صدر المرسوم السلطاني السامي رقم 22/2019 القاضي بإنشاء المركز الوطني للتشغيل ويتبع مجلس الوزراء ويتمتع بالاستقلالية الإدارية والمالية، ويتولي الإشراف عليه مجلس إدارة يتألف بالمناصفة بين ممثلي الحكومة وممثلي القطاع الخاص، وفي هذه الأثناء عقد مركز التواصل الحكومي جلسة تعريفية مع الإعلاميين ونشطاء منصات التواصل الاجتماعي لتسليط الضوء على ما يتوقع من مهام ومسؤوليات واختصاصات من المركز، والذي من المقرر أن يبدأ أعماله في بداية عام 2020. وللتوضيح فإنّ ترتيب البيت الداخلي والخطوات العملية سوف تبدأ حالا وفورا بعد صدور المرسوم السلطاني بتاريخ 28 فبراير 2019، إضافة إلى استمرار جهات التشغيل بعملية التوظيف كالمعتاد.
تسعة أشهر تفصلنا عن بدء المركز الوطني للتشغيل لأعماله حسب الهياكل التنظيمية والإجراءات والاختصاصات الجديدة، فهناك من يرى أنّها مدة طويلة، وهناك من يراها أنها قصيرة، اعتمادا على وجهة نظره ومن الزاوية التي تعنيه، والأهم من المدة هو تمكين هذا المركز من النجاح وتوفير له المنظمات اللازمة، وهذه الممكنات أو “عوامل النجاح” ليست مملوكة كما يتوقعها الكثير من الناس أنها موجودة ومتوفرة لدى مجلس الوزراء لوحده، وأجزم غير ذلك تماما، إذ أن “الممكنات” متوزعة فيما بيننا، وكل جهة لديها جزء من “الممكنات” أو عوامل النجاح، بالرغم من أنّ الحكومة لديها دور ريادي، فإنّ ذلك لا ينتقص من باقي الأدوار.
ليتصور كل منّا أنه رئيس مجلس إدارة هذا المركز أو أحد أعضاء المجلس أو رئيسا تنفيذيا أو حتى موظف في هذا المركز الجديد، فماذا سيحتاج المركز في التسعة الأشهر القادمة، فبكل تأكيد سيحتاج دعما ماديا ومعنويا وتضحيات وتنازلات بفكر حديث لجعل الصورة المثالية كما أريد لهذا المركز أن تكون مطبقة في أرض الواقع، وبتجرد كامل من أي مقاومة لدواعٍ شخصية أو مؤسسية، وجعل “المصلحة العامة” الهدف الرئيسي الذي يفيد أكبر شريحة من المواطنين لأجل التأهيل والتدريب والتوظيف والتطور الإنتاجي الذي ينعكس للمواطن العماني على وجه الخصوص والسلطنة بوجه عام، فبحجم الصلاحيات الممنوحة ومساحة الحركة يمكن للمركز أن ينجح أو يكون عكس ذلك، فإن ولد مقيدا بالأغلال، فحاله سيكون حال الكثير من المبادرات الوطنية التي تبدأ بإشعاع منير، وتخفت وتصبح باهتة مع مرور الأيام، كما أنّ الحكومة في خلال هذه الفترة خاصة التسعة أشهر القادمة عليها أن تقوم ما يلزم لدعم المركز وعدم ترك الساحة فارغة للاجتهادات والمهاترات وتعميق الفجوة بينها وبين المواطن، والتفكير الجدي بسد الثغرات من خلال برامج توعوية بأهمية المركز والأدوار الريادية المنوط بها، وكيفية تنفيذها ميدانيا؟، وما هي الفوائد المرجوة من المركز للشخص والبيئة التجارية ولعمان عامة؟
وكما أوضحت أن أكبر داعم لعوامل النجاح سيكون من الحكومة، إلا أن هناك أدوارا أخرى من القطاع الخاص، وهو التفاعل بإيجابية من خلال الأطروحات والأفكار والمقترحات العلمية المدروسة والنقد البناء من خلال من يمثلهم في مجلس الإدارة في المركز أو من خلال غرفة تجارة وصناعة عمان أو من اللجان القطاعية إن كانت ما زالت فعالة، وليثق القطاع الخاص أن وجود المركز ليس عرقلة النمو التجاري والاقتصادي لهم ولأعمالهم، وإنما وجوده لغايات كثيرة منها إصلاح التشوهات الموجودة في سوق العمل التي لا تخدم السوق بوجه عام، وإنما تخدم قلة من الأشخاص، وتنظيم التشوهات الحالية سوف تخدم الشريحة الكبرى من المجتمع، وتؤتى آثارها الإيجابية على المدى المتوسط والطويل، فقليل من الوقت الممنوح لتجهيز البيت الداخلي، سيضمن صلابة وقوة البنيان.
فكما للحكومة دور والقطاع الخاص دور، فإنّ المجتمع له دور لا يقل عنهما، خاصة أن ملف التوظيف والتشغيل متشابك ومعقد وأطرافا كثيرة تدخل أو تتدخل فيه، وهنا يأتي دور المجتمع من خلال المنصات التفاعلية التي أصبحت واقعا لابد أن تحترم ويتعامل معها كأداة مؤثرة، فعلى الكتاب والمغردين ونشطاء التواصل الاجتماعي أن يتواصلوا مع المركز ويوصلوا مقترحاتهم وأفكارهم، ويكونوا معينين للمركز بالنقد البناء بعيدا عن الشخصنة والتجريح والسلبية والتشكيك وتقزيم الجهود المخلصة وإطلاق الأحكام المسبقة دون تقييم أو اطلاع على الحقائق والأرقام.
المركز الجديد ليس بمركز عادي واختصاصاته لن تكون معتادة وبكل تأكيد ستواجه وستقاوم، واستدامتها وقوتها تأتي من خلال مجلس الإدارة وإدارتها التنفيذية، فإما النجاح في هذا الملف “القديم المتجدد” بدأ من لجنة التعمين في ديسمبر 1997 وتلتها عددا من ندوات التشغيل الوطنية، علما بأنّ المركز ستناط به ملفات أخرى ليست بالسهلة من تدريب وتوجيه وإرشاد وتوظيف ومهام أخرى تتطلب منا مضاعفة دعمهم ومساندتهم؛ ليكون هذا المركز مركزا يشار إليه بالبنان ويكون “قصّة عمانية ناجحة” خاصة أنّ المركز “وطني” ويخصّنا جميعا، فلندعمه جميعا.