أستحضر شريط الذكريات بين الفنية والأخرى من باب الإستمتاع بما تم إنجازه والوقوف على باقي الأهداف المراد تحقيقها ويتخلل ذلك بعض المشاهد التي أرى فيها مخاطبة البعض لما أراه مهام روتينية بقول دارج يتكرر كثيرا هنا وهناك : فلان أنت مبدع!
أتفهم الزاوية التي قد يتخذها أي مسؤول تجاه موظيفه بتعزيزه لهم بكلمات مثل مبدع وأخواتها وأتفهم نشوة الموظف لمثل تلك الكلمات ولكن الأمر قد يجعلنا نغوص في مجتمع ملئ بالمبدعين – كما هم يعتقدون – والأمر لا يتعدى أنهم يقومون بمهامهم كما طلب منهم واقصى وصف يصلون إليه في ذلك أنهم مجتهدون ومتقنون.
التفكير الإبداعي هو نشاط عقلي معقد وبسيط في ذات الوقت ولا يمكن فصله عن مبدأ ديمومة الكفاية المعرفية والمهارية لأي دور وظيفي مؤسسي وأهمية ذلك النمط تكمن في إيجاد حلول ناجعة مستحدثة – علاجية وتطويرية وإثرائية – لتحديات قائمة وهذا مرتبط بتنمية مهارات التفكير الذي بح الصوت بالمناداة لأن تكون هي الطابع التي تكتسي بها العملية التعليمية عندنا لأنها الضامن لدى النشء – من بعد توفيق الله تعالى – من تبعات المتغيرات المتسارعة التي نمر بها كل ساعة في هذا العالم.
إن للإبداع بوابات كثيرة يمكننا الدخول إليه من خلالها لأجل أن نستحق وصفنا كمبدعين ومثال ذلك قد يكون بتطوير أدوات التواصل الفردي والمؤسسي مع الآخرين خدمة لتحقيق الأهداف التي أفترض أنها موجودة سلفا – وأتفهم الواقع الذي لا ينطبق تماما على ذلك – وقد يكون الإبداع تحسينا لإسلوب الأداء في ظل قواعد العمل الأساسية وقد يكون اختراعا أو اكتشافا وقد يكون تجديدا في مضامين المعارف والمهارات. إذن فالإبداع ليس سهلا كسهولة شراء (درزن) برتقال من الدكان.
لطالما تغنى المحاضرون في حلقاتهم المعنية بالموارد البشرية بأن الإنسان هو الثروة الكبرى لأي تقدم حضاري ولكن تلك (الغنوة) تحتاج لإعادة التوزيع الموسيقي لها لتركز على أن المبدعين – الذين يتفردون عن غيرهم – هم الثروة التي يجب أن يعض عليها بالنواجذ وما من هدر يجب أن نعترف به الآن كإهدار طاقات المبدعين في مؤسساتنا المختلفة وليس ذلك (لسواد عيونهم) بل لغاية اسمى وهي النهوض بهذه الأمة من خلال استثمار رصيد المبدعين فيها.
علينا ألا نجعل آذاننا تثمل بتردد صفة الإبداع عليها في خضم مهامنا الروتينية المتوقعة فالعبرة ليست بكثرة العمل بل بالإنتاج وتحقيق الإضافة والفارق وعلى كثر ما نسمع فلان انت مبدع يتولد لدينا شعور كاذب أننا سبقنا زماننا بإستشراف المستقبل فيه بينما نحن في الحقيقية نقوم بالأمر كما هو متوقع وأن ذلك – رغم كسر الخواطر – لا يستحق لإطراب آذاننا بالعبارة المشهورة فلان أنت مبدع.
محمد سيفان الشحي
٦ مارس ٢٠٢١ م