غلاف كتاب (رحلات إلى شواطئ النار)
القاهرة ـ “رويترز” : تتقاطع مفردات الدم والنار والموت والدمار، وتتشابك أدوار المحقق الصحفي والجندي ورجل المخابرات، وتتعانق الأيدي المخضبة بالدماء بتلك المعفرة بذرات الهيروين في عالم من الجريمة والصراع في كتاب “رحلات إلى شواطئ النار”. ومثلما تتداخل عوالم السياسة والحكم وأجهزة الأمن والمخابرات وعصابات المافيا وتجار السلاح في فضاء يموج بالاضطرابات، يتنقل الكاتب حسين عبد القادر بين شواطئ اللغة والتعبير معتمدا أسلوبا صحفيا سلسا بمفردات بسيطة تتبدل إيقاعاتها وفقا لسخونة الأحداث.
يقف الكتاب الذي يضم بين ضفتيه 136 صفحة في منطقة خاصة بين أدب الرحلات والسير الذاتية والسرد الصحفي وكتابات الجريمة، كان عبد القادر كمن يحاول أن يقبض على الجمر دون أن تحترق أصابعه في عالم يصفه في مقدمة الكتاب بأنه “يثير فضولي قبل مخاوفي” على جبهات قتال “لا أعرف حتى الآن كيف كُتبت لي النجاة فيها إلا أنه أمر ربي ومشيئته”.
يستعرض رحلاته من باكستان بعد تدمير السفارة المصرية في إسلام اباد والمقابلة التي أجراها مع رئيسة الوزراء بينظير بوتو التي قتلت بعد ذلك بسنوات، إلى سوريا في فترة المقاطعة العربية مع مصر بعد كامب ديفيد، ومنها إلى معايشة الواقع مع جماعة حزب الله اللبنانية في إحدى مواجهاتها مع إسرائيل، ورحلات أخرى في أفريقيا وأوروبا لتغطية خلافات سياسية وصراعات عسكرية. يبدأ الكاتب بذكريات رحلتين إلى إريتريا في تسعينيات القرن الماضي والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكيف تقمص في إحداهما دور رجل المخابرات كي يقف على حقيقة شائعة تسربت إليه “عن وصول قوات إسرائيلية للحرب بجانب إريتريا” ضد القوات الإثيوبية.
لا يخلو السرد العنيف الصاخب من لمسة إنسانية باكية عندما يتحدث عن أطفال الشوارع، ثمرة جرائم الاغتصاب في الحروب، وهي مأساة شاهدها بعينيه ورصدها بقلمه.
في آخر يوم من إحدى الرحلتين يصف لحظة تقشعر لها الأبدان. يقول: “بعد الفجر مباشرة ومع أول تباشير الصباح كان السائق قد وصل… (بعد أن) قضينا الليل نستحم عدة مرات لنغتسل من آثار دماء الجثث”.
في الفصل الثاني يأخذنا إلى السودان. “ما أجمل الخرطوم وأهلها الطيبين” هكذا قال قبل أن يصدمه صديق سوداني قديم ويحذره من أن كل مصري في السودان موضع اشتباه. سأله عن السبب فرد عليه “فتش عن المستفيد من تشرذم العرب”.
في محطة تالية ثلاث زيارات للبنان كانت إحداها لتغطية مبادلة بين إسرائيل وحزب الله تضمنت تسليم أسرى مقابل رفات جنود إسرائيليين.
بين الحين والآخر، يحاول الكاتب تخفيف جرعة المرارة بمواقف ساخرة يرصدها وسط الأحداث المأساوية. يقول “أثناء الوقوف في الطابور حضرت صحفية تتميز بجمال غير عادي، اتجهت فورا إلى الشباك متخطية جميع الواقفين.. لكن أحد الصحفيين الكبار وهو رئيس تحرير جريدة لبنانية يومية قال إنه، بناء على رغبة كل سيدات العالم في المساواة مع الرجل، يطالبها بالالتزام بدورها في الطابور”. عندما حاول الكاتب إجراء مقابلة مع زعيم حزب الله الشيخ حسن نصر الله، وافق الحزب في البداية لكن سرعان ما ألغيت الخطط. قال له مسؤول في الحزب بشكل واضح “يا سيد حسين ألغيت المقابلة لأنك تحدثت عنها مع آخرين”.
إلا أن الحزب عوضه بمكافأة من نوع خاص.. نظم له معايشة على المواقع الأمامية للمواجهة مع القوات الإسرائيلية مباشرة. يقول “ابتعلت ريقي وفتحت عيني ثانية خاصة وأن الرجل قال ستنطلق في الحال”!
في فصول تالية يتناول الكتاب زيارات لباكستان أجرى في إحداها مقابلة مع بينظير بوتو يقول إنها اعترفت فيها لأول مرة بامتلاك إسلام اباد سلاحا نوويا. بعدها يسرد تفاصيل زيارات لسوريا والأردن والسعودية وإيطاليا والنمسا وتونس وغيرها. يقول إنه خلال زيارته لسوريا، تمكن من الكشف عن شبكة لتهريب الهيروين لمصر بعد مقابلة مع أحد المسجونين المصريين في سجن المزة بدمشق. في الفصل الثامن من روما إلى تونس.. يردد الكاتب المثل الشعبي “من حفر حفرة لأخيه وقع فيها”، ثم يعترف “نعم أنا حفرت حفرة لزملائي، ولكني لم أسقط في حفرة بل سقطت في بئر وكاد حبل المشنقة يلتف حول رقبتي.. ربما كان ذلك بسبب المقلب الذي دبرته لزملائي في مطار روما واستأثرت بطعامهم”. فبعد انتقاله إلى مطار قرطاج بتونس قبضت عليه السلطات لتطابق بياناته مع آخر محكوم عليه بالإعدام “ولولا اسم أمي لتم تسليمي للإنتربول الدولي”.
يسلط الكتاب الضوء على الدور الكبير الذي يلعبه الصحفيون وحجم التضحيات التي يقدمونها دون مقابل تقريبا إذ لا يمكن أن يكون هناك ثمن لحياة الإنسان. لكن جملة قصيرة في طيات الكتاب تلخص شعوره بالكامل “رغم ضخامة جسدي إلا أنني كنت سعيدا… كنت أقفز وأتسلق المرتفعات”. نال الكاتب عددا من الجوائز من ضمنها الجائزة الأولى للتفوق الصحفي من نقابة الصحفيين المصرية، وأشهر مؤلفاته كتاب (مغامرات كولومبو في شارع الصحافة).