مثّل العام 1948 نقطة تحول في العالم العربي بعد إحتلال فلسطين من قبل الكيان الصهيوني، ورافق هذا التحول إنبثاق حركات ثورية وتحررية، إسلامية وليبرالية ونيو – ليبرالية، من وحي واقع العرب والوضع الذي ولّد أزمات سياسية وإقتصادية جمّة، كانت موجودة، لكنها برزت وتبلورت لتطفو على سطح واقع الوطن العربي، كان لابد من تداركه بإستخدام كل السُبُل الممكنة.
نقطة محورية
لقد جاء الكيان الصهيوني آنذاك مدعوماً بالقوى الغربية التي أوصلته إلى فلسطين، في وقت كانت الصراعات هي السائدة في المنطقة، فقبيل العام 1948، لم يمضِ زمن طويل على سقوط الدولة العثمانية في العام 1924، بعد الحرب العالمية الأولى، مروراً بأزمة الكساد العالمي في العام 1929، فالحرب العالمية الثانية، التي فتحت حقبة جديدة من الصراعات لعل أخطرها والذي إمتد إلى غاية يومنا هذا أي الاحتلال الصهيوني لفلسطين الحبيبة.
ومن البديهي أن المنطقة العربية هي ذات غالبية مسلمة، لكن مع كثرة الأحداث المفاجئة والكبيرة جداً لدى شعوب بسيطة، كانت تثور على الظلم بأدواتٍ بسيطة، أن تقف موقف المتحيّر من الأوضاع المستجدة التي وصلت إليها، وبات يدخل على مسامعها مصطلحات لم تكن لتسمع به في أوقاتٍ سابقة كالرأسمالية والإمبريالية العالمية، هذا الأمر فتح الباب على مصراعيه بأن ينبثق من هذه الازمات ما سمّي “الإسلام السياسي” المعني بدراسة وتوضيح هذه المفاهيم الجديدة آنذاك، وتوضيح مشارب وأهداف المستعمرين وخططهم على العرب بما يساهم بفتح الذهنية العربية من خلال ربط الإسلام بالسياسة، وهذا ما خرج لاحقاً وأصبح جزءاً لا يتجزأ من وجود مقاعد في البرلمانات العربية والبعثات الدولية ومفاصل الحكم والدولة ذات طابع ديني – سياسي.
موقف الإسلام من الرأسمالية
لعل أبرز من تميز في تفنيد النُظم الاقتصادية، من خلال المواقف البيّنة تجاه الأنظمة الاقتصادية المنتشرة على الساحة العالمية آنذاك هو سيد قطب “سيد قطب إبراهيم حسين الشاذلي – 1906 – 1966″، “شاعر وكاتب وأديب ومنظّر إسلامي مصري، كان ركناً مهماً من أركان حركة الضباط الأحرار المصرية، وأحد أهم أعمدة الإشتراكية، اليساري“. وسنفرد مقالاً لاحقاً عن الإتجاه السياسي لسيد قطب والرد على الشبهات التي أثيرت حول شخصه، ومن الإحساس الثوري الذي كان يملكه، وخلافه آنذاك مع الضباط الأحرار وبروز ميول مختلفة عن بعض أقرانه، عاد للعقيدة والإسلام بإستخدام قلمه الرائع والمميز، وله كتابات زاخرة حتى بتعامله مع النصوص القرآنية وتترجم ذلك جلياً في كتاب “التصوير الفني في القرآن الكريم”، وما بعد الثورة كان للرأسمالية والإسلام الحصة الأكبر من كتاباته بعد أن توجه لتعمق الفكر الإسلامي أكثر.
فلقد أعلن سيد قطب موقفه من الرأسمالية من خلال الحرب عليها، خاصة بثوبها الأمريكي، ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، حيث هاجم الشيوعية بعد دعمها لقيام الدولة المزعومة للكيان الصهيوني، هذا المدخل يبين توجه المنظر الإسلامي وإنتقائه القسم الأكثر خطورة وحساسية على العالم العربي آنذاك، من خلال التعريف بمفاهيم الرأسمالية وموقف الإسلام منها، وتعرية الأمريكي الداعم الأكبر لدمار شعوب المنطقة العربية.
لكن سبب إنتقاء سيد قطب لسلوك هذا المنحى، هو الأوضاع الاقتصادية المتردية التي عصفت بالمنطقة العربية ومصر على وجه التحديد، الأمر الذي أوجد فجوة اتسعت بين طبقات المجتمع الواحد، والمنقسمة إلى جنوح قسم نحو معسكر الغرب الإستعماري الرأسمالي، وأخرى نحو مجتمع إشتراكي ينادي بالعدالة، خاصة الاجتماعية منها، وبينهما غاب المتطلعون إلى الإستفادة من الدين الإسلامي الذي هو في أساس تكوينه، لم تكن العدالة الاجتماعية غائبة عن تعاليمه، لكن ما الذي حدث، حتى يتم تجاهلها أو عدم التنبه لها، عمداً او من دون قصد!
إن العدالة الاجتماعية التي طرحها الدين الإسلامي هي عدالة مليئة بالغذاء الروحي وحرية الفكر والشعور الإنساني بالحياة، والتي تعمى بالشق الاقتصادي في تنظيم حياة الفرد والمجتمع وهذه تعاليم موجودة وثابتة وراسخة، ولا نقولها من باب الحشو بل من باب العلم بالشيء، فلماذا يتم تجاهلها والذهاب نحو قوانين غربية حديثة مقارنةً بتعاليم الإسلام!
هل كانت الرأسمالية حلّاً؟
مما لا شك فيه، أن دُعاة الرأسمالية مع بداية نشوءها كانت مطلباً لشعوب أنهكتها الحروب وقبيل الحربين العالميتين الأولى والثانية، فمع تبلور الحركة الصناعية مع بداية العقد الأول من القرن التاسع عشر، تنبه العالم آنذاك، إلى ضرورة القوة الاقتصادية التي تجلب الإزدهار والعدالة الاجتماعية بحسب أصحاب النظريات، فواضع كل نظرية يحاول أن تغطي نظريته كل جوانب الحياة ومفاصلها، لكن ما إن تدخل حيّز التطبيق حتى تبدأ الصدامات، بين التحقيق الشامل لها، وبين الصعوبات التي تواجهها.
والأكيد أن الرأسمالية نفسها، تخللها صعود وهبوط، قبول ورفض، لكن الواقع يقول إن الرأسمالية لم تكن ثابتة خلال الـ 200 عام أي منذ إنبثاقها، بل حدث أن تغيرت في بعضٍ من جوانبها، الجامع في هذا الأمر أنها كانت في كل مرة تستطيع التكيف والتطورات الجديدة، والتي كانت تحدث بحسب الخبراء الإقتصاديين وواضعي الدراسات في هذا المجال، كل خمسين عاماً، ومن هذا الواقع خرجت الأسئلة الأهم وهي: هل يمكن أن تبقى الرأسمالية على قيد الحياة؟ وهل لها نهاية، وهل لها حدود؟ مع الإشارة إلى أن من طرح هذه الأسئلة كل من آدم سميث وجون ستيوارت ميل وكارل ماركس ودايفيد ريكاردو، فلقد كان كل اقتصادي في القرن العشرين يشعر بالقلق من أن تصل الرأسمالية إلى نهايتها في يوم من الأيام، وهذا الأمر بعث قلق كبير من تغيير النظم الاقتصادية التي بنوا عليها أسس حكومات إقتصادية كانت ثابتة إلى حدٍّ ما.
يرى سيد قطب، بالنظام الرأسمالي، وحلوله الإصلاحية، غير صالحاً، وبذات الوقت الذي يؤكد فيه على حق الناس في الملكية الفردية، بما تسمح به الشريعة، ويعزو شروط الملكية، في وقت كانت تمر به المنطقة بوقت حرج جداً في التاريخ الحديث، فلقد صوّب قطب ازدراءه للنظام الرأسمالي، الذي راكم الثروات في أيدي قلة قليلة من الإقطاعيين، وأراد إستثمار أفكاره بتحقيق العادلة التي أساساً هي في صلب وعمق الدين الإسلامي.
غُلاة ومشككين
تحدثنا في مقالات وأبحاث عدّة عن الدين الإسلامي كمدرسة أسست مجتمعات وأرست قواعد الاستقرار منذ العصر الإسلامي إلى يومنا هذا، ومن الطبيعي أن يُعنى الإسلام بالحالة الاقتصادية المتبدلة والمتغيرة بحسب كل عصر وزمان ومكان، فما لا نجد نصه في القرآن الكريم، أو السنة النبوية، إختص أهل العلم بوضع الفتاوى المناسبة لكن شرط أن تكون من صلب الدين الإسلامي والشرع، أي لا تتعارض وتعاليم الدين الإسلامي الحنيف، فنلاحظ أن العملية الاقتصادية مرت بمراحل عدة وتطورت على مدى العقود والسنوات، ولعل العرب كانوا من أوائل من عمل بالتجارة والقوافل التجارية وسوق الحرير وعكاظ في حقبة سابقة كانت كالمناطق والمدن الحرة في زماننا هذا.
ويعتقد بعض الحداثاويين والتنويريين، سمّهم ما شئت، أن الإسلام يقبل الرأسمالية، لأنه يبيح المليكة الفردية، وبالتالي هذه الملكية تحولت إلى ملكية رأسمالية بحسب زعمهم، ويروجون لفكرة أنه مادام الإسلام أباح الأصل فإنه يبيح النتائج المترتبة عليه بطبيعة الحال، لكن فاتهم أن الرأسمالية نشأت في الغرب مع التطور الصناعي وإختراع الآلة، كالسكك الحديدية على سبيل المثال، ولهؤلاء أقول: “الإسلام لم يجيز يوماً للرأسمالية، فهو الذي يحارب إلى يومنا هذا الغش في المعاملات وتحريمه، وتحريم الإحتكار وتحريم الربا، وهذه لدى الغرب سمة أساسية للعيش ونمط العيش لديهم، لكن التملك الفردي هو حق وتعب ومجهود الإنسان.
من هنا يوضح سيد قطب هذه الجزئية بالقول: “إن الإسلام قرر حق الملكية الفردية للمال بوسائل التملك المشروعة، وجعلها قاعدة نظامه”، مما حفظ حقوق الفرد، وهذه قاعدة ثابتة في الإسلام ولا تخالف إلا للضرورة القصوى. يقول تعالى “للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن”.
فمحاولة تشويه الحقائق، حقداً على الإسلام لا على الرأسمالي لأن شمولية أي نظام بنيت بدعامات وطيدة لن تهزها رياح التغيير، لكن قواعد الإسلام ثابتة وراسخة وتراها في كل مفاصل الحياة من أصغر الأمور إلى أكبرها.
ضوابط وقيود
بعكس الرأسمالية، ضبط الإسلام وسائل التملك، فلقد أجاز كما ذكرنا أعلاه حق الملكية الفردية، لكن بضوابط جعلها تقبل أن تلقي بظلالها على الجماعة، فمثلاً يحق لأي فرد إنشاء مؤسسة ما، وهي أساساً ملكاً له، لكن يحتاج لإدارتها يد عاملة وموظفين وإلخ، بالتالي إنتقلت الملكية الفردية لأن تظل بالمنفعة على الجماعة، وهذا يتيح للفرد التوسع ويتيح للجماعة الإستفادة ضمن ضوابط معينة يتفق عليها مسبقاً، وبكل الأحوال أن أي مال بيد البشر هو ملك لله، والفرد، ونشرح ما نشرح حقائق قد تكون معروفة للجميع، لكن من باب تبيان هذا الحق الذي هو أساسي في الدين الإسلامي.
السيد قطب، كره الرأسمالية، وأكد أن نشأتها جاءت من الغرب، لكن بذات الوقت كان من الممكن أن يكون هناك رأسمالية عربية لو أن حضارات معينة استمرت ولم تندثر أو لم تتغير أنظمة وأقصد في أزمنة ماضية، لا في الزمن الحديث، فمثلاً الحضارة العربية في الأندلس كانت متطورة وسائرة في ركب التطوير، إنما تدخلت السياسة مرة جديدة وإنتهت تلك الحقبة التي أخرت تقدم المسلمين، وما وصلوا إليه لاحظناه من إنكباب الغرب على العلوم العربية والتشرب من مشاربها وهذه حقائق موثقة، شرحناها في أبحاث الإمام الغزالي وما أخذ منه ديكارت، وعن كثير من الترجمات العربية الموجودة في أكبر مكتبات الغرب.
لكن هنا، الرأسمالية إنتقلت من الغرب إلى العرب، وإلى عالمنا الإسلامي، ووصلت على أنها “تطور”، ومن الممكن للإسلام أن يقبل بها، وهنا نعود للغلاة الحداثاويين الذين ظنوا أن ذلك ممكناً، أن الإسلام لا يجيز الربا والإحتكار الموجود في النظام الرأسمالي، لا بل يحاربه، ولا يمكن أن يجيزه بأي تعاملات إقتصادية تحت أي مسمى كان، فالإسلام حرم ذلك قبل أكثر من ألف عام! وعمر الرأسمالية بين 150 – 200 عام.
قال كارل ماركس: “أن الرأسمالية في نشأتها كانت خطوة تقدمية جبارة، وأدت خدمات هائلة للبشرية في شتى مناحي الحياة”، لكن السؤال هنا، هل إستمر هذا الإزدهار، بالطبع لا، هذا الوضع خلق طبقة جديدة وكدست الثروات بأيديهم على حساب العمال وصغار الكسبة، ومن هنا بدأت حركة إحتجاجات العمال والإعتصامات جراء تدني الدخل ما أفقد شمولية هذا النظام.
فلقد واجه الإسلام، الرأسمالية بعدد من التشريعات وأهمها تحريم الإحتكار.
بلاد العم سام
إن زيارة سيد قطب إلى أمريكا، وما تلاها من أحداث، تجعل المتابع لتلك الحقبة يدرك كيف حمل قطب إسلامه معه، بشكلٍ فردي لا بأمرٍ من أحد، وهو أحد اهم الدعاة إلى قيام مجتمع سليم على أساس الإسلام، وجل مقالاته رافضة للهيمنة الإستعمارية والوصاية الغربية على الوطن العربي، من منطلق الغيور على أمته ودينه الإسلامي، وتجدر الإشارة إلى أنه لم يكن منتمياً إلى جماعة إسلامية أو أي حزب سياسي، ورغم كل ما تعرض له سيد قطب في رحلته هذه من إغراءات بشتى السبل والوسائل لكنه عاد ملتزماً بإسلامه أكثر، وفاضحاً السياسة الأمريكية للهيمنة والسيطرة على مصر عبر عملاؤها الذين يقومون بدورها في تحقيق أهدافها.
قال سيد قطب: “من الصعب علىَّ أن أتصور كيف يمكن أن نصل إلى غاية نبيلة باستخدام وسيلة خسيسة!؟ إن الغاية النبيلة لا تحيا إلا في قلب نبيل: فكيف لذلك القلب أن يطيق استخدام وسيلة هو خسيسة؟”.
وربطاً مع واقع حال الأمس باليوم، ومنذ زيارة سيد قطب إلى أمريكا وتعريته هذا النظام السلطوي المهيمن والمتجبر، السيف المسلط على واقع المستضعفين، وما يحدث اليوم من عنصرية أمريكية يندى لها الجبين، رغم التطور الكبير، لا يزال اللون يشكل حقداً أعمى داخل البيت الواحد، الذي عبد الدولار، ودمّر الإنسان، سيد قطب كشف منذ قرن من الزمن هذا الوضع، وسطره في كتاب “أمريكا من الداخل”، ما يؤكد حقيقة التمثيلية الأمريكية الكبيرة والتي دمرت بها اوطان كثيرة تحت أكاذيب كثيرة، لتخرج العنصرية بأبشع صورها، وتشويه صورة الإسلام وأنهم أهل الحضارات، فجاءات المظاهرات الأخيرة لتطابق نظرة سيد قطب منذ أربعينيات القرن الماضي، وواقع اليوم، فرفع الإنجيل من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لن يغير سياسة قطاع الطرق، جعلوا من المال إلهاً ومن الأديان قنابل لضرب الشعوب.
قلّما تجد شخصاً في أكثر حقبة تاريخية صعبة مر بها العالم العربي، فكان حاضراً في صفوف حزب الوفد، ليسخر فكره الحر والنيّر بأن يكون مفيداً للجميع، وهو القائل: ” الكل سيذهب الى الله بعد وفاته، لكن السعيد من ذهب الى الله في حياته”، وما أجملها من مقولة فهذا الفارق بين من يعمل لله في دنياه، وبين من ينسى الآخرين ويعمل للآخرة، كلاهما صحيح، لكن الإيثار في الأولى أشد جمالاً وتقرّباً للعبد من ربه.
أخيراً، الجميع يعلم أن جلّ حروب العصر ذات طابع إقتصادي، تحت عناوين سياسية، لكن عصبها “الاقتصاد”، فكل دولة قوية إقتصادياً، هي دولة متينة صلبة تقف سدّاً منيعاً في وجه الطامعين، وهذه حقيقة ثابتة وأصيلة، فعندما وضع الإسلام منظومة إقتصادية متينة، ليقينه بضرورة أن يكون المجتمع محصّناً كما عقائدياً، إقتصادياً، فالدين الإسلامي وضع منظومة إقتصاد متينة من تكافل إجتماعي ونظام مالي للمصارف، وصندوق زكاة للمجتمع يبدأ من دعم الفرد إلى دعم المشروعات الصغيرة قبل الكبيرة، ولدينا في هذا المجال أطنان من المراجع الفقهية التي توضح هذه الأمور.
لأن نكون أمة عربية وإسلامية يخشانا العدو، عندما نهتم بتمتين إقتصادنا، أمة تأكل مما ترزع، وتقوى مما تصنع، دول منتجة لا مستهلكة، ونبتعد عن الخطابات الرنانة حول التقشف والخطط والمكرمات، حتى في الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وحرمان الموظفين بتخفيض أجورهم، أمتنا اليوم تحتاج إلى صحوة ونهضة أسوةً بنهضة سنغافورة بعد أن كان الفساد يعصف في مفاصلها، ماليزيا، تركيا، تحتاج إلى تحويل الكلام إلى فعل فلا ضرر من الإعتماد على تجارب الغير، وذكرت في أحد مقالاتي عن التجربة الماليزية الرائدة التي نقلتها من تحت خط الفقر إلى أعلى المستويات، فالإعتماد على موارد معينة كالنفط أو غيره لا يشكل ثقلاً إقتصادياً، وها هي العراق الغنية نفطياً والمنهارة إقتصادياً، وها هي سوريا ولبنان وأراضيهما الزراعية فهل ذلك يتحقق دون تفعيل جهود حثيثة، نحتاج إلى دماء جديدة شابة، فالقوة اليوم هي قوة الاقتصاد، وكما قال المثل الصيني القديم: “من يملك.. يحكم”، ولن أعدد ما تملكه بلادنا من خيرات، بل سأذكر حاجتنا إلى حكّام يديرون دفة البلاد نحو قوة إقتصادية يحسب لها حساب.
ولمن يستائل، لماذا اخترت الأستاذ سيد قطب، في بحثي هذا الذي استمديت محاوري من قراءتي لأعماله، وتفكيره الجمعي لا الفردي، ظلمه في دنياه، وترفعه عن الصغائر، لأن يكون تكريماً لفكر عربي وقلم نيّر أثّر فينا جميعاً، ولم تأخذه مغريات الحياة، عاش نبيلاً وتوفاه الله نبيلاً، لقد ساهم وأخوه محمد قطب مساهمة كبيرة من الناحية الفكرية وجعل المكتبة العربية والإسلامية زاخرة في حقبة القرن العشرين.
رحم الله من أعطى ومنح دون مقابل، وسخّر الإسلام سلاحاً في وجه الهيمنة الغربية، ليكون حيّ فينا ما حيينا.
د. عبدالعزيز بن بدر القطان