مُعظم العُمانيين -بطريقة مباشرة أو غير مباشرة- ستجد له عَلاقة بالقطاع الخاص؛ فإما يعمل فيه مباشرة، أو يقوم بما يُسمَّى بأعمال حرة، أو يملك سجلا تجاريا أو أكثر، وإن كان يعمل في الحكومة، أو يملك سجلا مسجلا باسم أحد أقربائه أو شريكه التجاري غير الظاهر في المشهد، أو يملك حصة معينة في شركة خاصة، أو أسهما في سوق مسقط للأوراق المالية خاصة ممَّن تجاوز سنه الـ30 عاما، ويُمكن لمن أراد أن يتأكد أن يعود للسجلات الإحصائية.
ومن هذا المنطلق، يتَّضح جليًّا أنَّ القطاع الخاص يمسُّ حياة معظمنا بشكل أو بآخر. وعليه، فإنَّ علينا أن نرعاه ونهتم به، ونحاول معا -ما بوسعنا- أن نجعله ينمو ويزدهر عاما بعد عام، والعلاقة بيننا وبين القطاع الخاص يجب أن تكون طردية، فإن هو تطور تطورنا وتطور ما حولنا، والعكس صحيح، وبما أنَّ هذا القطاع الحيوي يلامس حياتنا بشكل يومي، فلابد من تقييمه ومراجعته وحقنه بكل المحفزات والممكنات ليظل قويا مستداما.
مُنذ أكثر من 4 أعوام والقطاع الخاص يقاوم التحديات التي صاحبتْ النزول الحاد لأسعار النفط، والتي أثرت على ميزانية الدولة، وتكالبت الظروف عليه من كل صوب وحدب، بدءًا من النقص الحاد في المناقصات الحكومية، وتأخر المدفوعات، ورفع الدعم عن الكهرباء والماء والمشتقات النفطية، ورفع الرسوم في معظم المعاملات الحكومية، وفرض الضريبة الانتقائية على بعض منتجاته، والتلميح بين فترة وأخرى بفرض ضريبة القيمة المضافة VAT هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى مطالبته بضرورة رفع نسب التعمين دون النظر إلى الوضع المالي الحالي للشركة، أو حجمها، أو نشاطها، أو موقعها الجغرافي، أو قدرتها التنافسية، فبالإضافة للضغط الحكومي عليها، تجد البنوك أو المصادر التمويلية تطالبها بدفع المستحقات وبنسب أعلى مما سبق، أضف إلى ذلك منافسة القطاع الخاص من الشركات الحكومية المدعومة من أموال خزينة الدولة والتي تستطيع أن تقاوم الظروف وتستمر في السوق بوجود دعم حكومي سنوي لفترات طويلة لا يتحمله القطاع الخاص الذي يعتمد على نفسه أو يعتمد على جهات تمويلية تجارية، يتضح لنا أنَّ الضغوط على القطاع الخاص متنوعة -سواء من الحكومة أو المجتمع أو الشركات الحكومية الكبرى.
لا يختلف اثنان على أنَّ هذه المطالب الحكومية المذكورة أعلاه مطالب مشروعة يجب على القطاع الخاص أن يقوم بها وينفذها، لكن ما نحاول أن نُسلِّط عليه الضوء هو “التوقيت” و”مراعاة الظروف”، فلو كانت الظروف تدل على أنَّ الاقتصاد بعافيته وصحته، لما اعترض أحد أو استغاث، ولو كان التوقيت جيدا، لاستطاعت الحكومة تطبيق نظرية “العصا” و”الجزرة”، ولتمكنت من الإعطاء بيد والأخذ باليد الاخرى، أما الآن فالكثير ممن يمثلون القطاع الخاص يرون أن الحكومة “تأخذ” بيديها الاثنتين، ونتيجة لذلك، ستعاني الشركات وخاصة الشركات الصغيرة والمتوسطة والمعوَّل عليها أن تحقق أهداف غاية في الأهمية؛ منها: التوظيف “self-employment”، إضافة للأهداف الاقتصادية والاجتماعية الأخرى.
بعد هذا التشخيص أعلاه، هل يمكننا أن نقول إنه لا علاقة بالسياسات الحكومية تجاه ما هو حاصل؟ وهل يحق للقطاع الخاص أن يستغيث؟ وممَّن يستغيث؟ وكيف يُمكن مساعدة القطاع الخاص لكي ينهض من جديد ويحقق أهدافه من وجوده؟ بكل تأكيد فإنَّ الإجابة عن هذه الأسئلة سوف تختصر الكثير؛ لأنَّ جميع الإجابات سوف تجدها في يد الحكومة؛ فالحكومة لديها خياران؛ الخيار الأسهل: وربما آثاره فورية وفاعليته قد تُحدث ضررًا وأوجاعًا مجتمعيَّة؛ وهو: رفع الدعم وفرض الرسوم هنا وهناك دون تقديم حوافز تذكر، وسوف يدفع ثمنها الإنسان البسيط. أو الخيار الثاني وهو خيارٌ مستدام وفعال؛ وهو: تحفيز وتنشيط الاقتصاد لضمان توسعة رقعة النشاط التجاري؛ من خلال حزمة تشجيعية تنافسية مع الاقتصاديات التنافسية وتخفيف الأعباء الحالية عليه، على أن يكون هدفها ضمان حياة وبقاء الأنشطة التجارية الحالية المحلية منها والعالمية، واستقطاب رؤوس أموال أجنبية إضافية باستثمارات مباشرة أو غير مباشرة.
لا يُمكن أن يتم القيام بمبادرة إنعاش الاقتصاد وتنشيطه، أو خلق ممكنات أو الحزمة المغرية المقترحة للقطاع الخاص من خلال جهة حكومية واحدة فقط، بل الحل يكمُن في اتحاد وتكامل وجهات النظر والرؤى بين جميع الجهات المعنية بالعمل التجاري، والاتفاق على “رؤية موحدة” بدءا من وزارة التجارة والصناعة والهيئة العامة لترويج الاستثمار وتنمية الصادرات “إثراء” والبنك المركزي العماني ووزارة المالية والمركز الوطني للتشغيل، مع إشراك غرفة تجارة وصناعة عمان، وانتهاءً بكل الجهات الحكومية التي تمنح تراخيص العمل التجاري، فعلى هذه الجهات أن تحمل فكرا وحسًّا تجاريا، وتعلم أن العالم أصبح قرية صغيرة، وهناك منافسة شرسة، فإما أن نكون منافسين في هذا العالم، أو مجرد متفرجين نشكو حسرتنا ونحاول إيجاد مبررات لأي إخفاق قد يحصل؛ فتنشيط الاقتصاد أصبح ملحًّا وحلا جوهريا ومطلبا مجتمعيا إن لم يكُن لاستقطاب رؤوس الأموال الخارجية، فإنَّ “أقل القليل” للمحافظة على الأنشطة المحلية القائمة من إفلاسها او هجرتها، وذلك أضعف الإيمان.