدم، وتجميع الحوافز والتسهيلات في مكان واحد التي ستكون كثيرة التي تبعث برسالة إيجابية للمستثمر المحلي والخارجي، وسوف تمكن الحكومة من تطوير التشريعات والقوانين بشكل مستمر، وسوف يتضح لديها أيًا من الجهات الحكومية مواكبة للغة العصر، وأيًا منها متخلف أو المعرقل لتطبيق رؤية “عمان 2040″، كما إنها سوف تُلزم الجهات الحكومية بشكل غير مباشر بأن تتكامل مع غيرها من المؤسسات الحكومية.
الأهداف الإيجابية المُحققة لن تكون للحكومة فقط؛ بل للمستثمر المحلي والمستثمر المستهدف من خارج عُمان، وستخلق ثقة متبادلة وصورة ذهنية جيدة بأنَّ الحكومة جادة في التحول الرقمي الجاد والملموس في أرض الواقع، وسوف ترفع ترتيب السلطنة في المنتدى العالمي للتنافسية، وباقي مُؤسسات التقييم العالمية المتخصصة والرصينة في الرقمنة والشفافية والخدمات الحكومية المُتقدمة.
مبادرة ضم الخدمات الحكومية والتسهيلات والحوافز في منصة إلكترونية واحدة مُطبقة في كثير من الدول، وإن استطاعت السلطنة أن تطبقها بصورة نموذجية، واستطاع القائمون عليها تسويقها محليًا وإقليميًا وعالميًا، سوف تنقل التجارة والاستثمار نقلة نوعية، وسوف تحقق أهداف رؤية عُمان المستقبلية بشكل أسرع وأفضل، وستعمل جنبًا إلى جنب مع أنظمة الحوكمة ووحدة قياس الأداء المؤسسي المزمع إنشاؤها في القريب العاجل والتي ستتبع جلالة السلطان المُعظم- حفظه الله ورعاه.
لقد حان الوقت لأن نبدأ من حيث انتهى الآخرون، ولا عيب في ذلك، فقد أثبتت الأيام أن تشتت الجهود- وإن كثُرت- لا يأتي بقيمة مضافة؛ بل يلحق السخط وثقافة عدم الرضا، وقد حان الوقت لأن تجد الحكومة حلولًا عصرية ابتكارية تحول الإحباط وعدم الرضا إلى ثقافة الشراكة المجتمعية والحوار المُستدام والتفاعل الإيجابي من خلال أدوات افتراضية ومنصات إلكترونية متطورة.
خلفان الطوقي