هل سيصبح العراق حلبة صراع دولية وإقليمية ؟
. تمهيد مهم :
أولا :- دول زئبقية !
بلا شك أنَّ التاريخ يُعيد نفسه في بعض مفاصل الشرق الأوسط بشكل عام ،وفي مفاصل العراق وايران والخليج بشكل خاص. ولكن بأدوات وعناوين أخرى. وان النظام السياسي البراغماتي ذات الملمس الزئبقي والذي يعتمد على التخطيط الاستراتيجي وتحليل العلوم المستقبلية والاستفادة من جميع الأوراق مهما كان ضعفها او قوتها في الدولة سين والدولة صاد هو النظام الذي سيسلم، ويُبقي دولته مستمرة ولاعبا مهما في معادلات الشرق الأوسط .ولقد سجلت إيران نفسها لاعباً ماهرا في هذا الميدان وتلك الحقبة ،وهكذا فعلت سوريا وكذلكَ دولة قطر …إلخ .
ثانيا : إلا العراق فلا زال بلا بوصلة !
ولكن في العراق الموضوع مختلف فهو البلد الوحيد الذي أستمر ولازال بقدرة الله تعالى لأسباب دينية وتاريخية وحضارية. والاهم بسبب شعبه الذي يمتاز بخصلتين نادرتين وهما :
١. لدى العراقيين صبراً فاق الصبر نفسه بتحمل الأزمات والمحن وأفرازاتهما !٢. لدى العراقيين عشقاً للحرب والموت من أجل وطنهم وعقائدهم!.وهذا ما صدم الولايات المتحدة والغرب واسرائيل عندما هبّوا دفاعاً عّن بلدهم ضد التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها ما يسمى بتنظيم الدولة ” داعش” والذي كان يمثل جيوشاً سرية لتلك الدول بتمويل خليجي ولوجست تركي !
ولكن سوء حظ العراقيين ويبدو (بسبب هذا التآمر الدولي المدعوم من بعض الأشقاء الأغنياء) لم يفرز نظاما سياسيا متماسكا وقادرا للدفاع عن العراق والمصالح العراقية في المحافل الدولية وفِي المعارك الدبلوماسية والادارية والاستراتيجية . بل بقي العراق ومنذ عام ٢٠٠٣ بلا أستقرار حقيقي. بسبب ضعف الادارة والتبعية في أتخاذ القرار .فأصبح العراق ومنذ عام ٢٠٠٣ تارة عبارة عن ريشة تتقاذفها العواصف.وتارةً حلبة صراع مجانية يتبارى فوقها الخصوم .
و الأخطر هي ملامح المرحلة المقبلة والتي توحي بأن العراق بات لب الصراع المستقبلي بين تركيا وإيران من جهة .وبين المعسكر الروسي الصيني ومعسكر الولايات المتحدة من جهة اخرى. ونتوقع سوف تدخل بريطانيا التي تحررت من الاتحاد الأوربي أخيرا لاعبا مهما في المستقبل القريب في العراق. أي بُعيد انتهاء جائحة كورونا .وهي الدولة العارفة بأسرار تأسيس العراق من جهة. والعارفة بتفكير العراقيين وتركيبة المجتمع العراقي من جهة أخرى .وبريطانيا عندما تعود لاعبا في العراق ” وسوف تعود”.ستزيل وجوه وكيانات وجزر عائمة عبارة عن دويلات أسسها ورعاها الأحتلال الأميركي أو غض الطرف عنها ليتلاعب بها عبر الكونترول طيلة السنين الماضية ! . فالعراق مقبل على مخاضات صغيرة ستؤدي الى المخاض الأكبر ! هذا ماسوف نتحدث به في المقال المقبل إن شاء الله !
كوارث دونالد ترامب:
١. لقد كتبت الصحف الأميركية قبل أيام أن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب هو الرئيس الاميركي الوحيد الذي لم تُسَجَلْ في حقبته أو ولايته حرباً. وهذا دليل قاطع أن الاعلام الاميركي ، و مؤسسات ومعاهد الرصد والتحليل تتاجر بحقوق الأنسان، وتتاجر بمصائر الشعوب ،وتكيل بمكيالين بموضوع الحريات . وتتاجر بقضية حقوق الانسان ، وتتاجر بالقوانين الدولية لأنها ترى الامور بعين واحده وتُكيل بمكيالين .والسبب لأن الرئيس ترامب مارس أبشع من الحرب الذي لها بداية ولها نهاية وفيها شجاع يقابله جبان وبالعكس .
لقد فرض الرئيس ترامب حصارا أمريكيا ظالماً وقاتلا لم تمارسه الولايات المتحدة في تاريخها ضد دولة قبل إيران من حيث القوة والتشدد والخنق والتجويع . ولكنها مارسته ضد ايران والشعب الايراني وخارج سياقات القانون الدولي والمجتمع الدولي. بل مارسته امريكا لوحدها وفرضت عل الدول الحليفة لها بتطبيقه. وكان ولازالَ له وقع كارثي على المجتمع الايراني وفي جميع الميادين الانسانية والمعاشية والصحية والاقتصادية …هذا جانب . ٢. من الجانب الآخر مارس الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وصهره كوشنير نهباً مبرمجاً للدول وبمقدمتها الدول الخليجية. وخارج سياقات الاخلاق والقوانين والاعراف .وضمن شعار وسياق مسروق من صدر الإسلام تجاه غير المسلمين والمتعلق ب “دفع الجزية”. فرفعه دونالد ترامب شعارا بوجه الأنظمة الخليجية وهو ( أدفع لكي تبقى وتسلم ) وكان شعاراً غير محسوب أستراتيجيا بالنسبة للداخل الأميركي .بحيث فتح فجوات خطيرة في الجسد الصلد للولايات المتحدة الاميركية فأستغلها بعض حلفاء امريكا الذين نجحوا بأختراق الدوائر الأميركية الحساسة وحصلوا على امتيازات واسرار مثلما فعلت الأمارات ويبدو بتنسيق مع اسرائيل.وكذلك تم أستغلال تلك الفجوات أيضا من قبل أعداء الولايات المتحدة مثل روسيا والصين وإيران …إلخ . بحيث استغلت هذه الدول النهم والحب المجنون للمال من قبل الرئيس ترامب وادارته وكبار رجاله فنجحت تلك الدول وبمسافات متفاوته باختراق الداخل السري للولايات المتحدة وحصلت على أسرار ووثائق لن تحصل عليها بحروب كبرى. وكانت حصة الاسد من نصيب روسيا التي كسبت انتصارات سياسية ومعنوية وعسكرية وتكنولوجية وسبرانية دون ان تُطلق رصاصه واحدة .وكل هذا في فترة ادارة ترامب والذي اعتبره الديموقراطيون كارثي بامتياز .وان روسيا تمثل أكثر خطرا من الصين . ونتوقع أنهم يُعدون العدة لرد اعتبار الولايات المتحدة ضد الروس ولكن لا نعلم أين ؟
٣. وربطاً مع ما تقدم فيبدو أن سر الاصرار على محاكمة الرئيس دونالد ترامب من قبل الرئيس بايدن، ومن قبل رئيسة الكونغرس الاميركي بيلوسي، وجميع اعضاء الكونغرس من الديموقراطيين وبعض الجمهوريين. ومحاولتهم الجادة أيضا بحرمان الرئيس ترامب من الأطلاع على تقارير الأحاطة الأمنية التي يجب أن تُعطى للرؤساء السابقين.لهذا فالقضية ليست اقتحام الكونغرس من قبل اليمينيين المتطرفين الذين يغذيهم ترامب بل القضية الخيانة العظمى والتي سوف تحرم ترامب من امتيازات كثيرة ومهمة !.
فهناك إصرار من الديموقراطيين وبعض الجمهوريين لمعرفة دور ترامب وصهره وأعضاء إدارته في قضية التماهي مع الروس وأسراره ومعرفة مدياته . بحيث اعطى الرئيس بايدن تعليمات باخراج جميع الرجال والنساء الذين عينهم الرئيس ترامب في الاشهر الاخيرة من ولايته في وزارتي الدفاع والخارجية ،والوزارات المهمة الاخرى وفي الوكالات الاخرى المهمة وهذا يُفسر انعدام الثقة ، ويُفسر ان الروس نجحوا نجاحات أستراتيجية داخل المؤسسات الأميركية. بحيث صرّح وزير الدفاع الأميركي الجديد قائلا ” سوف نفحص ولاءات الجميع ونعيد النظر بالآليات المتبعة في وزارة الدفاع / البنتاغون )فالقضية ليست حركات يمينية بل القضية قضية أختراق روسي كبير وخطير !
بايدن يُعلن عّن هوية العدو الأول :
فعلى ما يبدو ان الذي خسرته امريكا بفترة ترامب ولصالح اعداءها لهو خطير وجسيم وكارثي .وخصوصا لصالح العدو اللدود روسيا. وإهمه ١-مافعله الروس في الانتخابات الاميركية عام ٢٠١٦ وعندما فاز دونالد ترامب على منافسته الديموقراطية التي كانت تتقدم عليه في حينها هيلاري كلينتون.
٢. و عبر الحرب الالكترونية والسيبرانية التي ضربت وزارات ووكالات اميركية حساسة جدا ويبدو ان روسيا وراء كل هذا والدليل هذا :
أ. فالدليل مالمح له الرئيس الأميركي جو بايدن بتاريخ 4 شباط/فبراير 2021 بقوله ( أوضحت للرئيس بوتين بطريقة مخالفة لسلفي بأن أيام تراجع الولايات المتحدة أمام أفعال روسيا العدوانية ” كالتدخل في الأنتخابات والهجمات السبرانية وتسميم مواطنيها) قد أنتهت )
ب. وفي ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٠قال الرئيس الأمريكي المنتخب، جو بايدن، إن الولايات المتحدة يجب أن تكيف أولوياتها الدفاعية على خلفية “التعقيدات الاستراتيجية المتزايدة التي خلقتها روسيا والصين”.وقال بايدن في تصريح، إنه بحث مع خبراء في مجال الأمن القومي “التحديات الاستراتيجية المختلفة من روسيا والصين، التي سنواجهها، والإصلاحات التي نحتاج إلى تنفيذها لمواجهة تلك التحديات. وهذا يشمل تحديث أولوياتنا الدفاعية.
ج. وبالمقابل ايضا وفي تاريخ 2 شباط / فبراير 2021 أعلن البيت الأبيض مايلي ( الرئيس بايدن يُبطل قرار الرئيس ترامب أستثناء الأمارات من رسوم جمرگية على واردات الألمنيوم ) وقبلها أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية بتاريخ 27يناير 2021 إن “إدارة الرئيس جو بايدن فرضت تعليقا مؤقتا على بعض صفقات السلاح لحلفاء الولايات المتحدة لمراجعتها، وذكرت تقارير إعلامية أن هذه الصفقات تشمل صفقة بيع مقاتلات “إف-35” (F-35) للإمارات، وصفقة بيع ذخائر للسعودية”. وهذه مؤشرات أن إدارة بايدن لديها معطيات كافية بأن في فترة ولاية الرئيس دونالد ترامب قد أخترقت المؤسسات والوكالات الأميركية الحساسة من قبل بعض الأصدقاء وبمقدمتهم اسرائيل والامارات وغيرهما . وكذلك من قبل بعض الاعداء وبمقدمتهم روسيا . وبات عمل ادارة بايدن السهر على سد تلك الثغرات وادواتها داخل المؤسسات والوكالات والوزارات الأميركية . ولهذا أكد الرئيس بايدن على زيارة الوزارات المهمة والقاء خطاباته فيها مع الاصرار على العودة الحقيقية الى عهد ما قبل ترامب ولقد زار وزارة الخارجية وتحدث معهم جميعا وزار وزارة الدفاع وتحدث معهم على تلك الثوابت !.
هل هناك مقايضة روسية -وإسرائيلية ؟! فلقد أُستُغلت الفجوات الخطيرة التي حصلت بسبب سياسات ترامب أستغلالا ذكياً وحكيما من قبل الصين والروس. ويبدو كان هناك دورا خفيا لإسرائيل في ذلك وخصوصا لصالح الروس. مقابل سكوت الروس عن ما تفعله اسرائيل في سوريا. وما تقدمه روسيا لاسرائيل من معلومات وسكوت في سوريا حول منع مخطط الطوق الناري الاسلامي حول إسرائيل. والذي باتت يتبلور ولكن إسرائيل تكافحه وتكافح امداداته الإستراتيجية من خلال غاراتها الجوية المستمرة في الجولان ودمشق ومطار دمشق ومناطق سورية اخرى منعا لتهريب السلاح الايراني وتوزيعه في سوريا وجنوب لبنان.
ولا تستغربوا فَلَو بحثتم في التاريخ السياسي والديني ستجدون روسيا هي الدولة الاولى عالميا في دعم ورعاية اليهود واسرائيل وليس امريكا .بحيث تأتي قبل الولايات المتحدة بريطانيا التي وهبت الحركة الصهيونية وعد بلفور الذي أصبح فيما بعد أساساً لتأسيس دولة اسرائيل داخل فلسطين المحتلة !.
د. سمير عبيد٩ شباط ٢٠٢١