عُمان لا يجوز مُقارنتها مع غيرها من البلاد الأخرى، لأنَّ كل بلد له خصوصيته، والسلطنة أكثر من غيرها تنفرد بهذه الخاصية، لأن ليس لها شبيه في الجوار القريب، والعدالة أن تقارن عُمان مع ذاتها وحسب، بمقياس واضح ووحيد، ألا وهو كيف كانت في العام الماضي؟ وكيف أصبحت اليوم؟ وهنا سنجد شيئا من العدالة والإنصاف إذا فعلنا ذلك، ولكن لا تأتينا بمقارنة مع دول الخليج، لأن في عُمان الدخل مختلف عن غيرها، فعلى سبيل المثال؛ فإن دخل يوم واحد في بعض البلاد المجاورة، قد يساوي إنتاج نصف شهر من صادرات النفط في عُمان.
وكذلك طبائع النَّاس هنا ليست متشابهة مع طبائع جوارها، والعُماني يتميز بالصبر وطول البال، والجدية في العمل، وهذا ليس كلاماً عاطفياً أسوقه بتحيز شخصي مني، وإنما يشهد به الإنسان الآخر على هذا الإنسان العُماني أينما ذهب حول العالم، فيقول هذا الإنسان الآخر عن العُماني، وعن الشخصية العُمانية، أنه يستطيع أن يميزه بأسلوبه وبجديته، وتواضعه الجم وثقافته واعتزازه بنفسه ووطنه، وإنه يحرص دوماً على أن يكون قدوة حسنة، وممثلا متميزا وخاصا لوطنه، وأنه يبدي فخراً وزهواً بعُمانيته، ويشعر أن له خصوصيته التي يعتز فيها بتميزها وتسامحه الإنساني، هذه سمات كريمة، وصفات قويمة في الإنسان العُماني، لو عرفت الجهات المسؤولة عن التشغيل، ولو تمَّ استغلالها لكسبت الدولة الشيء الكثير، وذلك بالاعتماد على هذا المواطن، وعدم مقارنته بالوافد، الذي أتى لغرض واحد وهي المنفعة الشخصية.
الإنسان العُماني مهما كان غنياً أو فقيراً، لا يُريد أن يشعر الإنسان الآخر بهذه الفوارق الطبقية في تصرفاته، وبمعنى أوضح؛ فإن العُماني كلما كان غنياً وميسوراً، إنما ذلك يكلفه تواضعاً خاصاً بقدر غناه، ولا يريد أن يعرف ذلك الآخر عنه إلا بالقدر الذي يبديه هو له، أي ألا يعرفه نتيجة لفارق المال، لأنه لا يريد أن يكون غناه هو الذي أكسبه القيمة والاحترام، وإنما قيمته في خصائصه الاجتماعية، وقيمه الإنسانية. لذلك تجده يتأذى عندما يقال له أنت مثل المواطن الفلاني، أو المواطن العلاّني، إنما سيقول لذلك القائل أنا عُماني وكفى، وحتى إنه يستثقل أن يوصف بأنه مواطن خليجي أو عربي، بل يفضل أن يُنعت بعُمانيته التي يفخر ويفاخر بها، لأنه يجد في هذه الصفة الرزانة والسمت العُماني الأصيل المتميز منذ الأزل.
إذن؛ هذا المواطن ينغّص عليه قول الآخرين له عندما يقال عنه، أنت مثل القوم الفلانيين، لذلك يتمنى على المسؤولين ألا يقولون له مثلاً، نحن مستوانا في كذا وكذا الأفضل حول العالم، أو إن أسعارنا في كذا الأفضل حول العالم، أو أننا نحن الأفضل من كذا وكذا، وهو يرى أن الذي قيل ليس في محله، بل إن في ذلك مبالغة وكلام مرسل! وليس مبني على حقائق، كقول أحد المسؤولين إن الزيادة في السعر كذا، لا يساوي كذا، فهل أنت أيها المتحدث بنيت مقياسك على نفسك، أم على الذي بيد المواطن من دخل، ثم ما هي الحالة الاقتصادية التي قدّرت عليها تقيمك هذا الوضع؟ إذن ما كان ينبغي للمسؤول، أن يقيس أمور الآخرين على وضعه هو في حياته المعيشية؟! وأن المواطن له مصادره التي يلجأ إليها لإبطال المقارنة الدعاية، وقد تكون فاتورة الكهرباء مثلاً، أرخص عندنا عن قرينتها في ألمانيا، ولكن هل عرفنا دخل الفرد في ألمانيا؟!
كما يخطئ المسؤول بالمقارنة يأتيه الرد من المواطن في “تويتر” على شكل مناقرة ومناكفة، فيعيد المُقارنة بالمثل مع دول الجوار، وفي ذلك اجحاف أيضاً، وذلك الكلام يخلو من أي معيار عادل في المُقارنة، ففي دول الجوار هناك دخل بفارق كبير في الناتج القومي، وربما عدد السكان ضعيف جداً، فنحن قد نتوافق مع دولة أو اثنتين في عدد السكان من دول الجوار، أما بقية دول الجوار لو أرادت الدولة هناك أن توزع دخلها القومي عليهم لكفاهم، وهم نيام في بيوتهم دون عمل، في حين أن السلطنة ما تزال تخوض معركة غير متناهية في التوظيف والتشغيل، ولكن دون جدوى حاسمة، وكل سنة تأتي، يتضاعف فيها عدد الناس المطالبين بالعمل.
إن الذي يطمح إليه العُماني آلية عادلة، وخارطة طريق واضحة تضمن له مستقبل مشرف، وهذا هو السهل الممتنع كما يقال، فالحكومة عينها على الدخل، وذلك قبل أن تفكر في الصرف، وتغلق عينها عن مسألة النسبة والتناسب، أي بقدر ما تصرف على الوطن والمواطن ستجني الدولة أضعاف مضاعفة من وراء ذلك بطرق غير مباشرة، وهذا المواطن كسحابة هارون الرشيد، أينما أمطرت سيعود النفع على الدولة ككل، فالمواطن الذي يدخل في جيبه المال حتماً سيصرفه في تشعبات التنمية الكثيرة، وكما قال الكاتب والمحلل علي بن مسعود المعشني كلما وسعت الوعاء الضريبي أو الخدمي، اقتنصت أكثر من مطر المواطن، وكلما ضيقت على المواطن ضاقت مساحة الاقتطاف، وضاق المردود، فمعنى هذا الكلام أن توسعوا أبواب العمل، وقللوا من الضوابط والاشتراطات والرسوم.
ثم لماذا لا يكون هناك نظام للابتعاث للعمل في دول الخليج؟ وبرواتب مجزية قرين الغربة والسفر! وحقوق محفوظة، وتأمين اجتماعي مضمون، فهذا المواطن الذي سيعمل في دول الخليج، سيصرف جل مكاسبه في وطنه إن لم يكن كلها، وسيكسب علاقات ومعارف جديدة، وهو في المقابل سيقوم بتمثيل وطنه خير تمثيل هناك، وسينقل صورة طيبة عن عُمان، فالكثير من مواطني تلك الدول، لا يعرفون الكثير عن عُمان، وربما يكون يسهم هذا المبتعث في جذب استثمارات خليجية إلى بلده عُمان، وربما يتشجع هو نفسه ويدخل في شراكة تجارية واستثمارية معهم، وقد يقنع بعض مواطني تلك الدول للاستثمار في عُمان من خلال الصحبة الطيبة، فعُمان بلد مغرٍ وواعد بهدوئها واستقرارها السياسي والأمني للاستثمار الخارجي، فيكون السبب بحسن سلوك هذا المبتعث للعمل.
وكيف لا؛ وعُمان تاريخياً قامت بأكبر وأهم من ذلك، من خلال المعاملة الطيبة، والقدوة الحسنة، فأدخل العُمانيون دول بأكملها في الدين الإسلامي، وذلك دون رفع السيف للتهديد بذلك، وبدون فرض الجزية على أحد، وأنما بالمجادلة بالتي هي أحسن، والمواطن في دول الخليج مسلم مثله مثلنا، فلا يحتاج إلى قدوة في ذلك، ولكنه يحتاج إلى ما يطمئن نفسه على ماله، فسيأتي طمعاً في زيادة الدخل، وهنا سنكسب نحن العُمانيين، إحدى الحسنيين أو كلاهما، وأقصد هنا وظيفة كريمة للمواطن العُماني، وزيادة عليها استثمار خليجي في عُمان.
فهلا خرجت أيها المسؤول من التفكير النمطي إلى الفضاء الواسع بالفكر النيّر؟! وهل عقدت الحكومة دورات لمسؤوليها؟ تعلمهم فن الحوار! وفن التفاوض مع المواطن! حتى نخرج من حيّز الاستفزاز اللفظي! وافتعال الأزمات مع الرأي العام؟!
حمد بن سالم العلوي