طالما تغنينا ونحن طلاب في المدرسة بشطر البيت الشعري المشهور (… كن جميلا ترى الوجود جميلا) للشاعر اللبناني إيليا أبو ماضي حيث انغرس في ذواتنا حب (الكشخة) من ذلك البيت ونسينا السؤال المرتبط بالأثر الأهم وهو : كيف نرى الوجود جميلا!
الجماليات وجدت قبل خلق الإنسان، وهي ما تولد لدينا شعورا انفعاليا مفعما باللذة والإعجاب عند التعرض لها فهناك جماليات الأشكال والألوان والأصوات التي نجدها مثلا في مناظر النخيل الوارفة وتحليق أسراب الحمام وزقزقة العصافير ومسير الأغنام وألوان الفراشات وهناك جماليات السرديات اللغوية كفنون الشعر والخطابة وغير ذلك من الجماليات التي جاءت منها ابداعات البشرية منذ القرون الأولى حتى الآن.
طبيعة الشعور الجمالي قد يظهر في جملة عاطفية مثل (ما أجملك!) وفي جملة رياضية مثل (صناعة الهدف رائعة وتسجيل الهدف أروع) وفي جملة تنبع من الذات مثل (ما أحلى اللحظات التي نعيشها) وغير ذلك من الجمل التي تولد شاعرية داخلية مبهجة وهنا مدخل الوجود الذي نريد أن نراه جميلا.
ربما قد يأتي أحد مرتدي القبعة السوداء – كما في نظرية القبعات الست – ليقول بإن تلك النظرة الجمالية غير واقعية وحالمة (حبتين زيادة) وكما أن الجمال موجود فإن القبح موجود وذلك عبث فكري لكون تأثير ما نتعرض له يحدده الذي نمتلكه من وعي مكتسب في ثقافتنا وهويتنا فما نراه جميلا يراه الآخرون غير ذلك وما كان من أزياء كان ينظر لها بأنها (موضة قديمة) عادت للظهور وتغيرت النظرة الجمالية لها ومحطات القطارات العتيقة والمدن القديمة غدت استثمارات تدر ذهبا من خلال استهدافها في تصوير الأفلام في كافة المجالات الفنية وهذا دليل آخر على أن نظرة الجمال والقبح نحددها نحن وأتذكر هنا النقاشات التي لا تنتهي أثناء نشاطنا في جماعة الانشطة الطلابية في الكلية بشأن معايير الجمال – تمهيدا لخوض تجربة الزواج لاحقا – والذي ينتهي غالبا بأن الجمال هو جمال الروح.
على صعيد التربية والتعليم لا يكفي تدريس الأدب كأدب فقط والشعر كشعر فقط والرسم كرسم فقط دون استشعار قيمتها، ومع تحيزي للعلوم التطبيقية – مجالي الذي أحبه وتخصصت فيه بعد المدرسة – إلا أن العلوم الإنسانية هي من تبني شخصية الطالب بما فيها من قيم وعادات ومبادئ وسلوكيات وعليه فإن تدريس تلك العلوم ليس ترفا يختزل لصالح علوم الفيزياء والكيمياء وغيرها بل يتعدى ذلك ليصب في تعزيز فهم الإنسان وهويته وتحقيقه لذاته لنصل الى الثقافة الجمالية التي يتحقق بها ما قاله إيليا أبو ماضي : (كن جميلا ترى الوجود جميلا).
محمد سيفان الشحي
٨ يناير ٢٠٢١ م