لو كان التاريخ لنا معيناً لإنارة المستقبل ومعالم طريقه ولو أنَّ بصيرة الإنسان ومعرفته وصلت إلى المرحلة الحقيقية والكافية للمصارحة مع النفس لكانت الإجابة واضحة أن ما تعانيه الأمة وفي كل شيء قديم وله جذور وأسباب وأن مرحلة الاستقرار والرفاهية في تاريخها محدودة وأن بعض جوانب تلك الرفاهية كانت على حساب منطقة جغرافية قريبة من مُحيطها؛ بل وعلى حساب لا يتعدى بنو جلدتها في بعض الأحيان.
أما حقيقة العلم والصناعة والابتكار، فمع وجودها طبعاً ولكنها ليست كما نسعد أو نقنع أنفسنا ونتغنى بها ومع جل ذلك فإنَّ الأمر ليس معيباً، إذا كانت هنالك عقول تطمح وأخرى تصارح وثالثةٍ تكتب منهجاً قويماً مبنياً على أسس مستدامة مترفعة تجمع بين استقطاب المعارف وتلك المعطيات المادية للأوطان وتصوغها في بوتقةٍ متكاملة تحاكي طموح الجميع والوطن والمصلحة المشتركة العليا وترسخها كبناء رصين وتجعل منها قوة في شموخ كل إنسان ومجتمع مبنية على استقطاب العقول والمزايا واحترام وقبول الحضارات الأخرى بل ومسترشداً بها لا معاكساً لها باعتقاد الأفضلية، مسخرة ماوصلت إليه لتقدمها وكذلك لفرض احترام البشرية لها من خلال تلك الثوابت والمعطيات مع الاحتفاظ حتماً بتعاليم الدين الحنيف.
ولو أنَّ عالم اليوم والسؤال لمن يقبل أن يرى الحياة من خلال مجهر السؤال والتقصي والاعتبار والمصارحة: فهل أن نظام الحياة كدول مستقرة مُطمئنة من حيث الثوابت السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعلمية؟ أم أن حقيقتها تماماً كالغصن الذي يتمايل مع كل نسمة؟ وهل ستقع أم ستصمد؟ منتظرة الحلول من دول العالم في كل أزمة، ولذلك لم تجرؤ الحضارات والمتغيرات العالمية أن تتعامل معها بكل وضوح وندية مستحقة مما انعكس على عمق شعور ومستوى حياة الفرد الاجتماعية مما جعله في تخوف مستمر على النفس ومستقبل الأجيال.
والسؤال الأكبر هل أن كل ما ذكر سببه الفعلي يختصر في عدم استقرار وثوابت ما يسمى بنظام دولة وقبول هذا اللون من الحضارة وعلى مستوى الأمة جمعاء؟ أم أن قبولنا به هشاً جداً يمكن أن ينهار في أي لحظة؟ وهل أن السبب هو أن ما نحتاج من مُعطيات يكون متعادلاً في التضحية بين الشعوب والقيادات ليكون الأمر مرحباً به ومقبولاً ومحمياً من الجميع؟ فإذا كانت الإجابة بنعم، فما هو السبب غير الواضح لعدم إيجاد ثوابت ونظام وقوانين دولة تكون محل ترحيب الجميع لتحمى منهم وتستقر بها نفوسهم وتكون أسمى وأكبر من كل مسمى وتكتل آخر مهما يكن.
ولكي أضع تحديداً لكل ما ذكرت، فإني وعن اقتناع وتمحيص ودراسة وقراءة للتاريخ فإنَّ أفضل ما يناسب أمم المنطقة هي الأنظمة الملكية الحالية ولأسبابٍ يطول شرحها غير أنَّ وجود رئيس للوزراء وبشكل دائم ومستمر، سيجعل من ثوابت ما ذكرتُ سلفاً أمراً به استمرار وديمومة، ذلك أن الزمن ابتعد كثيراً عن المثل والمقومات السابقة ولا يُمكن بأي حال جعل الرمز الأعلى لأيِّ وطن في واجهة كل شيء وطلب كل شيء وكذلك انتقاد أي شيء. فوسائل التواصل اليوم والتي تتقدم تقنية واستخداماً فإن رموز الأوطان وهم صمام الأمان لكل وطن يجب أن يكونوا منزهين من بعد الله سبحانه وتعالى، فبرفعتهم وقوتهم وبقائهم يدوم كل شيء وللنجاح الحقيقي والعملي لهذا الأمر وبشكلٍ حتمي أن لا يكون لهذا المنصب علاقة أو قربى لرأس أي دولة، ولأسباب أيضاً يطول شرحها، غير أنَّ أهم الأسباب أن الاختلاف بين القانون ومطبقيه يجب أن يكون بعيداً كل البعد عن رمز الدولة، وما يمكن أن يرتبط بشخصه ومقامه، أما رئيس الوزراء فإنِّه ومن السهل الاختلاف معه وسهولة الوصول إليه، بينما يبقى رمز الدولة هو الآمر والناهي وبعيداً عن أي اختلاف، وأن يكون رئيس الوزراء من عامة الشعب وغير مُقيد بشهادة أو لقب.
نعم سنختلف معه بل وسنتصارع، رغبة في الأفضل، وأن لا يكون منصباً شرفياً؛ بل شخصاً ميدانياً مُتحركاً يقف على كل شيء، وفي أي وقت ومكان، وما دون ذلك فإنَّ التقدم في أي تطلع سيطول أمده والقرار الذي به أكثر من وزارة لن يحسم أمره.
إسماعيل بن شهاب البلوشي