يتساءل الكثير من الناس عن أنواع اليمين وإمكانية توجيه المحكمة لليمين دون طلب أحد الأطراف، فما هي أهم أنواع اليمين، ومدى قانونية توجيه المحكمة لليمين دون طلب أحد الأطراف طبقاً للقانون؟، حيث أنه من المعروف أن لليمين أنواع مختلفة، وطبقاً لكل نوع يتحدد هل للمحكمة توجيه دون طلب أحد الأطراف من عدمه، طبقاً لنصوص القانون الذي يلتزم به الأطراف جميعاً؟
اليمين هي القسم، وسمي الحلف يميناً لأنهم كانوا إذا تحالفوا وتعاهدوا ضرب كل منهم على يمين صاحبه، واليمين أحد أسباب الحكم كما نص على ذلك المشرع، وأساس مشروعية اليمين ما ورد في القرآن الكريم كما في قوله تعالى: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان)، أما أساس مشروعية اليمين موجود السنة النبوية المطهرة ويقال للحكم الذي يصدر استناداً إلى اليمين قضاء الترك وللحكم بالنكول عن اليمين قضاء الاستحقاق. والقسم واليمين والحلف ألفاظ مترادفة. والقسم ضرب من ضروب التوكيد يؤتى به لتقوية الخبر وتحقيقه وتقريره في النفس وهو بمثابة الإشهاد والاستشهاد فكأن المقسم يشهد المقسم به على صدق قوله وثبوت خبره.
ما هو اليمين في القانون؟
اليمين كما عرفها فقهاء القانون بأنها قسم يصدر من أحد الخصمين على صحة المدعي عليه، أو عدم صحته، وهي أيضاً (تحليف أحد الخصمين باسمه تعالى بقوله والله أو بالله مرة واحدة من دون تكرار) أو هو استشهاد الخصم بالله على ما يقول أو قيلت بصدد إيضاح معنى اليمين، إن اختلفت صوره أو ألفاظه إلا أنها تعطي المعنى نفسه من القول، ففي كل نزاع قضائي يفترض وجود خصمين أساسيين، هما المدعي والمدعى عليه، وهذان الخصمان يحتلان موقعين متقابلين، ويمثلان مصلحتين متناقضتين، ويسعى كل منهما – بما يمتلك من أسباب الحجة والبرهان المعتد بها- إلى إقناع القاضي بأحقيته في الحق موضوع النزاع القائم، وذلك إما إثباتاً للإدعاء به، وإما نفياً للإدعاء عليه، وبما يؤمن تغليب القاضي لمصلحته على مصلحة خصمه في ميزان القضاء، ومن ثم الحكم لمصلحته.
وتعتبر اليمين واحدة من أقدم الوسائل التي عرفتها البشرية للفصل في المنازعات، فلقد اعتمدتها مُختلف الجماعات والشعوب الإنسانية الأولى على أنها ضرب من ضروب المحنة أو الاختبار، واليمين معروفة في أغلب الشرائع القديمة، فلقد أخذت بها شرائع العراق القديم، ومنها شريعة حمورابي التي قننتها كوسيلة للضمان والإثبات، واعتمدها اليونانيون لإثبات دعوى المدعي، وكذلك شرائع الرومان، ومنها مدونة جوستنيان التي وصفتها بأنها أبلغ وسيلة لفض المنازعات، حيث أوجب القانون الروماني على الخصمين أداء اليمين بشكلية معينة إثباتاً على صحة إدعاءاتهما، ثم جاء الإسـلام، ليرسي نظام الإثبات القضائي على قواعد كلية كانت، ولم تزل حتى يومنا هذا، أرقى ما عرفته البشرية من نظم إحقاق الحق وإقامة العدل بين الناس، وبناءً على هذه القواعد الكلية، وعلى ما قضى به بين الناس رسول الله المصطفى صلى الله عيه وآله وسلم، ومن بعده الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، ثم اجتهد الفقهاء المسلمون فأثروا الفقه الإسلامي بما يعجز حصره أو إحصائه، من التنظيرات وحلول المسائل الجزئية والآراء التفصيلية السـابقة لعصرها في هذا الميدان بمئات السنين، والتي أخذت بالعديد من قواعدها وأحكامها الكثير من مجتمعات عالمنا المعاصر.
وهكذا استقرت التفرقة في الفقه القانوني وجميع الشرائع القانونية بين اليمين بوجه عام، والتي يمكن تأديتها لأية اعتبارات دينية أو دنيوية أو وظيفية، واليمين القضائية كوسيلة من وسائل الإثبات، والتي لا يعتد بها إلا إذا تم تأديتها مستوفية لجميع شروطها القانونية أمام القضاء، وغالباً ما يكون ذلك في ذات الدعوى موضوع النزاع، وبالنظر لتنوع ما تستهدفه اليمين القضائية من الإثبات، فقد تعددت أنواعها، واختلفت أحكام كل نوع من هذه الأنواع، وبحسب الغاية المتوخاة منه، مع أنها تندرج – بشكل عام – تحت قسمي اليمين القضائية الشائعين: اليمين الحاسمة واليمين المتممة.
وتعد اليمين الحاسمة إحدى وسائل الإثبات القانونية التي أقرتها وقننت أحكامها الشرائع القانونية لغالبية المجتمعات الإنسانية في عصرنا الحالي، وذلك على الرغم من اختلاف المذاهب الفكرية لتلك الشرائع، وتباين نشأتها وأصولها التاريخية، وتكتسب اليمين الحاسمة أهمية بالغة، وبنفس الوقت خطورة كبيرة، بالنسبة لطرفي النزاع المعروض أمام القضاء، فعلاوة على أنها تمثل الوسيلة التي يلجأ إليها الخصم عندما يعوزه الدليل المعتبر قانوناً إثباتاً لدفعه أو دعواه، فإنها – ومن جانب آخر- تشكل نقطة الفصل الحاسم والنهائي لنزاعه مع خصمه، حيث بالتجائه إليها يكون قد تنازل طواعية عن سائر أدلة الإثبات الأخرى ووسائله، وإن كان يملك لحظة حلفها، أو تَحَصَّلَ له بعد أدائها، من الأدلة الأخرى ما يكفي قانوناً لإثبات دفعه أو دعواه، فاليمين الحاسمة حاسمة للنزاع القضائي شكلاً ومضموناً، وليس لمن التجأ إليها، أو كلّف بها إلا القبول والالتزام بما تفضي إليه نتائجها، ومن ذلك يظهر جلياً الدور المهم والخطير الذي تمتاز به اليمين الحاسمة، دون سائر وسائل الإثبات الأخرى في القضاء المدني.
أما اليمين المتممة فهي إجراء يتخذه القاضي من تلقاء نفسه استكمالاً لدليل ناقص، جواز الحكم على أساسها باعتبارها مكملة لعناصر الإثبات الآخر، وتقول القاعدة المتعلقة بهذا الأمر، اليمين المتممة إجراء يتخذه القاضي من تلقاء نفسه رغبة منه في تحري الحقيقة ليستكمل به دليلاً ناقصاً في الدعوى، وهذه اليمين وإن كانت لا تحسم النزاع إلا أن للقاضي بعد حلفها أن يقضي على أساسها باعتبارها مكملة لعناصر الإثبات الأخرى القائمة في الدعوى ليبني على ذلك حكمه في موضوعها أو في قيمة ما يحكم به، ومن شروطها، توجيه اليمين المتممة هو أن يكون لدي كل من الطرفين مبدأ ثبوت لا يرقى إلى مرتبة الدليل الكامل، فإذا ما وجهت المحكمة اليمين إلى أحد الخصمين وحلفها وقدرت من ذلك أن الدليل الكامل قد توافر على صحة ما يدعيه فليس في ذلك ما يناقض ما سبق أن قررته في حكمها الصادر بتوجيه اليمين من أن كلا من الطرفين يستند في دعواه إلى دليل له قيمته.
بالتالي، إن اليمين غاية في الأهمية لأنها فعلاً تفض النزاعات، لكن وبنفس الوقت، هناك من يحنث بيمينه وهناك من يدلي بقسمٍ كاذب، بعيداً عن الأسباب والدوافع، لكن ذلك قد ينجي وقد يودي بحياة إنسان إلى التهلكة، ففي الحالتين هناك عواقب، لذلك نجد أن الشريعة الإسلامية حاسمة في هذا الأمر، وكذلك القانون الوضعي، فلا يجوز اليمين والحلف بالله إلا عند الضرورة وهذه الضرورة قد تدفع بالبلاء عن الناس.
عبدالعزيز بن بدر القطان / كاتب ومفكر – الكويت.