مع اشتداد الأزمة على الإسلام، ومحاولات تغيير القيَم والمبادئ، كان لا بد من التصدي لهذه الحملات من خلال تضافر جهود الجميع، لإعلاء راية الإسلام كما كانت، وهذا يحتاج إلى العمل الحثيث، الصبر والإيمان الحقيقي، لأن من يعمل على تحطيم جسور قوة الدين الإسلامي تحت شعارات وعناوين ظاهرها معسول، وباطنها إلحاد وخبث.
كما أن من المهمات التي يجب العناية بها في أيامنا المعاصرة لغاية إعلاء الإسلام، هي الاهتمام بكتب علماء الإسلام وإبراز جهودهم، في وقت يمكن للجميع ملاحظة فئات تختص بتحريف التاريخ وتزويره حقداً على الإسلام وعلمائه، من خلال التقليل من شأنهم وإنكار أهمية كتبهم، لذلك رأيت أن أفضل ما يمكن فعله للتصدي لهؤلاء هو إبراز جهود العلماء عموماً، وعلماء الحديث على وجه الخصوص، من خلال التاريخ وسير الأفراد وفن التراجم، من أفضل الفنون التي تحفظ أنساب الأفراد والأمم، ومن بينهم الإمام الكبير الذي هو محور موضوعي، الإمام البخاري.
يُعد شيخ الإسلام البخاري إمام الحفاظ وأكبرهم، وأبرز الفقهاء وأقدرهم، هو من أهم علماء الحديث وعلوم الرجال والجرح والتعديل والعلل في التاريخ الإسلامي، فيما يصنف كتابه صحيح البخاري الذي جمع فيه الأحاديث النبوية واحداً من أعظم مصادر الأثر النبوي الشريف، حيث كان يتبع في كتابة الحديث منهجاً صارماً، يستقصي من الرواة والأسانيد، وأصبح علماً في هذا الباب في حسن التصانيف والتدقيق، وتعد قصة تأليفه لكتابه (الجامع الصحيح) الذي يعد أول كتاب صنف في الحديث الصحيح المجرد، دليلاً عظيماً على الهمة والذكاء والإخلاص، وقد استغرق هذا العمل 16 عاماً في رحلات شاقة بين البلدان، إن البخاري في صحيحه لا يروي عن النبي صلى الله عليه وآله سلم مباشرة، بل هو يروي عن شيوخ ثقات، في أعلى درجات الحفظ والضبط والأمانة عن مثلهم إلى أن يصل إلى الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وآله سلم، وأقل عدد بين البخاري والنبي صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة من الرواة.
الإمام البخاري، هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (194 هـ – 256 هـ)، في مدينة بخارى التي نسب إليها وهي إحدى مدن أوزبكستان الحالية، وقد مات والده وهو صغير، فتربى يتيماً في حجر أمه التي أحسنت تربيته وكان لها دور في شحذ همته وحبه للعلم، سافر البخاري إلى إلى مكة المكرمة في سن الـ 16 بصحبة أمه وأخيه أحمد لأداء فريضة الحج، وتخلف عنهما للاستزادة من المعارف حيث بقي هناك لستة أعوام وبدأ جمع الأحاديث، وبعدها سافر بين البلدان لهذا الهدف، من بغداد إلى الكوفة ودمشق ومصر وخراسان وغيرها، وكان يحفظ ويجتهد في طلب المزيد والتدوين، وروي أنه لا يكتب الحديث إلا بعد أن يكون قد توضأ وصلى ركعتين، كان رأساً في العلم، ورأساً في الورع والعبادة، يتمتع بالذكاء والنجابة والذاكرة القوية، وهي إحدى الصفات التي ساعدته لاحقاً في جمع الأحاديث النبوية. حفظ البخاري القرآن الكريم وتلقى العلوم الأساسية في الدين وقد حفظ آلاف الأحاديث وهو لا يزال فتياً، وقد ساعدته أجواء بخارى التي كانت في ذلك العصر مركزاً من مراكز العلم، فكان يرتاد حلقات العلماء ورجال الدين، والتقى البخاري بعدد كبير من الشيوخ والعلماء، حتى بلغوا أكثر من ألف رجل، وذلك في رحلاته الكثيرة وتطوافه الواسع في الأقاليم، قال البخاري: (كتبت عن ألف وثمانين نفساً ليس فيهم إلا صاحب حديث)، وقد اهتمّ العلماء بذكر شيوخ البخاري فسمّاهم بعض العلماء ورتّبهم على الأقطار كالذهبي في سير أعلام النبلاء، ورتّبهم بعضهم حسب الطبقة كالحافظ ابن حجر في هدي الساري، ورتّبهم بعضهم حسب عدد الروايات، ورتّبهم بعضهم على حروف المعجم، قال الإمام النووي: “هذا الباب واسع جداً لا يمكن استقصاؤه، فأنبه على جماعة من كل إقليم وبلد، ليستدل بذلك على اتساع رحلته، وكثرة روايته، وعظم عنايته”.
الإمام النووي، هو يحيى بن شرف الحزامي النووي (631 هـ – 676 هـ)، شيخ الإسلام العالم المُحدث والحافظ والفقيه واللغوي، أحد أبرز علماء وفقهاء الإسلام.
لن نطّلع في هذه الرحلة نهايتها، بل لنفكر بالمشقة التي تكبدها الإمام وحجم التعب والجهد الكبيرين، في سبيل غاية هي الأسمى، إنه جهاد حقيقي في سبيل الله تبارك وتعالى، فطالما الغاية إعلاء الإسلام ورفعته، كان الله يمدهم بصبر وقوة وعزيمة كبيرة، ما كنا لنعرف عنها لولا سطرها التاريخ وحفظها بين طياته بماءٍ من ذهب، لتلجم كل حاقد على الإسلام، وتبيّن أن هذا الدين الحنيف هو دين السلام والمحبة والعدالة والازدهار، فتعاليم الإسلام كما نص عليها القرآن الكريم والسنّة النبوية المطهرة لم تترك تفصيلاً صغيراً إلا وعالجته بما يتناسب مع كل زمانٍ ومكان، ولكل زمانٍ رجالاته، وشخصية الإمام البخاري، شخصية لا يمكن لمقال أن يذكر مناقبه بالطريقة التي تناسب جهوده الكبيرة وعطاءاته الثمينة، حقاً إنه عمدة المحدثين بلا منازع.
لقد كان للإمام البخاري منهجاً صارماً في توثيقه للأحاديث، فقد أكثر في صحيحه الكثير من شيوخه، ولهم عنده أكثر من مائة رواية: عبد الله بن يوسف التنيسي، وقد فاقت رواياته عنه الثلاثمائة رواية، علي بن عبد الله المديني فاقت مروياته المائتين، أبو اليمان الحكم بن نافع، موسى بن إسماعيل التبوذكي، عبد الله بن محمد المسندي، أبو نعيم الفضل بن دكين، محمد بن بشار المعروف ببندار، قتيبة بن سعيد، سلمان بن حرب، أبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي، محمد بن المثنى، أما المتوسطون الذين لهم دون المائة رواية وأكثر من خمسين: عبد العزيز بن عبد الله الأويسي، عبد الله بن الزبير الحميدي، إبراهيم بن موسى، إبراهيم بن المنذر، محمد بن يوسف الفريابي، محمد بن كثير، حفص بن عمر، لكن من أهم شيوخه الذين بلغوا رتبة الإمامة في العلم والدين: الإمام أحمد بن حنبل وإن لم يرو عنه في الصحيح، وإسحاق بن راهويه روى عنه نحو الثلاثين رواية، وأحمد بن صالح المصري، وأبو نعيم الفضل بن دكين، وغيرهم، ولعل أعظمهم تأثيراً في نفس الإمام البخاري وشخصيته، وأجلهم مرتبة عنده هو الإمام علي بن المديني، حيث قال البخاري فيه: “ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند علي بن المديني”، وهذا ما جعل من الإمام البخاري، محل قبول وثناء عامة الأئمة عبر التاريخ، فقد قال أحمد بن حنبل: “ما أخرجت خراسان مثل محمد بن إسماعيل البخاري”، وأفاض الحافظ الخطيب البغدادي في بيان مكانة البخاري في حواضر الإسلام: البصريين والحجازيين والكوفيين والبغداديين وأهل الريّ وخراسان، وقال الإمامان النووي والطوفي: “تلقيب البخاري ومسلم بإمامَي المحدّثين هو باعتبار ما كانا عليه من الورع والزهد والجد والاجتهاد في تخريج الصحيح حتى ائتم بهما في التصحيح كلُّ من بعدهما”. وقال الحافظ الترمذي: “لم أر أحداً بالعراق، ولا بخراسان، في معنى العلل والتاريخ ومعرفة الأسانيد كبير أحد أعلم من محمد بن إسماعيل”، ولا يوجد كتاب لدى المسلمين، نال الحظوة والسمعة والشهرة عند جمهور الفقهاء والشيوخ كصحيح البخاري، ونال بنفس القدر والقسط من التبجيل والتكريم والتعظيم، فهو أصح كتاب بعد القرآن (فيما يخص نصوص الشرع)، وقد انعقد إجماع الأمة على أن التراجم التي وضعها البخاري تدل عن فهم عميق ونظر دقيق في معاني النصوص، فهو محل اتفاق بين عامة العلماء عبر القرون بعد أن أصبح البخاري محل قبول منهم على كثرة دراسته والكتابة عنه أو عن جانب منه، وقد أقر بهذا أئمة كالإمام أحمد بن حنبل، والحافظ النسائي وحكى الاتفاق عليه أئمة كابن الصلاح والنووي والطوفي وآخرين. وقد روى عن البخاري عدد كبير من تلامذته كمسلم وأبي زُرعة الرازي، والترمذي وابن خزيمة وغيرهم.
لم يأتِ وصف صحيح البخاري بأنه أصح كتاب بعد القرآن الكريم من فراغ، فهو من المصنفات الموسوعية الصحيحة، واتبع فيه عمدة المحدثين منهجاً علمياً دقيقاً حيث اشترط في قبول الحديث كما ذكرنا آنفاً، أن يكون الراوي معاصراً لمن يروي عنه وأن يكون قد الْتقى به وسمع منه مباشرة، وهذا الشرط الدقيق هو الذي حمل العلماء على التسليم للبخاري وتلقيبه بأمير المؤمنين في الحديث وعلى وضع صحيحه في المرتبة الأولى، ونظراً لأهمية صحيح الإمام البخاري فقد اعتنى المسلمون شرقاً وغرباً به عناية فائقة، فألف العلماء المؤلفات حوله وقاموا بخدمته في جميع جوانبه شرحاً وتعليقاً واستدراكاً وغير ذلك في أكثر من ثلاثمائة وخمسين كتاباً.
أحمد بن حنبل، (213 هـ – 290 هـ)، أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الذهلي فقيه ومحدِّث مسلم، ورابع الأئمة الأربعة، البغدادي، (392 هـ – 462 هـ)، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت المعروف بالخطيب البغدادي مؤرخ عربي، الترمذي، (209 هـ – 279 هـ) محمد بن عيسى بن سَوْرة بن موسى بن الضحاك، السلمي الترمذي، أبو عيسى، مصنّف كتاب الجامع، الإمام الطوفي العالم والفقيه (657 هـ – 716 هـ) نجم الدين أبو الربيع سليمان بن عبد القوي بن الكريم الطوفي الصرصري الطوفي.
لا يزال هذا غيض من فيض كبير عن الإمام البخاري، ففي كل رحلة حكايات ومدونات كبيرة، عمدة المحدثين نهض بالحديث النبوي دراية ورواية، انتهت إليه رئاسة الحديث في عصره، وبلغ تصنيف الحديث القمة على يديه، لم يكن البخاري يروي كل ما يأخذه أو يسمعه من الشيوخ، بل كان يتحرى ويدقق فيما يأخذ، تهيأت أسباب كثيرة لأن يكثر البخاري من التأليف؛ بدأ التأليف مبكراً؛ فيذكر البخاري أنه بدأ التأليف وهو لا يزال يافع السن في الثامنة عشرة من عمره، وقد صنَّف ما يزيد عن عشرين مصنفاً، منها، الجامع الصحيح، الأدب المفرد، التاريخ الكبير، التاريخ الصغير، الكنى وغيرهم، والجامع الصحيح ليس هو المصنف الوحيد للإمام البخاري، فكما أنه أول من صنف في الحديث الصحيح المجرد، وهو أيضاً أول من ألف في علم الرجال، وبهذا الشأن يقول البخاري: (لم تكن كتابتي للحديث كما كَتبَ هؤلاء؛ كنتُ إذا كتبتُ عن رجل سألتُه عن اسمه وكنيته ونسبته وحمله الحديث)، وفي علم الرجال تظهر تقوى البخاري وورعه وإنصافه من خلال كلامه في تجريح وتعديل الرواة؛ وبالأخص فيمن يضعفه منهم؛ فإنه أكثر ما يقول: فلان منكر الحديث أو سكتوا عنه أو فيه نظر، وقلما يقول: فلان كذاب أو كان يضع الحديث، حتى إنه قال: (إذا قلت فلان في حديثه نظر فهو متهم واهٍ) أي ضعيف، لكن كيف قسّم عمدة المحدثين مصنفه الأهم “كتاب الصحيح”؟
قسم البخاري الكتاب بحسب موضوعات الحديث، فهو لم يقف عند الأساس الفقهي فقط بل وسّع الدائرة وجعلها تشمل كل الموضوعات التي تضمنّها أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فهناك موضوعات فقهية وأخرى تاريخية وموضوعات تتناول التفسير وموضوعات تتحدث عن بعض الصحابة، ما يعني أنه اعتمد الأساس الموضوعي، فكان أول كتاب له الوحي ثم الإيمان ثم كتاب العلم وهكذا، فقد أخضع مؤلفاته إلى شروط دقيقة بالغة الدقة، ليميز الصحيح منها ويبعد ما هو غير صحيح، وتعد قواعده تلك من أقوى القواعد التي يمكن أن يضعها عالم لنفسه، في تاريخ البحث العلمي الإسلامي والثقافة الإسلامية ولهذا عرفت هذه القواعد أو الشروط عن العلماء بـ “شروط البخاري”، فهو لم يقبل أن يضع في كتابه إلا الأحاديث الصحيحة، واشترط أن يكون الرواي قد عاصر الرواي الذي يروي عنه ونقل عنه نقلاً مباشراً، وبهذا الشرط انفرد به عن باقي كل علماء الحديث، ولذلك نجد أنه قسّم الرواة إلى: أن يكون الراوي ملازماً لمن يروي عنه في السفر والإقامة، وهذه أعلى الدرجات عند عمدة المحدثين، أما الأمر الثاني أن يكون الراوي قد لازم من يروي عنه فترة غير قصيرة، فكان اعتماده بالدرجة الأولى على رواة الدرجة الأولى، بالتالي، لم يأتِ وصف صحيح البخاري بأنه أصح كتاب بعد القرآن الكريم من فراغ، فهو من المصنفات الموسوعية الصحيحة، واتبع فيه البخاري منهجاً علمياً دقيقاً، هذا بالإضافة إلى الثقة والضبط والعلم وغيرها من شروط الحديث الصحيح.
بالتالي، من الثابت أن البخاري ابتدأ تصنيف الكتاب في وقت مبكر من حياته، وكان هدفه الأكبر هو استيعاب أسماء الرواة دون الخوض في كثير من التفاصيل المتعلقة بهم، كما أنه لشدة ورعه عند الكلام على الرجال؛ جاءت عباراته في الجرح لينة ومثيرة لكثير من الخلاف بين الباحثين حول دلالتها على الجرح الشديد أو اليسير، ما دعا كثيراً منهم إلى جمع بعض الألفاظ التي يستخدمها البخاري في أحكامه عن الرواة، ومقارنتها أحكام غيره للوصول إلى مراد البخاري بهذه الألفاظ، أما فيما يتعلق حول أعداء الإسلام الذين سوّلت لهم أنفسهم بنشر الأكاذيب عن الإمام، منها عن أصوله أنها غير عربية، هنا نرد بالقول: شكّل لقرون طويلة ثقافة شعوب متنوعة الأعراق والثقافات من العرب والترك والفرس وغيرهم، ففكرة تعريف علماء الإسلام (ما قبل الدولة القومية) بأعراقهم هو إسقاط لمشاكل الحاضر على تاريخ رحب وشاسع، فسيبويه إمام العربية لم يكن عربياً بهذا المعنى القومي الضيّق، وبعض الشبهات الأخرى أنه عاش في أوزبكستان بعيداً عن المراكز الدينية، وبهذا يجهل هؤلاء مكانة بخارى في ذاك الزمان في زمن الأمويين والعباسيين وغَدَت بعد الفتح الإسلامي من أهم الحواضر الإسلامية، وخرج منها الكثير من الفلاسفة والفقهاء والمحدّثين من أشهرهم البخاري، والنقطة الأهم التشكيك بأحاديث عمدة المحدثين، وما يدحض رواياتهم الكاذبة هو أن طول الفاصل بين البخاري والنبي صلى الله عليه وسلم أو قِصَره ليس معياراً في الصحة أو الضعف ما دام الاعتماد على آلية الإسناد وعلى معايير علمية للنقد، كما أن البخاري لم يكن أول من جمع الحديث ودوّنه حتى يُطرح مثل هذا الإشكال المُفتَعَل؛ فقد سبقه أئمة أعلام مثل الإمام مالك بن أنس، وأطول سند للإمام، هو سند تُساعي وهو حديث “ويل للعرب من شر قد اقترب” الذي أخرجه البخاري في كتاب الفتن وفيه أربع صحابيات، في حين أن البخاري حين يَنزل في الإسناد يَصل إلى سداسي أو سباعي وذلك لمعنى أو فائدة استدعت الإفراد بالبحث والدراسة، وفي بعض الأحيان يكون قد روى الحديثَ نفسه بالإسناد العالي في موضع آخر، وكما ذكرنا آنفاً أن للبخاري ثلاثيات (بينه وبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة رواة فقط) وهي من مزايا صحيحه التي دفعت العلماء إلى العناية بها، فمثل هذه المعلومات المشوهة واللامسؤولة تعوّق الفكر النقدي.
من هنا، نعلم علم اليقين خطورة التقليل من شأن الإمام البخاري وجامعه الصحيح، وعدم إعطائهما حقّهما، ولا نعني بذلك عدم النقد العلمي المنصف النزيه إذا جاء من أهله، إذ شتان بين ناقد بصير باحث عن الحقيقة يصدر في نقده عن علم، وأدب، وناقد يبخس الناس أشياءهم بدافع الجهل أو الهوى، فالتهجم عليه وعلى صحيحه جريمة كبرى، فهو إمام الأمة، قضى من عمره أكثر من عقد ونصف من السنوات مرتحلاً يجوب بلاد الإسلام يجمع الأحاديث الصحاح في دقة متناهية، وعمل دؤوب وصبر منقطع النظير على البحث وتحرٍ للصواب، لأن من يرمي الإسلام ويحاول النيل منه هم فتنة هذا العصر، ونحن سخرنا الله تبارك وتعالى للدفاع عنه ما حيينا، كما أننا لا نحمل مشاريع سياسية بستارٍ ديني، ولا ننشر تعاليم محرفة بل نعتمد على كتاب الله الكريم والسنة النبوية المطهرة ونتقصى دقة الحديث المسند إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم معتمدين شروط وقواعد مدرسة أهل الحديث، بالسند المتصل، متحرين الدقة في النقل، كل ذلك من تعاليم علماء كان لهم الجهد الكبير في نقل ما نملك بين أيدينا اليوم، الإمام البخاري، سيبقى عمدة المحدثين وإمام الأمة الإسلامية.
عبدالعزيز بن بدر القطان / كاتب ومفكر – الكويت.