مبادرات وطنية متعددة برزت خلال العقود الأخيرة، وخصوصا في العقدين الأخيرين، مما فرضته الحالة الوطنية التي استوجبت البحث عن حلول عاجلة لمواجهة بعض المشكلات الوطنية العالقة، وأبرز تلك القضايا مشكلة الباحثين عن عمل والخلل في مسألة الإحلال والتعمين، وكذلك قضية الهُوية الوطنية والمواطنة، وغيرها من الهموم الوطنية التي تراكمت خلال الألفية الجديدة، فجاءت المعالجات الوقتية العاجلة لتفرض نفسها على الوطن بمختلف مؤسساته وأجهزته. ومع أن الواقع يؤكد أن مختلف الدول تتعرض لمثل هذه الظروف ولديها من الهموم والمشاكل ما يكفي في دورة حياتها الوطنية، إلا أن انتظار مثل هذه القضايا والمشكلات لتظهر على السطح في ظل غياب الحلول الجذرية ضاعف من حجم تلك المشكلات والهموم، وشكَّل ضغوطات إضافية متجددة على هذا الوطن، فأصبحت الحاجة ماسَّة لإيجاد حلول جذرية شاملة لمعالجة تلك القضايا والهموم التي فرضت نفسها على الساحة الوطنية.
نعلم يقينا أن الجهود الوطنية المبذولة في مختلف أجهزة الدولة ومؤسساتها حاولت تذليل العقبات وتلافي المشكلات، وهي جهود كبيرة لا يمكن إنكارها في مختلف مجالات العمل الوطني، إلا أن كل مؤسسة معنيَّة باحتياجاتها الخاصة وفق أنماط عملها ودورة عملها وخططها المستقبلية وظروفها، كما أن المؤسسات البرلمانية والإدارية في الدولة تعمل على مواجهة مختلف الحالات الوطنية عندما تبرز على السطح، وفق القدرات والإمكانات المتاحة في حينه، ولكن هناك مشكلات تتجاوز هذه المعطيات الوطنية لتصل إلى مرحلة الذروة بحيث لا يمكن حلها كليا حسب معطيات الأوضاع السائدة، خصوصا إذا لم تتجاوز الحلول نسبة ٥٠% في المعالجة، وهنا تتفاقم تلك القضايا بشكل كبير انتظارا لما تسفر عنه ظروف الوفرة الاقتصادية والرخاء والظروف الدولية، وقد يحدث العكس أيضا ويصبح الوطن بأكمله في ظل ظروف ضاغطة ومشكلات جانبية أخرى ناجمة عن المشكلات الأساسية وتتفاقم مع الزمن، هنا لن يكون بمقدور المؤسسات الحكومية أو الأجهزة الوطنية تجاوزها بسهولة، خصوصا في الأنماط الإدارية السائدة، وهذا ما حدث بالفعل.
وعودا على بدء، فإن الأحداث الوطنية الأخيرة وطريقة معالجتها العاجلة تفرض على الوطن اعتماد مسار وخطة عمل وطنية تتطلب حلولا جذرية ناجعة ومتابعة دائمة ينبغي أن تضطلع بها لجنة استراتيجية وطنية، مهمتها الأولى البحث في القضايا الوطنية وتقديم الحلول والبدائل الممكنة. وتُشكَّل هذه اللجنة من نخبة الخبراء والمفكرين في هذا الوطن ممن يمتلك الخبرة التراكمية في مختلف الأجهزة المدنية والعسكرية بالسلطنة، والاعتماد على فئة المتقاعدين، خصوصا الذين خبروا الحالة الوطنية منذ السبعينيات إلى اليوم وعرفوا بالفكر والرأي السديد، ولديهم الخبرة بتفاصيل العمل الوطني. وتراقب هذه اللجنة النطاق الوطني عامة، وتتلمَّس قضايا الوطن قبل استفحالها، وتقدِّم دراساتها لمختلف لقضايا الوطنية، وتطرح الحلول والبدائل الممكنة في ظل الظروف والمعطيات الراهنة. وهذا نداء ومقترح وطني أرفعه للمقام السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه، وسدد على طريق الخير خطاه ـ من أجل عُمان مزدهرة تنعم بالخير والرخاء.
مقترح تشكيل لجنة استراتيجية وطنية لا يتعارض مع رؤية “عُمان ٢٠٤٠” بل يتواءم معها، وأهميتها تكمن في البحث عن القضايا الوطنية، وتقديم الدراسات والحلول الجذرية الناجعة ومتابعة الحالة الوطنية بمختلف تفاصيلها، وترفع التوصيات، وتستمر جهود هذه اللجنة في متابعة وتنفيذ وتقييم الحلول وإيجاد البدائل بصفة مستمرة، حفظ الله عُمان وأسبغ عليها نعمه، والله ولي التوفيق والسداد.
خميس بن عبيد القطيطي