لقد وقع أثرياء العرب في كبوة كبرى، عندما أرادوا لأولادهم الدراسة في بلاد الغرب، فوقع الصبية ضحية في براثن اليهود والغرب، وهناك فرّخ التعليم أصحاب سلطة بلا حكمة، بل انقياداً أعمى للأعداء، وعُملاء ضد بلدانهم وأوطانهم، فإذا نظرت اليوم إلى ساحة العالم العربي طولاً وعرضاً، ستجد بصمات التخريب للأبناء الذين تتلمذوا على أيدي الأعداء.
فنحن العرب ننظر للأعداء على أنَّهم محبون وأصدقاء، وهم ينظرون إلينا بنظرة الأعداء الألداء، فعندما يُرسل إليهم أبناء التجار والأغنياء والشيوخ والحكام، فإنِّهم يجدون ضالتهم فيهم، أما عامة النَّاس فقد لا يهتمون بهم كثيراً، وذلك مقارنة بالصيد الثمين الذي يأتيهم بقدميه، مدعَّماً بالمال والسلطة.
إنَّ الغرب الذي استقبل طلبة العلم من أولاد الذوات، لم يضيعوا الفرصة معهم، فأدخلوهم في شرانق التهيئة لمُستقبل هم من يُخطط له، فأصبح الولاء والانتماء ليس للوطن العربي، وإنما للغرب ومصالحه الاقتصادية والعسكرية والسياسية، فهذا الغرب الذي عُرف عنه كيف يُخطط لمستقبله، فهم عندما يضعون الخطط المستقبلية، لا يَنْظُر هذا المُخطِط على أنه سيشرف على التنفيذ، لذلك تكون الخطط بعيدة المدى، وإنما يفعلون ذلك مصداقاً للحكمة التي تقول؛ زرعوا فأكلنا، ونزرع فيحصد من يأتي بعدنا، وإن المُخططين الغربيين تشبه مخططاتهم مخططات اليهود، فعلى سبيل المثال، تمَّ إعلان تأسيس الحركة الصهيونية على يد تيودور هرتزل في مؤتمر بال بسويسرا عام 1897م، ولكن مُخططاتهم قد بدأت قبل المؤتمر بعشرات السنين، وذلك بشراء أكبر مساحة من الأراضي الفلسطينية، وذلك تمهيداً لإقامة الدولة اليهودية.
إنَّ من مخططات الغرب، نزع المرجعية من وجدان الإنسان العربي، حتى لا تكون له مرجعية محلًا للنخوة والاعتزاز، فاليوم لو سألت العربي ما هي نخوتك؟ فلن يقول لك “العروبة” ولن يقول لك الدين الإسلامي، وقد لا يجد ما ينتخي به إلاّ دفتر الشيكات، فقد جعلوا العروبة قرينة بالتخلف، وربطوا الإسلام بالإرهاب، فصار العربي بلا نخوة، ولا عصبة ينتخي بها، في حين يقرُّ هذا العربي بالدولة اليهودية للصهاينة، ويستقبلونهم بالقلنسوة على رؤوسهم، ويعرفون أن اليهودي يعتزّ بيهوديته، ولكن العربي ليس لديه ما يعتزّ به، إلا بقدر ما استطاع أن يُدمر ويخرب في أرض العرب لصالح الأعداء، نعم يستطيع أن ينتخي لليهود بالقول: إنِّه دمر العراق وليبيا واليمن وسوريا، وإنه يهزّ الاستقرار في مصر والأردن وتونس والجزائر والسودان، ولبنان، والصومال، وغيرها من بلاد العرب، وهذا يعد إنجازاً عظيماً للغرب، فلو أحضرت جيوش الغرب كلها، ما أحدثت ما أحدثه العرب في الأمة العربية.
لقد ظل بعض العرب يعملون سراً لخدمة إسرائيل، وأرهقوا شعوبهم بالتقتير عليهم، ووظفوا الأموال العربية في خدمة الأعداء، وشردوا من لم يرضه هذا الخنوع، أو زجوا بهم في السجون، أو الحروب العبثية، كل ذلك خدمة للصهاينة والغرب، ومع ذلك لن يرضوا عنهم، وصدق الله حين قال:{وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ}البقرة (120) والله هو خالقنا جميعاً، ويعلم ما توسوس به نفوسنا جميعاً.
لقد بالغ الذين قرروا إعلان فتح الأبواب المُغلقة أمام الصهاينة، فقد كانت محبة شخصية بينهم والصهاينة، ولكن اليوم قد أجبروا الأطفال وكبار السن على القول بمحبة الصهاينة، وهم من تعودوا على بغضهم في الله والدين والوطن، والأمر الأخطر من هذا كله، عندما يقدّم لهم دعاة الدين ويمهدوا الطريق أمامهم، وإن كان في الحقيقة الدين بريء من هؤلاء المدعين، بعدما مجّدوا الفتنة الطائفية على الدين الإسلامي السمح، وصاروا اليوم يروجون لطيبة اليهود وسماحتهم، وقد نسوا تماماً فلسطين والشعب الفلسطيني، ونسوا قبلة المُسلمين الأولى، وأولى القبلتين، وثالث الحرمين، ومسرى سيد الثقلين – صلى الله عليه وسلم – تركوها أسيرة في يد اليهود الغاصبين.
إنَّ الفعل الخطير الذي يقوم به رجال الدين، ولا أسميهم علماء، فالعالِم يخشى الله عزّ وجلّ، أما رجال الدين فيعملون ما يُؤمرون، ويرضون أربابهم في الأرض، إذن فالأمر الخطير عندما يسرفون في الزعم بوداعة وطيبة اليهود، ويظهرونهم على أنهم قد وقع عليهم تعسف وظلم في صدر الإسلام، وأنهم عمدوا إلى تغيير سورة الإسراء إلى سورة بني إسرائيل، ولن يتوقف هذا الأمر عند هذا الحد، وإنما هناك آيات صريحة تحذر من غدر وخبث اليهود، فماذا هم فاعلون؟!
إن الخطأ الاستراتيجي الكبير الذي وقع فيه بعض العرب اليوم، هو إقرارهم بأخوتهم لليهود، فحتماً سيدفعون بهم إلى فوهة المدفع مع من يُعادون، فعلى سبيل المثال؛ فإنَّ إيران اليوم لا تحتاج أن تعبر جغرافية بعيدة حتى تصل إلى إسرائيل، فقد أتت بنفسها إلى حدود إيران القريبة، ومن غير المتوقع أن تكون إسرائيل قد أتت إلى هذا القرب، لكي تُعلن التودد والصلح مع إيران، وإنما لإشعال الفتن والحروب، وأن القول الفصل أنزله الله في القرآن الحكيم إذ يقول:{لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ..} المائدة (82) وإذ علمنا أنَّ عداوة اليهود ثابتة وواقعة، ولا يناصرهم إلا مُشرك، فما وضع من يناصرهم من المسلمين؟!
إن المكر الذي مكروه في فلسطين، وقد نجح مكرهم هناك لاحتلال الأرض والتوسع فيها، فإن تكرار هذا المكر بمنطقتنا سيكون شبيهاً بما وقع هناك، خاصة في خضمّ هذا الترحيب الكبير الذي تلقوه في المنطقة، وصار البعض يرحب بهم بالتلفظ ببعض الكلمات العبرية، فأمام هذه الفرحة العارمة، ستنجز المهمة بأسرع مما ظل عليه الحال في فلسطين، وربما سينتقل الصهاينة من فلسطين إلى المنطقة، إذا ضيق عليهم هناك، ولن تقوى سذاجة بعض العرب أمام خبث ومكر اليهود.. وفي الختام لا أقول إلاّ اللهم سترك يا ربِّ العزة والجلال، وألا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا.
حمد بن سالم العلوي