ظللنا ننظر بسطحية لما يدور في أفغانستان، هذه الدولة اللّغز التي تتصارع عليها دول الاستعمار والاستكبار العالمي، وصدّقنا ما قاله لنا الأمريكان من أنهم ذاهبون إلى هناك لمحاربة الإرهاب، ومنح قطوفهم الدَّانية من الديمقراطية والحرية إلى تلك الدولة المُتخلفة عن ركب الحضارة والتقدم.
صدّقنا ذلك بسذاجتنا المعهودة أمام أكاذيب أعداء الأمة الإسلامية، وسرعة تصديقنا لنوايا الغرب تجاه الدول الإسلامية على وجه الخصوص، فهو أكثر من سذاجة؛ بل خيانة لتوجيه القرآن الكريم لنا، ونسينا بمحض إرادتنا أنَّ القاعدة وقادتها، صناعة أمريكية بأموال عربية، وأن طالبان كذلك صناعة أمريكية بالتعاون مع المخابرات الباكستانية، وأيضاً بأموال عربية، وإنه كان يُطلق عليهما مسمَّى المجاهدين في سبيل الله “ظاهرياً”، أما في الحقيقة فهم محاربون في سبيل الشيطان، والطموح الأمريكي الخبيث والغربي على حد سواء، ويأتي اليوم الرئيس الأمريكي ليؤكد لنا، أنهم لم يذهبوا لصنع دولة، وإنما لزرع عملاء لهم في أفغانستان، وفاجأه سرعة انهيارهم.
وعندما هُزم الاتحاد السوفيتي (سابقًا) في أفغانستان، واضطر إلى الانسحاب تحت وطأة هجمات ما سمي بـ”المجاهدين”، تحول أولئك المجاهدون من مجاهدين إلى إرهابيين، هكذا وبدون أية مُقدمات، وأن طالبان والقاعدة، قومٌ أشرار يتوجب التخلص منهما بالقوة العسكرية، هكذا كانت ذريعة الغزو وقتذاك!! وهذا ما جرى في عام 2001 وبذريعة قوية؛ ألا وهي مُهاجمة طالبان لأمريكا وتدمير أبراجها التجارية في نيويورك. وقد ساقتني الصدفة في عام 2012 لأرى أن مكان البرجين تم إنشاء 5 أبراج، الأمر الذي يُرجح موضوع المُؤامرة، فإن الأبراج كان مُخططاً مسبقاً لإزالتها، وكما يقال؛ تم ضرب عصفورين بحجر واحد، فتدمير الأبراج كان مُجرد حجة لغزو أفغانستان والعراق، والأسباب يوم يُعلن عنها، سيتضح أنها بعيدة كل البعد عمّا أشيع في وقته.
إنَّ الإرهاب المزعوم في أفغانستان كان مجرد شماعة، وإن الديمقراطية التي ذهب الغرب ليسعف بها الأفغان، مجرد دعاية خادعة لذر الرماد في العيون، وأن جانبًا من الحقيقة يقول إن كنوز أفغانستان من الذهب والحديد والمعادن القيمة والنادرة، هي سبب الصراع بين دول الاستعمار الغربي بالدرجة الأولى لاحتلال أفغانستان، وكذلك الحال بالنسبة لروسيا والصين، يضاف إلى ذلك موقعها الاستراتيجي في تلك المنطقة وسط آسيا.
لكن قوة شكيمة وإيمان الإنسان الأفغاني، حالت بقوة دون الغزاة ومآربهم، فهذا الشعب العظيم تربى على قيم الدين الحنيف والكرامة وعزة النفس، فواحدة من الحوادث التي عجلت برحيل أشهر مُستعمر عبر التاريخ الحديث، ألا هو الاستعمار الإنجليزي؛ إذ تقول الرواية إنه في يوم من الأيام رأى الجنود الإنجليز، أهل قرية أفغانية قد خرجوا للصيد وجمع الحطب، فدخلوا القرية للسرقة، فقام أحد الجنود برفع الخمار عن وجه امرأة أفغانية، ظناً منه أنها تخفي ذهباً في جيدها، ولكنها دافعت عن شرفها وعفتها، فقتلت ذلك المعتدي بطعنة بسكين، فقبض عليها الإنجليز، وحاولوا اقتيادها إلى معسكرهم، إلا أن أهل القرية هبُّوا لنجدتها، فاشتعلت ثورة ضد الغزاة، لم تنتهِ تلك الثورة إلا بهزيمة الإنجليز، وطردهم من كل الجغرافيا الأفغانية، وطبعاً الثورة قد بدأت قبل عام من تلك الحادثة التي كانت في عام 1841م، ولكن ازداد سعيرها يغذيها فتيل الشرف والكرامة.
إذن؛ لولا قوة الخصم لما ظل الاحتلال الأمريكي، ومعه دول حلف الناتو عشرين عاماً في أفغانستان، فالشعوب الكريمة وصاحبة العقيدة القوية وعزيزة النفس، لا تقبل بالضيم والظلم، وما كان للأمريكان والغرب عموماً الخروج من أفغانستان، دون أن يحققوا ما أتوا من أجله وهو نهب ثروات البلاد، لولا قوة بأس الشعب الأفغاني الأبيّ.
ولقد هنأ سماحة المُفتي العام للسلطنة الشعب الأفغاني المسلم بالنصر على الأعداء، وبارك لهم ذلك النصر المُبين، فكيف لا يفرح المسلم لأخيه المسلم، عندما يراه يستعيد أرضه وكرامته، ونحن كعُمانيين لنا سابقة في التأريخ، عندما حررنا شواطئنا العُمانية من الغزو البرتغالي، ترى هل كان تحريرنا لسواحلنا بالتفاوض والطرق الدبلوماسية؟! كلا؛ بل تمَّ ذلك بقوة السلاح وشجاعة الرجال وإصرارهم على النصر، فلا يفرح للمحتل إلا عبيد المُستعمر وأدواته، وشركاؤه في محاربة الدين الإسلامي الحنيف، والذين تمتلئ سجونهم بالأبرياء ودعاة الحرية، والذين تضايقوا من كلمة حق قالها سماحة المفتي، فإنَّ الضلالة قد أغوتهم وهم من الأصل في الضلالة يعمهون، وربما ظنوا أن الأئمة الربانيين، كأئمة الحكام المترفين، لا ينطقون إلا بما يطلب منهم ولي الأمر.. ستموتون قبل أن تفهموا النهج العُماني العتيد.
إن أعوان الشيطان حتماً لن يتركوا أفغانستان وشأنها، فهم لم يتركوا دولة حول العالم إلا وتدخلوا فيها، وذلك لغرض التخريب، وانصياعاً لأمر سادتهم أبالسة الماسونية العالمية من بني صهيون، وكأنهم فقدوا الأمل في التوبة والعودة إلى جادة الحق والصواب، فأخذوا يُمعنوا في ضلالة الناس، وهذا ديدن الشيطان الرجيم وأعوانه، فالأمر البديهي أن يحاولوا الأخذ بثأر أسيادهم، وينشروا خبثهم وسمومهم في أفغانستان، تحت دعاية حماية النساء والضعفاء، وما علموا أن العالم الحر بحق وليس بالزعم، إنه يصنف بلدانهم بأنها الأسوأ في الحفاظ على حقوق الإنسان في الكون كله، فلا نامت أعين الخونة الجبناء.
وإن العشم في الشعب الأفغاني الكريم، وما يطلق عليهم بـ”طالبان” هم غير طالبان الشباب قبل عشرين عاماً، وهم اليوم أصبحوا أكثر نضجاً وتجارب من ذي قبل، وأن نضجهم العاطفي والوجداني، سيُؤهلهم لأن يحفظوا وطنهم من طمع الطامعين ومن الغزاة المجرمين، وأن عليهم أن يعملوا بحكمة تجمع شمل الأمة الأفغانية، تحت ظل قيادة حكيمة مكللة بالتوفيق والنجاح، وبالطبع من خرج مهزوماً مخذولاً ذليلاً، لن يسعده أن يرى أفغانستان حرة أبية، وفي أيدي أمينة من أبناء شعبها المخلص، وبإذن الله ستزدهر دولة أفغانستان بعدما خرج منها المستعمر، ولم يحقق مآربه الخبيثة، ونواياه السيئة، فقليل من الصبر والحكمة، فيصبح كل شيء على خير ما يرام، والنصر حليفكم بإذن الله.
حمد بن سالم العلوي