النزاع السياسي يدفع بملفات الأمن الغذائي للواجهة
ساعد الخروصي: لابد من تشجيع المزارعين للتوسع في إنتاج القمح وتوجيه المجتمع لاستهلاك ما يزرع محليا
راشد المصلحي: وفورات النفط ستسهم في السيطرة على العجز ولكنها سترفع تكاليف الشحن وستضاعف التضخم
طاهر الجنيبي: يمكن الاستفادة من فائض الميزانية في إنشاء مزارع خارج سلطنة عمان لبعض المحاصيل الأساسية
علي الحجري: ندعو لتخفيض تكلفة المواد المستخدمة في القطاع الزراعي والتوسع في ترويج وتسويق المنتجات
سلوم الجنيبي: الشعوب الخليجية ستكون الأكثر تأثرًا بارتفاع الأسعار كونها تعتمد على منتجات الأرز والقمح بشكل يومي
دفع النزاع الروسي الأوكراني بأسعار النفط لمستويات قياسية لم يشهدها العالم منذ 2014، وعلى الرغم من الصورة المتفائلة التي ترسمها هذه الزيادة على اقتصاد سلطنة عمان كونها دولة منتجة ومصدرة لهذا الخام الذي من المتوقع له أن يواصل الارتفاع خلال المرحلة القادمة، إلا أنه من المحتمل أن تحد موجات التضخم، وارتفاع أسعار الخام ومنتجات المواد الغذائية من الوفورات المتوقعة والسيناريوهات المتفائلة للدول المنتجة، وذلك مع ظهور مخاوف عالمية من أن يلحق النزاع المزيد من التعطيل بالقطاع اللوجستي، ويعيق التعافي من الوباء الذي سدد ضربة لسلاسل الإمداد في العالم.
وحول تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية على اقتصاد سلطنة عمان، استطلع «عمان الاقتصادي» آراء مجموعة من الخبراء الاقتصاديين، الذين أجمعوا أن لارتفاع أسعار النفط فاتورة سيتم دفعها لأسعار المنتجات والسلع الغذائية وبعض المعادن والخامات التي من المتوقع ترتفع بصورة قياسية وكبيرة خلال المرحلة المقبلة خاصة مع استمرار الصراعات السياسية.
وإن سلطنة عمان ستتأثر أولًا بانقطاع بعض الإمدادات الرئيسية والمهمة لها مثل القمح والحبوب التي اعتادت استيرادها من أوكرانيا، فبالرغم من التأكيد على أن المخزون الحالي سيكفي لستة أشهر قادمة إلا أن الخبراء يرون أنه من الأهمية النظر لأسواق أخرى، والاستفادة من الوفورات التي يوردها النفط للدولة في تعزيز استثمارات الأمن الغذائي داخل وخارج سلطنة عمان تفاديًا لأي نقص مستقبلي للإمدادات بسبب ظروف غير متوقعة.
وأوضح ساعد بن عبدالله الخروصي رئيس مجلس إدارة الجمعية الزراعية العمانية أن أسعار المنتجات الغذائية وخاصة الاستراتيجية منها كانت قد بدأت بالصعود مع ارتفاع أسعار النفط، أي قبل تصاعد الأزمة السياسية بين أوكرانيا وروسيا، حيث إن الدول المنتجة لهذه المحاصيل تعد مستوردة للنفط ومع ارتفاع أسعاره قامت بتحويل جزء من محاصيلها الاستراتيجية كالقمح والذرة والصويا والشعير لوقود حيوي لاستخدامه في تشغيل المكينة، وبالتالي قل المعروض من هذه المحاصيل مما أدى لارتفاع أسعارها بطبيعة الحال، عدا أن الحرب ستشعل الأسعار وترفعها لمستويات قياسية.
وحول تأثر إمدادات سلطنة عمان من القمح، قال الخروصي: تعتمد سلطنة عمان بشكل كبير على استيراد القمح من أوكرانيا، ونظرًا للظروف السياسية التي تعانيها البلد في الوقت الراهن يمكن النظر لأسواق أخرى في أوروبا كفرنسا وألمانيا على سبيل المثال كونها قريبة، والابتعاد عن الأسواق البعيدة لارتفاع تكاليف النقل.
أما حول كفاية محاصيل القمح العماني لتغطية الطلب، فقال رئيس جمعية مزارعي جنوب الباطنة: تعد نسبة محاصيل القمح المزروعة لهذا الموسم قليلة جدًا مقارنة باحتياجات سلطنة عمان، ونفذت حكومة سلطنة عمان خطوات جيدة في تعزيز هذه المحاصيل وتشجيع المزارعين، كشرائها لكميات من القمح من المزارعين العمانيين بأسعار مجدية من قبل شركة المطاحن العمانية. وأرى أن تعزيز هذا المحصول الاستراتيجي وإنتاجه يعد مهمًا لأية ظروف سياسية أو اقتصادية غير متوقعة.
وقال الخروصي: إن ارتفاع أسعار النفط قد يسعدنا، ولكننا سنضطر لدفع فاتورة كبيرة للغذاء، ولتجنب سيناريوهات مشابهة في المستقبل، أوصي بزراعة أكبر قدر من المنتجات والمحاصيل التي يمكن زراعتها في سلطنة عمان، وتشجيع المزارعين للتوسع في زراعة القمح وتوزيع البذور اللازمة لهم،
ومن المهم توعية المجتمع بأهمية استهلاك ما ينتج في سلطنة عمان وتقليل استهلاك ما يتم استيراده لنكون على أكبر قدر من الأمان الممكن في الحالات الاستثنائية وغير المتوقعة كالحرب الروسية الأوكرانية. كما أوصى الخروصي بتعزيز الصناعات الغذائية التي تمكننا من حفظ وتخزين الغذاء والمحاصيل لفترات أطول.
وفورات مالية
وحول الأثر الذي سيخلفه ارتفاع أسعار النفط على اقتصاد سلطنة عمان، قال راشد بن عامر المصلحي، عضو مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة عمان: أسهمت الأزمة الأوكرانية في رفع أسعار النفط لمستويات قياسية نتيجة المخاوف بشأن الإمدادات الروسية لأوروبا وتزايد الطلب، وكون سلطنة عمان دولة منتجة ومصدرة فليس هناك شك أن هذا الارتفاع سيكون في صالح المالية العامة للدولة، حيث إن الأسعار الحالية تزيد عن السعر المقدر في الميزانية العامة للدولة وبالتالي سيعمل على تسريع برامج تحقيق الاستدامة المالية والسيطرة على العجز بل ومعاودة تسجيل فائض في الميزانية. كما أن هذا الارتفاع في أسعار النفط يأتي متزامنًا مع الاضطراب في سلاسل التوريد الذي خلفته جائحة كورونا، مما سيؤدي إلى رفع تكاليف الشحن وحصول موجات تضخمية في العالم أجمع، وكون سلطنة عمان جزءًا من الاقتصاد العالمي فأنها لابد وأن تتأثر مما سيؤثر على مختلف القطاعات الاقتصادية.
وأضاف المصلحي: المعروف أن دولة أوكرانيا تعد من أهم الدول المصدرة للحبوب في العالم خاصة سلعتي الذرة والقمح، حيث من المرجح أن يتأثر المعروض العالمي من هذه السلع الاستراتيجية مع بقاء المتوالية الطبيعية لارتفاع الطلب وهو ما سيرفع أسعار الواردات وما ينسحب عليها من منتجات تعتمد على هذه السلع الاستراتيجية كالزيوت وغيرها.
ومع تأكيد سلطنة عمان على توفر السلع الأساسية وكفايتها لفترة تتجاوز 6 أشهر، إلا أنه لا بد من إيجاد نهج تكاملي بين مختلف الجهات لضمان تحقيق التوازن الغذائي واستقرار أسعار المواد الأساسية مع تسريع حزمة التسهيلات المقترحة لتعزيز الاحتياط الغذائي في السوق المحلي كتوفير مخازن الاحتياطي الغذائي بشكل مجاني لعدد من المواد الغذائية المستوردة من عدد من الأسواق المستهدفة للتسهيل على مؤسسات القطاع الخاص والشركات في سلطنة عمان، إضافة إلى تمكين وتشجيع القطاع الخاص لزيادة الاستثمار في مشروعات الأمن الغذائي.
استثمارات وبدائل مضمونة
وأوضح طاهر بن مبخوت الجنيبي، خبير اقتصادي الجانب الآخر لارتفاع أسعار النفط وتأثيره على ارتفاع أسعار السلع قائلًا: تتوجه دول حلف الناتو وحلفاؤها من خلال المنظمات الدولية إلى فرض عقوبات اقتصادية على روسيا قد تستمر لسنوات طويلة قادمة وهذا الأمر من شأنه أن يحد من حجم الصادرات الروسية من النفط والغاز إلى الأسواق العالمية وبذلك سينخفض المعروض، وترتفع الأسعار التي هي في الأصل تأخذ مسارها التصاعدي منذ العام الماضي بعد التعافي من آثار جائحة كورونا.
قد يبدو ذلك في الوهلة الأولى من صالح الدول المصدرة للنفط ومن ضمنها سلطنة عمان، ولكن على المدى البعيد سينعكس ذلك بالارتفاع على أسعار السلع المستوردة بسبب ارتفاع تكلفة مدخلات الإنتاج وبالتالي ارتفاع التضخم وتآكل قيمة الريال الأمر الذي يمس القدرة الشرائية للأسر بشكل مباشر.
ويرى الجنيبي أنه من المهم لسلطنة عمان البحث عن بدائل أكثر ضمانًا لاستيراد حاجتها من القمح والمحاصيل الأساسية، واللجوء إلى المخزون الاحتياطي لسد النقص خلال الفترة القادمة إلى حين تأمين مصادر أخرى عديدة، وعدم الاعتماد على مصدر واحد فقط. كما أوصى بتوجيه الفوائض المالية في إنشاء مزارع خارج سلطنة عمان لبعض المحاصيل الأساسية مثل الأرز والسكر والقمح، وهو أمر تقوم به الكثير من الدول لتأمين احتياجاتها من بعض المحاصيل الأساسية.
ومن جانبه، أكد علي بن سالم الحجري، عضو في مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة عمان على أن الاستثمارات في قطاع الأمن الغذائي تحظى بالتنوع مع تعدد البرامج التي أطلقتها وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه خاصة في المحافظات، الأمر الذي يبشر بإنتاج وفير ويمهد لعمليات التصدير إقليميًا وعالميًا في المستقبل القريب.
ولتحقيق ذلك، أوصى الحجري بأهمية تعزيز منظومة الأمن الغذائي في سلطنة عمان من خلال زيادة الاستثمار في مشروعات اللحوم والدواجن وتصنيع الألبان ومنتجات الحليب، وإنشاء مصانع للأعلاف الحيوانية وتخصيص أراضٍ للاستثمار الزراعي والحيواني، بالإضافة إلى تعظيم الاستفادة من موارد المياه ووضع برامج متخصصة في ذلك.
كما يرى الحجري أنه من المهم خلال المرحلة المقبلة تخفيض تكلفة المواد المستخدمة والمستهلكة في القطاع الزراعي، وتهيئة الظروف المناسبة للزراعة البيئية والتوسع في إنشاء الأسواق بهدف ترويج وتسويق المنتجات الزراعية.
تأثيرات طويلة الأمد
وقال سلوم بن سعيد الجنيبي، رجل أعمال: إنه مع توقعات استمرار الحرب بين روسيا وأوكرانيا، فإن الارتفاع غير المسبوق في أسعار النفط الذي لم يشهده العالم منذ عام ٢٠١٤ سيستمر، حيث إن روسيا تعد إحدى أكبر الدول المصدرة للنفط تشهد عزوفا من الدول المستوردة للنفط، عدا تلك التي قيدتها عقود مبرمة سابقًا للتعامل معها الذي لا شك يعتبر إحدى الوسائل القوية الفاعلة في الضغط على الاقتصاد الروسي مع تطبيق قرار إخراجها من النظام المالي السوفييتي. وبما أن سلطنة عمان جزء لا يتجزأ من الاقتصاد العالمي فلا بد لنا أن نتأثر بهذه الحرب وتداعياتها، آملين أن تصب في صالحنا كما هو الواقع الآن مع الوفورات التي يخلقها لنا سعر النفط، وللسيطرة على تأثيرات الحرب على الأمن الغذائي وإمدادات المحاصيل الرئيسية لسلطنة عمان، أضاف الجنيبي: تعد أوكرانيا من أهم الدول المصدرة للقمح والشعير والذرة على مستوى العالم، ولا شك أن الحرب عليها ستؤثر بشكل كبير على سلة الغذاء العالمي، واستمرار الصراع سوف يفجر أسعار غير مسبوقة لهذه المنتجات، وستتأثر الشعوب الخليجية على وجه الخصوص كونها تعتمد على هذه المنتجات بشكل يومي تقريبًا.
وأرى أنه يجب على المسؤولين في حكومة سلطنة عمان الاستعداد للتعامل مع هذه الأوضاع الاستثنائية والبحث عن موردين بعقود طويلة الأمد.