عمّان في 19 أبريل /العمانية/ تنتمي رواية الأمريكي ريك إنكورفيا “بعد
الرحيل”، التي نقلتها د.ربى أبو علي من الإنجليزية إلى العربية، إلى أدب
الفانتازيا، إذ تتجاوز تفاصيلُها الواقعَ لتنسج قصة خيالية لا تنتمي إلى
المألوف من يومياتنا.
وفي هذه الرواية التي صدرت ترجمتُها عن “الآن ناشرون موزعون”
بعمّان، يحاول البطل الذي رحل عن عالمنا بعد ثلاثين عاما من زواجه،
التواصل مع زوجته، وتقوده هذه المحاولة إلى سلسلة من عمليات التقمص
التي ينتقل خلالها في أجساد مجموعة من الحيوانات والحشرات، قبل أن
يتحوّل إلى أنواع متعددة من الكائنات الحية، ثم يقف على مفترق طرق في
الاختيار بين المضيّ بخبرات التحول هذه، أو العودة إلى حيث زوجته كي
يكون الحارس الوفيّ لذكراهما.
ويمكن القول إن هذه الرواية التي تقع في 102 صفحة، موجهة لليافعين،
رغم أنها تفتح بحبكتها وأسلوب السرد فيها مجالًا للراشدين أيضا للاندماج
في الحكاية واستلهام الرسالة التي تقدمها لقارئها.
وترى د.ربى أبو علي أنّ الأدب العالمي زاخر بالدّرر التي تستحق سبر
غورها وترجمتها إلى العربية، وهي تتمنى أن تكون الترجمات عمومًا
حصيلة شغف وإخلاص وحب، حتى تُمْكن رؤية الآخَر وفهمه باللغة
العربية.
وتؤكد أبو علي أن اللغة العربية “منجم ثريّ، وله مكامِن جَمال تستحق أن
نتشبث بها، ونعيد أبناءَنا والأجيال اليافعة إلى القراءة بالعربية والاعتزاز
بها”.
ويصف بطل الرواية حياته تحت الماء حين تحول إلى سمكة ذهبية كبيرة
قائلًا: “كان هناك ما هو غيرُ طبيعيّ في الاستنشاق والتنفس تحت الماء، لم
تكن لزعانفي كفاءةُ أجنحتي كيعسوب، نظر إليّ الكثيرُ من الأسماك وكأنني
كائن فضائي. آخرون كانوا أكثر لينًا، أَوْمَؤوا إليّ وكأنهم كانوا بشرًا مثلي
في سالف الأيام، وكنتُ من أكبر الأسماك في البحيرة، لكنني لم أستطع رؤية
شكلي، واسترجعتُ من ذاكرة اليعسوب خاصتي كيف كنت أبدو كسمكة؛
كنت حمراء وصفراء، ذات نقش برتقالي وأحمر على الزعانف والذيل”.
ويتكلم في مقطع آخر على لسان نملة قائلا: “أبهرَني ديْدنُ المجموعة الّذي
يقضي بأنّ (الواحد للجميع، والجميع من أجل الفرد)؛ لقد كان حسُّ الالتزام
والتفاني لدى النّمل يفوق نظيره البشريّ، وتسلقتُ شبكة مصنوعة بالكامل
من أجسام النّمل، وعبَرتُ جسرًا شيّدتْه النملُ بأجسادها، لم يكن شيءٌ ليثنيَهُم
عن إيصال هداياهم إلى الملكة، واضطلعتْ كلّ نملة بدور محدّد، ولم يكن
ثمّة هواتف خلويّة أو أبراج اتّصالات، كما لم يكن هناك اتصالٌ عبر الإذاعة
أو دعم جويّ، حدث كل شيء بانضباط لا تشوبه شائبة”.
ويصف البطل مشاعره بعد رحلة طويلة تمكّن في نهايتها، وهو في جسد
نقّار خشب، من إيصال مشاعره لزوجته، قائلاً: “أومأتُ برأسي كي أؤكد لها
أنني مَن تظن، انسابت عندئذ الدموعُ على وجنتيها، وغطّت فمها بإحدى
يديها، بينما ندتْ عنها شهقة مفاجئة، وضغطتْ بيدها الأخرى على زجاج
النافذة الداخليّ. وليت بمقدوري وضعُ يدي على الجهة المقابلة من الزجاج
كي تلمسَ يدَها، ولكنني اضطررتُ إلى الاكتفاء بوضع جانبِ وجهي بمحاذاة
النافذة. (افتقدتكَ كثيرًا..) همستْ بصوت لا يكاد يُسمع”.
وهكذا تقدم الرواية في كل فصل من فصولها رسالة محفزة للفكر فيتردد
صداها لوقت طويل، وتحقق رؤية كاتبها ريك إنكورفيا الذي يخاطب القارئ
قائلًا: “هنا أستحضرُ والدي الذي اعتاد أن يخبرني مذ كنت فتىً يافعًا أنني
أستطيع نسجَ أجمل القصص من وحي خيالي. ولمّا كنتُ قد لاحظتُ استمتاعَ
الكثيرين بالقصص التي يتفتّق ذهني عنها، كان الوقتُ قد حان لأشاركها مع
العالم أجمع. أهلًا بكم في أعمق أركان خيالي وأحلكها”.
ومن الجدير ذكره أن هذا الكتاب ثانيَ أعمال د.ربى أبو علي في التّرجمة
الأدبية من الإنجليزيّة إلى العربيّة، بعد رواية “كتاب المسافر الأكثر مبيعاً”
للكاتب نفسه.
/العمانية/