على مدار العقود الثلاثة الماضية وهي المدة التي بدأتُ فيها العمل في بلاط صاحبة الجلالة “الصحافة”، وهناك مصطلح لازمني كمتابع للأوضاع الاقتصادية أن “اقتصادنا صغير”، يردده من له علاقة بالشأن الاستثماري والاقتصادي سواء كان على المستوى الرسمي أو على مستوى القطاع الخاص، وهو القطاع المعني بتوسيع حجم الاقتصاد، عبر شراكة حقيقية مع الحكومة؛ فالحكومة تقول دائمًا إنها تمد جسور التعاون مع القطاع الخاص وتعتبره الشريك الاستراتيجي في العديد من المشاريع التي تطرحها وترى أن القطاع الخاص هو الأجدر بإدارة هذه المشاريع.
لكن تمر سنوات ومصطلح “اقتصادنا صغير” يلازمنا حتى أصبح واقعًا نؤمن به ونعترف بسببه، بعدم قدراتنا على التوسع في إقامة وتنفيذ مشاريع نوعية ذات قيمة محلية مضافة عالية، بحجة أن “اقتصادنا صغير”، ولا يحتمل إقامة مشاريع عملاقة نظرا لصغر حجم السوق. وقد اشتركنا وللأسف بوعي أو دون وعي في تقزيم هذا السوق؛ ليظل صغيرا رغم أن الواقع يخالف ما يشاع عن أن سوقنا واقتصادنا صغير.
أتحدثُ عن هذا الأمر من باب مناقشة وضع اقتصادنا الذي يعد لدى القاعدة العريضة أنه اقتصاد صغير، وهذا المصطلح اسمعه من مسؤول عندما نناقشه حول الفرص الاستثمارية التي تطرق أبوابنا ولا يفتح لها المجال وكأن بيئتنا الاقتصادية طاردة للاستثمارات العملاقة. وأيضًا القطاع الخاص لديه نفس القناعة عندما تتحدث مع رجال الأعمال أو أصحاب الشركات، وتطرح عليهم سؤال: لماذا لا توسعوا أعمالكم؟ ولماذا بعض مشاريعكم تتجه إلى دول ما وراء البحار والمحيطات؟ والرد يكون أيضًا أن “اقتصادنا صغير” ولا يتحمل وجود شركات عملاقة، وهذا المصطلح انتقل إلى الأكاديميين والكُتّاب وحتى أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة عند مناقشة أمر اقتصادنا ويرون أن “سوقنا صغير”.
أقول إننا نحن من قزّمنا هذا السوق العملاق والمترامي الأطراف، فكيف يكون سوقنا صغيرًا ونحن نملك بلدًا واسعًا يتسع لأكبر وأضخم الشركات العملاقة العالمية؟! كيف يظل سوقنا صغيرًا ولدينا قوانين وتشريعات مشجعة ومحفزة لجذب المزيد من الاستثمارات؟! كيف يظل سوقنا صغيرًا وقد حبا الله هذا البلد بخيرات وفيرة وبأراضٍ شاسعة وبحار وخلجان وجبال ووديان، كما تعد بحارنا أفضل وجهات على الإطلاق وتقع ضمن خطوط الملاحة الدولية الآمنة لمسارات السفن العملاقة؟! كيف يظل اقتصادنا صغيرًا وبلادنا تمتلك شواطئ تصل مساحتها لأكثر من 3000 كيلومتر؟ وهذه الشواطئ المتميزة من شأنها أن تجعل بلادنا واحدة من أجمل الدول التي تجذب الاستثمارات العالمية لإقامة أجمل المنتجعات السياحية.
كيف يظل سوقنا صغيرًا وبلادنا حباها الله بأمن وأمان واستقرار، فالحمد لله تصنف عُمان في المؤشرات العالمية على أنها بلد الأمن والأمان، فلماذا لم نستفد من هذه المميزات بأن نوسع من سوقنا ونجعله سوقًا ضخمًا وعملاقًا؟!
هل فعلًا الأطراف ذات العلاقة بالشأن الاستثماري على قناعة بأن سوقنا صغير أم أن هناك ضبابية تحجب عنهم الرؤية وتجعلهم يقتنعون بأنَّ “سوقنا صغير”؟
يجب أن يتبدل هذا المصطلح بمصطلح “سوقنا واسع وكبير ويستوعب الجميع”.
أقولها بصراحة إن سوقنا ليس صغيرًا؛ بل عملاقًا بكل ما تعنيه الكلمة، ويجب علينا من الآن أن نردد في كل نقاشاتنا وملتقياتنا وجلساتنا الحوارية أن سوقنا ليس صغيرًا، حتى لا نكون كمن أطلق الكذبة وصدقها!!
يجب علينا أن نضع الأمور في نصابها الصحيح ونرد على من يصف اقتصادنا وسوقنا بأنَّه صغير، أن هذا الأمر ليس صحيحًا ونقارعه بالحجة والبرهان أن سوقنا ليس صغيرًا.
آن الأوان لتوسيع رقعة هذا السوق ليصبح عملاقًا وكبيرًا ونُحقق متطلبات رؤية “عُمان 2040″. فحتى نحقق هذا الهدف علينا- حكومة وقطاعا خاصا ورجال الأعمال والمستثمرين- أن نقلب المعادلة بتوسيع مكانة السوق لكي ينافس ويناطح الأسواق العالمية الضخمة، فلدينا كل الإمكانيات لنتحول إلى واقع حقيقي بأن سوقنا كبيرا وليس صغيرًا. ونقول لـ”اللوبي” الذي يتعمد تقزيم هذا السوق أن الوضع تغير وسنرى بلغة الأرقام خلال المرحلة المقبلة أن الاقتصاد العماني عملاق وسوقنا كبير، وعلينا أن نعمل على توسيع رقعة هذا السوق من أجل أن يعم الخير الجميع.
حمود بن علي الطوقي