كنتُ قد كتبت في هذا العمود قبل سنوات مقالًا بعنوان: “أخلاقيات اللصوص”، وذكرت مما ذكرت في ذاك المقال أنَّ التاريخ العربي أفرد في سياقه الحكائي، العديد من القصص حول “الصعاليك”، وهي تسجل موقفاً نبيلا لفكرة اللصوصية؛ إذ كانوا يغيرون على القبائل القوية الغنية، ويسرقون ما طاب لهم منها، ثم يفرون؛ لتقديمها على شكل هدايا إلى القبائل الضعيفة، وهم المعروف عنهم السرعة الفائقة التي لا يجاريهم فيها الأقران.
وذكرت في ذلك المقال الذي كتبته في يوليو 2016، أنَّ “هذه السمة الحكائية، ذات الغلاف النبلي، هي مساحة درامية لأحداث أخرى.. مساحات من السلوكيات التي تنتقل عبر الأزمنة، متصلة بسيادة ثقافة اللصوصية، في فضائلها ومساوئها، في جدواها ومناخاتها التي تجد العديد من أشكال القبول، خاصة لدى الفقراء الذين يستفيدون من تلك السرقات، على اعتبار أنَّ هؤلاء الصعاليك لا يستفيدون من تلك السرقات، بل يفيدون غيرهم”.
مؤخرا وفي خطوة استباقية اطلعنا جهاز الرقابة المالية للدولة حيث أعلن للجمهور ولوسائل الإعلام المختلفة عن نتائج أعماله في الكشف عن التجاوزات المالية والإدارية والتي للأسف كان أبطالها موظفون يتقلدون مناصب في المؤسسات والأجهزة الحكومية حيث تم الكشف وللمرة الأولى بهدف تعزيز مبدأ الشفافية والإفصاح عن استرداده مبلغ قدر بـ580 مليون ريال؛ أي ما يزيد عن نصف مليار ريال عُماني. وهذا المبلغ الضخم والكبير تم استرداده ولله الحمد من خلال الكشف عن 207 من قضايا الفساد واستغلال المال العام. في هذا المقال نسجل كلمة شكر وثناء لجهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة وكذلك الادعاء العام على هذا العمل الجبار للكشف عن المتورطين في قضايا الفساد.
وعلى الرغم من أن التقرير- الذي نشر من قبل جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة- جاء متأخرا؛ حيث كانت ملاحقة المتورطين خلال الفترة من عام 2011 إلى عام 2020، إلا أن هذا التوجه أشاع الارتياح لدى الرأي العام، الذي اعتبر أنَّ هذه الخطوة مهمة للإصلاح ورسالة واضحة لكل من تسوّل له نفسه التلاعب واستغلال المال العام. ونلاحظ أن قضايا الفساد طالت على مدار العشر سنوات الماضية حسب ما جاء في تقرير المنشور نحو 33096 قضية، وبلغ عدد مهمات الفحص الرقابية المنفذة 1861 مهمة تمثلت في 1210 للرقابة المالية والإدارية (مطابقة والتزام) و 624 لرقابة الأداء و 27 للرقابة المسبقة.
حقيقة الأمر أنَّ رائحة قضايا التلاعب بالمال العام واستغلال المنصب الحكومي من أجل الاستفادة فاحت وأصبحت رائحة نكرة يفر منها أبناء الوطن.
هؤلاء القلة من المسؤولين، اختارتهم الحكومة ليُديروا الشأن العام، كل في مجال اختصاصه ومسؤوليته، معنيون بتحقيق ما تخطط له الحكومة من مناقصات ومشاريع وأشكال تنمية حديثة، لكن للأسف بعض من هؤلاء كانوا يتمتعون بأوصاف اللصوص الجدد، اعتبروا أن استغلالهم للمال العام هو شطارة ولم يتوقعوا أنهم سيقعون يوماً من الأيام ويحاسبون على فعلتهم النكراء وأن طائلة القانون ستصلهم عاجلا أم آجلا.
“اللصوص الجدد” الذي أعنيهم في مقالي تعودوا استغلال مناصبهم من أجل نفع ذاتي، فقد وضعوا في الحسبان أن “استغلال المال العام” هو مفتاح جنة الثراء، ولا بُد من سرقتها بطريقة ما، سرقة لا تترك أثرًا، ولكن من خلال التأكيد والمتابعة والكشف عن ما هو مستور سرعان ما وقعوا في يد العدالة ولابد للعدالة أن تأخذ حقها فإذا كانوا يسرقون مستغلين مناصبهم ويؤمنون بالحكمة “من أمن العقوبة أساء الأدب”؛ فنقول لهم إن الأجهزة الرقابية ويد العدالة لن تتوانى في محسابتهم؛ لذلك انكشف الغطاء، ولم يحتج إلى “بصر حديد” كي ينكشف الحجاب، عنهم فما عاد هناك مجاملة أو فآن الأوان لمحاسبتهم وإن كان لابد من الكشف عن هويتهم فيستحقون أن يكشف عنهم لأنهم لم يراعوا الذمة والضمير. فهؤلاء اللصوص الجدد يعتبرون أنفسهم أذكياء وهم في نظر المجتمع أغبياء ويجب القضاء عليهم.
حمود بن علي الطوقي