هل نحن مستعدون لعالم ما بعد الجائحة؟ هذا سؤال يطرح في كل مكان اليوم. ووضعت الكثير من مراكز الأبحاث في العالم تصوراتها ورؤاها لعالم ما بعد كورونا. فحدث الجائحة ليس أقل من تلك الأحداث التي غيرت العالم في عمقه وجوهره. ما زلنا نتذكر ما حدث بعد 11 سبتمبر 2001، كان ذلك الحدث قد ساهم في تغيرات اجتاحت العالم وفي تشكل النظام العالمي الذي عشناه على مدى عقدين من الزمان. لكن قبل ذلك فإن العالم كان قد تغير بعد سقوط جدار برلين وقبله تغير بعد الحرب العالمية الثانية وبعد الحرب العالمية الأولى. مع كل حدث مهم ومفصلي يمر على البشرية كانت هناك متغيرات تكثر وتقل بحسب تأثير ذلك الحدث. وهذه أحداث عالمية تساهم في فرض تأثيرها على العالم أجمع وإلا فإن في كل دولة من الدول ثمة أحداث تساهم هي الأخرى في تغيرات داخلية على المستوى الوطني.
لكن أغلب الأحداث العالمية السابقة كان تأثيرها قويا على الجانب السياسي والاقتصادي، وإن كان هذان الجانبان يؤثران على بقية الجوانب إلا أن الجانب الاجتماعي والثقافي أقل تأثرا بهذه الأحداث إلا أن الأمر يختلف تماما مع المتغيرات التي أحدثتها وتحدثها جائحة كورونا. صحيح أن العالم سياسيا واقتصاديا لن يكون أبدا كما كان قبل الجائحة إلا أن الصحيح أيضا أن الجوانب الاجتماعية قد أصابها الكثير من التغيير خلال الجائحة وسيستمر الأمر بعد الجائحة أيضا، وسيشمل التغيير الكثير من العادات والتقاليد التي كنا ننظر لها بالكثير من القداسة قبل الجائحة. فلم يكن مقبولا قبل عام 2020 أن لا يتصافح الناس عندما يلتقون كل يوم، كما لم يكن مقبولا أن يعزي شخصا قريبا له أو جارا بالهاتف لكن هذه الأمور وغيرها تغيرت الآن ووجد فيها الناس تخفيفا للكثير من الأعباء الاجتماعية التي يمكن معالجتها بوسائل التواصل والاتصال الحديثة. ورغم أن البعض ينظر إلى هذه الأمور باعتبارها بسيطة جدا ولكن في الحقيقة هذه الأمور مجتمعة تشكل النظام الاجتماعي لأي مجتمع من المجتمعات، وتؤثر في تشكل الكثير من السلوكيات التي تشكل واقع التجمعات البشرية.
وستدعم التغيرات التي فرضتها الجائحة في الجانب السياسي والاقتصادي إضافة إلى الجانب الصحي وما سيفرضه من إجراءات احترازية دائما تشكل ذلك النظام الاجتماعي الجديد الذي سنجد أنفسنا نعيشه بعد جائحة كورونا إن كان لهذه الجائحة «بعد» في الوقت القريب!
وهذا الجانب يحتاج إلى تسليط الضوء عليه من قبل الجهات المختصة، ووضعه في دائرة الضوء عند رسم خطط المرحلة القادمة. والجوانب الاجتماعية لأي مجتمع عندما تصل إلى مرحلة السلوك الجمعي يكون لها تأثير على البنى الأخرى في الدولة لأن العملية تكاملية وكل بنية تؤثر على الأخرى وفي كل مرحلة يكون تأثير بنية من البنى أكبر على غيرها وكل هذا يحتاج إلى فهم ووعي كامل في دائرة صناعة القرار.