أسدل الستار اليوم على ولاية الرئيس الأمريكي الخامس والاربعين بما حملت من سياسات على الصعيد الداخلي والخارجي للولايات المتحدة الامريكية، ورغم المواجهات التي شهدتها الولايات المتحدة وحادثة اقتحام الكونجرس الامريكي من قبل مؤيدي الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب بتاريخ ٦ يناير الماضي كأول مرة تتعرض فيها الولايات المتحدة الامريكية لصدامات داخلية وانقسام داخل المجتمع الامريكي بنهاية عهدة رئاسية بما شهدته سنواتها الاربع من حالة عالمية غير مستقرة في أكثر من ملف دولي وانسحابات متعددة من اتفاقيات ومعاهدات دولية كانت الولايات المتحدة تعتبر الركن الرئيس لها كاتفاقية باريس للحد من تغير المناخ وتقليل الانبعاثات الحرارية، ومعاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى مع روسيا، واتفاقية الأجواء المفتوحة التي تسمح بعبور الاجواء الدولية للدول الموقعة عليها، والانسحاب من الاتفاق النووي الايراني الذي بذلت فيه ادارة اوباما جهودا كبيرة للتوصل إليه، والانسحاب من مجلس حقوق الانسان العالمي، والانسحاب من منظمة التربية والثقافة والعلوم، ووقف تمويل منظمة الصحة العالمية واتهامها بالفشل في مواجهة جائحة كورونا، والانسحاب من اتفاقية الشراكة التجارية عبر المحيط الهادئ، وإنهاء المشاركة في الميثاق العالمي للهجرة، والعديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية في حالة استثنائية لم تعرف عن الولايات المتحدة الامريكية خلال العقود الماضية .
اليوم تبدأ ادارة أمريكية جديدة برئاسة الرئيس الديمقراطي جو بايدن مرحلة جديدة وسوف يحيط نفسه بعدد من الرؤساء السابقين في احتفالية تنصيبه بعد تجاهل ترامب البروتوكول المعروف بمشاركة الرئيس المنتهية ولايته في حفل التنصيب وهذه سابقة جديدة تضاف الى سوابق لم يعتدها الشارع الامريكي، وما زالت أيضا المخاوف سارية ومستمرة منذ تهديده بعدم تسليم السلطة وعدم الاعتراف بنتائج الانتخابات في وقت سابق، ولكن هذه الحدة هدأت لاحقا بشكل تدريجي بعد فرض مؤسسات الدولة نظامها المتبع والذي لم يسبق أن تعرض لمثل هذا الموقف من قبل .
ملامح السياسة الامريكية في عهدة الرئيس جو بايدن ستعمل على ترميم الحالة الامريكية على الصعيد الداخلي وخصوصا فيما يتعلق بمكافحة اللامساواة في المجتمع الامريكي وترتيب بعض الملفات الداخلية، وعلى الصعيد الخارجي سيحاول الرئيس ال(٤٦) تغيير بعض ملامح السياسة السابقة خاصة ما يتعلق بالعودة الى الاتفاقيات والمعاهدات الدولية مع تغيير طفيف لبعض السياسات الدولية نظرا لارتكاز تلك السياسات على المصالح العليا للولايات المتحدة الامريكية .
الشرق الاوسط يحظى دائما باهتمام خاص للدولة العالمية العظمى في العالم وراعية السلام الدولي وخصوصا السياسات المرتبطة ب “اسرائيل” والقضية الفلسطينية وهذه بلاشك تخضع للاستراتيجية الامريكية ولن يحدث فيها متغيرات فارقة، وهي سياسات متبعة منذ بدء الاحتلال الصهيوني للاراضي الفلسطينية عام ١٩٤٨م والدعم الامريكي اللامتناهي لكيان الاحتلال على حساب الحقوق الفلسطينية، ومن أمثلة التوجهات الجديدة لدى إدارة بايدن عدم التراجع في قرار نقل السفارة من تل ابيب الى القدس، والاستمرار في حشد التطبيع العربي مع “اسرائيل” ، ولكن ما يميز إدارة جو بايدن في هذا الملف عدم الحماس للمشاريع التي تبنتها إدارة ترامب مثل مشروع الضم وصفقة القرن وهنا سوف يتم العودة الى نمطية السياسة الامريكية المتبعة في القضية الفلسطينية كموضوع حل الدولتين رغم أنها لم تحقق شيئا على أرض الواقع طوال العقود الماضية، كذلك لم يحدث أي انفراج في القضايا الرئيسية المجمدة مثل قضية الدولة الفلسطينية أو الحدود أو اللاجئين أو القدس أو قضية الاستيطان، وهذه الملفات بلاشك ستعرض الامن والسلم الدولي للخطر مع استمرار الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني، واستمرار الاستهداف الصهيوني على مناطق الضفة والقطاع، ومواصلة سلسلة الاجتياحات المتكررة، إضافة الى ما تم ارتكابه من اغتيالات في صفوف القيادات الفلسطينية سابقا، والاعتقالات الجماعية المستمرة واستمرار عدد كبير من أبناء الشعب الفلسطيني في سجون الاحتلال، لذا فإن الآمال باحداث متغيرات ايجابية على الساحة الفلسطينية غير مبشرة، وبالمقابل أيضا فإن المقاومة الفلسطينية أيضا ستقرر سياساتها وفقا للثوابت والحقوق الفلسطينية، لذا فإن المشهد الفلسطيني يظل في علاقة عكسية بين قضايا الحل النهائي وطبيعة الصراع .
عودة الاتفاق النووي مع ايران سيكون من أبرز سياسات البيت الأبيض المتوقعة مع مراقبة البرنامج النووي الايراني يوازي ذلك تخفيفا للعقوبات الامريكية وعودة نوعا من الهدوء في المياه الدافئة معززا بالخيار الدبلوماسي مع طهران، وهذا ما يعتبر من أبرز ملامح السياسات المقبلة في منطقة الخليج، وقد عبرت الخارجية الايرانية عن استعدادها لبدء مفاوضات جديدة مع الادارة الامريكية ما يحقق نقلة متقدمة للسياسة الايرانية على صعيد تطوير قدراتها وحقوقها النووية .
العلاقات مع تركيا في عهد بايدن قد تعترضها بعض المطبات فيما يتعلق بتوجه تركيا الاخير نحو روسيا والمضي قدما في استقدام منظومة الصواريخ أس ٤٠٠ الروسية، مما يشبه الانعتاق التركي من دائرة السياسة الامريكية وهو ما قد يثير ملفات قديمه تتعلق بمسأئل حرجة مثل الاعتراف بالابادة الجماعية للأرمن، اضافة الى دعم أحزاب المعارضة في تركيا، وقد بدا ذلك من خلال تصريحات سابقة لجو بايدن وصف فيها الرئيس التركي بالمستبد، بالمقابل أيضا فإن السياسة التركية وقوة حضورها في المنطقة تفرض واقعا من الصعب تغييره جذريا .
هناك أيضا عدد من الملفات في السياسة الخارجية الامريكية بالمنطقة تعبر عن نهج الحزب الديمقراطي منها الإبقاء على القوات الامريكية في المنطقة، والاستمرار في سياسة محاربة الإرهاب، وعدم الحماس في استمرار الحرب على اليمن، وغيرها من السياسات التي سوف تتضح آفاقها ومتغيراتها على أرض الواقع خلال الفترة القادمة .
خميس بن عبيد القطيطي – كاتب عُماني