حوار د. عزة عبدالقادر
مقدمة
معصوم مرزوق، بطل من أبطال حرب أكتوبر 1973
حصل على وسام الشجاعة من الطبقة الأولى وهو دبلوماسي ـــ سياسي وكاتب مصري، وقد عمل خلال مسيرته المهنية سفيرا لمصر في أوغندا وفنلندا وإستونيا، وشغل منصب مساعد وزير الخارجية المصري، وعمل دبلوماسيا في الإكوادور ونيويورك والأردن.
السفير مرزوق لديه اهتمامات أدبية، فهو كاتب قصة قصيرة متميز، حيث فاز بجوائز مصرية عنها، ومن بين مؤلفاته مجموعة قصصية بعنوان: “الولوج في دائرة التيه” ورواية بعنوان “أشجار الصبار” ، كما ترجم دراسات عديدة عن حروب مصر عام 1967 وحرب اليمن ودراسات عن الصراع العربي الإسرائيلي.
في أغسطس عام 2018 تم القبض على السفير معصوم مرزوق بعد إعلانه عبر صفحته على فيسبوك عن مبادرة يطالب فيها بإجراء استفتاء شعبي حول استمرار النظام الحالي في الحكم من عدمه، وتتضمن المبادرة الدعوة للاحتشاد في ميدان التحرير يوم 31 أغسطس 2018، إن لم يستجب النظام لفكرة الاستفتاء.
بعد مرور تسعة أشهر قيد الحبس الاحتياطي، أمرت نيابة أمن الدولة العليا، يوم الإثنين الموافق 20 مايو 2019 بإخلاء سبيل السفير معصوم مرزوق و4 آخرين على ذمة التحقيقات في اتهامهم بمشاركة جماعة محظورة وتكدير السلم والأمن العام، ونشر أخبار كاذبة.
إلى نص الحوار:
– في البداية سيادة السفير معصوم مرزوق كيف تحب أن تقدم نفسك للقراء؟
أنا إنسان مصري بسيط، أعشق تراب مصر، وأؤمن بقدرات الشعب على تحقيق ما يبدو مستحيلاً، ودليلي هو”عبور قناة السويس في أكتوبر 1973″، لقد كان معجزة حقيقية لم يتوقع أحد أن تنجح. أنا قارئ نهم، منذ نعومة أظافري أصبح الكتاب خير رفيق لي، وظللت وفياً له حتى في زمن”الإنترنت”، وكنت خلال رحلاتي الكثيرة لا أنسى أن تكون للكتب التي أصحبها معي أو أخطط لشرائها لها الأولوية في ترتيبات السفر، كذلك عشقت الكتابة وصارت ملازمة لي أيضاً منذ مرحلة مبكرة من حياتي، ولدي آلاف السطور التي سطرتها والتي لم يُنشر منها سوى القليل، وأظن أنني شخص متسامح ومنفتح على الحوار، أرفض التعصب والنفاق والادعاء، كذلك أنا متفائل بمستقبل مصر وعملت طول حياتي كي أساهم بما أستطيع لتحقيق هذا التفاؤل.
– من وجهة نظرك باعتبارك كاتب في مجال الأدب والسياسة كيف يمكن أن نجعل هذا الحوار غير معتاد؟
نستطيع أن نتجاوز الاعتياد إذا طرقنا الأبواب التي يخشى الآخرون الطرق عليها، وأن يكون الحوار عبارة عن ظفيرة يظفرها السؤال مع الإجابة في سعي دائم للحقيقة.
أي حوار جاد لا يهتم بالشخصنة بقدر التركيز على الموضوعات التي تهم الناس، كما أن أي حوار يجب أن يفهم في حدود أنه “ليس عنوانا لأي حقيقة”، و”ليس حكماً بلا نقض أو إبرام”، بل مجرد نبش في أرض الواقع لبذر بذرة ربما أثمرت ذات يوم.
– بصفتك دبلوماسي تمتلك مهارة وخبرة سياسية هل تشعر بالأسى على مصر وأنت تراها بلا ساسة أو دبلوماسية؟
لم أشعر بأسي أو يأس أبداً لأنني كما سبق وذكرت “أؤمن بقدرات الشعب المصري”، وأستطيع أن أقول بكل اطمئنان أن مصر غنية بمثقفيها ونخبها، ولديها رصيد لا يتوفر لشعوب أخرى من شباب قادر وراغب في إحداث الفارق، وأؤكد أيضاً أن المؤسسة الدبلوماسية المصرية هي وعاء يشتمل على خبرات عظيمة، وتجارب متراكمة يحق لنا أن نفخر بها. ومهما كانت التحديات الماثلة، فإنه لا ينبغي أبداً أن نفقد الثقة بالنفس والأمل في غد أفضل.
– بصفتك كنت ضابطا كبيرا في قوات الصاعقة، هل تغيرت بالفعل عقيدة الجيش المصري كما يسوق الإعلام العالمي؟
أسمحي لي بالتصحيح، “كنت مجرد ضابط شاب”، حيث أنني تركت القوات المسلحة مبكراً عندما نجحت في اختبارات الالتحاق كدبلوماسي بوزارة الخارجية، ولكنني أرفض ما تحاول بعض الدوائر الصهيونية تسويقه لخلط الحقائق وتزييف التاريخ، الجيش المصري هو جيش وطني قوي، ويدرك جيداً إلى أين توجه مدافعه ومن أين يأتي الخطر، ولن تتغير العقيدة إلا إذا تغيرت الأيدولوجية العنصرية الصهيونية التي تتجه دائماً إلى التوسع، عادت فلسطين وطناً لكل من يعيش عليها من كل الأديان بلا تفرقة أو تعصب.
سيظل الخطر يهدد حدودنا الشرقية طالما ظلت الأيديولوجية الصهيونية هي الحاكمة.
– هل يمكنك إلقاء الضوء على الشخصيات السياسية الآتية في كلمات مختصر؟
* الرئيس محمد أنور السادات
تولى الحكم في فترة عصيبة لمصر، وكانت لديه الشجاعة الكافية لاتخاذ قرار استراتيجي خطير لعبور قناة السويس، لكنه كأي حاكم فرد ارتكب أخطاء جسيمة في مرحلة ما بعد الحرب سواء لاستغلال ما حققه الجيش المصري من نصر، أو في مرحلة التفاوض التي شابها قصور هائل كتب عنها كثيرون مثل كيسنجر وبطرس غالي وكارتر.
وكانت الفردية أيضاً وراء فشل سياسته الاقتصادية وقصور التجربة الديمقراطية التي كان له فضل إعادتها للحياة.
* الوزير الأسبق محمد إبراهيم كامل
إنسان وطني حتى النخاع، ودبلوماسي نبيل، عندما وجد أن السفينة تنحرف بشكل حاد، ترك قمرة القيادة في هدوء، وأثبت أن مصر بها رجال تمثل لهم المبادئ قيمة أرفع من مواقع أي سلطة أو نفوذ.
* الدكتور محمد البرادعي
أظن أنه يمكن اعتباره بشكل ما “غاندي” السياسة المصرية، وأعتقد أنه ظُلم كثيراً فيما يتعلق بدوره أثناء ترتيبات غزو العراق، وأستطيع أن أجزم كشهادة للتاريخ بأنه حاول أن “يفرمل” الثور الأمريكي الهائج “بوش الابن”، لكنه لم يكن يمتلك الكثير من الأدوات.
* وزير الخارجية الأسبق عمرو موسى
شخصية مثيرة للجدل، لكنه ذكي، متحرك، مناور ولبق، يجيد العلاقات العامة التي تعد أهم قدراته الشخصية.
* الدكتور سعد الكتاتني
لم أعرفه عن قرب، وشأنه شأن أغلب السياسيين المصريين الذين لم أحتك بهم ولم أعرفهم بسبب وجودي أغلب الوقت خارج مصر لا أستطيع أن أتحدث عنه، سواء له أو عليه.
– ما رأيك في شباب ثورة 25 يناير2011 وهل تعد أحداث يناير ثورة كما يصفها الإعلام بالفعل أم إنها مجرد انتفاضة تحولت لانقلاب عسكري؟
رأيي كتبته في مقالات متعددة، ولقاءات تليفزيونية كثيرة. أنهم أنبل وأشرف وأعظم ظاهرة سياسية واجتماعية شهدتها مصر في العصر الحديث. وإن لم تكن “يناير” ثورة، فأي شيء آخر يمكن أن نطلق عليه هذا الاسم؟
– تحدثت فيما قبل محذراً ثوار يناير من التسويق للانشقاق بين الجيش والشعب والتوقف عن ترديد عبارة (يسقط حكم العسكر)، أرجو أن توضح رؤيتك تفصيلياً للشباب؟
لقد رفضت – وما زلت أرفض – تلك المحاولات الخبيثة لإقحام الجيش في مستنقع السياسة سواء بحسن نية أو سوء نية، وذلك الشعار الملتوي (يسقط حكم العسكر) قد يحمل إساءة لأغلى جوهرة يمتلكها مصر، فلا زلت أتذكر المرارة عندما كنت أنزل إجازة من الجبهة واستمع إلى انتقادات وسخرية من الجيش بسبب النكسة. مهما كانت خلافاتنا السياسية يجب أن نبتعد بها عن الجيش، لأنه باختصار ملخص المجتمع المصري كله بلا تفرقة.
– لماذا آثرت المقاومة السياسية عام 2018 ولم تفكر بالسفر خارج مصر رغم علمك بانسداد الطريق السياسي؟
أنا أؤمن بالعمل السلمي القانوني طول حياتي، ومن يقرأ مقالاتي على مدى ما يزيد على ثلاثين عاماً في صحف ومجلات مختلفة سوف يدرك أنه لو مد خط على استقامته لوجد أنني أدافع عن قناعتي التي أكونها بعد دراسة عميقة، ولكنني في نفس الوقت منفتح بشدة للنقاش والحوار، ولدي شجاعة الاعتراف بالخطأ.
لم أفكر أبداً في الهجرة خارج مصر، ورغم الإغراءات الكثيرة التي تعرضت لها على مر السنين بما في ذلك العمل في منظمات دولية براتب كبير، إلا أنني وأسرتي لا يمكن أن نعيش خارج هذا الوطن الجميل مهما كانت المشقة.
منذ سنوات اشتريت مقبرة لي في مدينة 6 أكتوبر، ودائماً أقول: “لقد حاربت في أكتوبر، وأعيش حالياً في أكتوبر، وسوف أدفن بإذن الله في أكتوبر.
– هل ما زلت تحتفظ بالأمل داخلك أم أن تجربتك في الأسر أشعرتك بالإحباط؟
لقد تعلمت ألا أفقد الأمل أبداً، لقد كنا نقف على الشاطئ الغربي لقناة السويس ونتأمل إلى الساتر الترابي المهول على الضفة الأخرى وما يحمله من النقط القوية للعدو، ونقول بتأكيد “لن نفقد الأمل وسوف نعبر”، وكانوا يعزفون مزامير اليأس كل ساعة كي يحبطوا عزمنا، ولكن مئات آلاف من شباب مصر قفزوا قفزتهم الهائلة يوم 6 أكتوبر كي يؤكدوا أن من ينتصر للأمل ينصره الأمل.
أما عن تجاربي التي تبدو مؤلمة، فيكفي أن أقول لك أن “الزنزانة” كانت أكثر اتساعا وراحة من “حفرة” تحت الأرض أمضيت فيها أروع أيام شبابي بلا ندم. وكل إنسان هو وريث أحلامه.