الشكل الحقيقي لدرب التبانة لا تأكيدات علمية للآن، بأن شيئاً في هذا الكون مسطح تماماً أو مستقيم، فكل ما فيه ملتو أو له قعر وأحدب، حتى مجدول كالحبال وخصلات الشعر، وفقاً لما يقوله الفلكيون والفيزيائيون، لأنه خاضع لجاذبية تلويه وتحودب فيه، كمجرة “عين التبانة” حيث تقع المجموعة الشمسية، فقد اتضح أنها ليست كما تخيلها العلماء سابقاً، وجعلونا نراها كأسطوانة مسطحة في صور أنتجوها بالعشرات.
ثبت من دراسة جديدة، هلل لنتائجها كثيرون من العلماء، أن “التبانة” ملتوية ومقعّرة معاً، وأرجاء منها مجدولة على بعضها كما حبل الغسيل، طبقاً لما نراه أيضاً في فيديو عنها، تعرضه “العربية.نت” أدناه، وهو أول ثلاثي الأبعاد للمجرة التي يتخذ منها أكثر من 200 مليار نجم على الأقل عنواناً له بالفضاء، إضافة لما يدور حول تلك النجوم من كواكب تدور حولها أقمار وكوكيبات وما لا يعلمون.
تحليل لأشد نجوم المجرة لمعاناً، قام به علماء فلك من “جامعة وارسو” البولندية، ونشروا نتائجه في مجلة تصدرها “الجمعية الأميركية لتقدم العلوم” المعروفة بأحرف AAAS اختصاراً، كشف أن تموضعها بالمجرة ليس في مسار مستقيم، كما كان الظن سابقاً “فقد اتضح أن المسار ملتف على بعضه ومجدول بفعل تشوهات سابقة من جذب متنوع أحدثته مجرات مجاورة” وما كنا نراه بصور تبدو فيها المجرة كأسطوانة مسطحة “كان مستنداً إلى مراقبة ودراسة مليونين و500 ألف نجم فقط، من أصل مليارين و500 مليون في جزء واحد منها” بحسب الوارد في الدراسة المنشورة بعدد هذا الأسبوع من مجلة Science Magazine الأسبوعية.
وفي الدراسة تقول عالمة الفلك البولندية Dorota Skowron إن ما تم استنتاجه بعد تحليل الأشد لمعاناً بين نجوم المجرة، يتوافق في نتائجه مع تحليل نشرت بياناته مجلة Nature Astronomy البريطانية العلمية في فبراير الماضي، لنجوم اسمها Cepheid Variable أو “المتغيّر القيفاوي” النوع، والمعروف بأنه أهم “النجوم النابضة” المتغيّر لمعانها وتألقها، وقام به فريق من علماء فلك تابع لجامعة Macquarie University الأسترالية. كما يتوافق أيضاً مع تحليل مماثل قام به علماء فلك من “الأكاديمية الصينية للعلوم” المعروفة إنجليزياً بأحرف CAS اختصاراً “لذلك فالشكل الفني الذي قدمه علماؤنا للمجرة، هو الأقرب للواقع” في إشارة منها إلى الصورة التي جعلتها “العربية.نت” رئيسية للموضوع، وفيها تبدو “التبانة” كخيط ملتو للناظر إليها من مستوى متواز أفقياً معها. كما أشارت بما قالت إلى الفيديو الثلاثي الأبعاد، وهو الأهم.
شكل المجرة التقليدي (إلى اليمين) غير دقيق، بعكس الظاهر في الصورة إلى اليسار
تبدو المجرة في الفيديو، كأسطوانة للناظر إليها من أسفل أو أعلى، مع كثافة للنجوم كبيرة جداً في قسم صغير منها، فيما نجوم القسم الأكبر أقل بكثير. كما نراها مختلفة تماماً حين مقارنتها مع ما تبدو عليه في صورة قديمة وتقليدية سابقة، ونجدها مقعّرة للناظر إليها من جانب مختلف، وأحياناً يبدو تموضع النجوم الكثيف في جانب منها ملتفاً على بعضه ومجدولاً، أو ملتوياً نسبة لموقع الناظر، وهي شبيهة في النهاية بالكون المرئي نفسه، أي محدودبة وملتوية ومقعرة معاً، لذلك فأقرب طريق بين جسمين فيها وفي الكون كله ليس المستقيم، لأنه غير موجود، بل المتعرّج والملتوي.
“أو من مادة مظلمة، لا نعرف عنها شيئاً”
أما عن “النوابض” من نجوم المجرة، فتقول العالمة “دوروتا” إنها تنبض على فترات منتظمة بمعدل يرتبط مباشرة بدرجة سطوعها ولمعانها “فهي الأشد لمعاناً في المجرة، ربما مئات أو آلاف المرات أكثر من شمس الأرض، إلى درجة يمكن معها رؤية بعضها ومراقبتها حتى لو كانت عند حافتها” وقالت إن قيام الفريق الفلكي بقياس المسافة بين تلك النجوم “جعله يحصل على صورة أدق عنها وحقيقية” عبر الاستعانة أيضاً بتليسكوب معروف بأحرف OGLE اختصاراً لاسم طرازه المتيح لعدسته رؤية بصرية لتشوهات الجاذبية، وهو قسم من مرصد Las Campanas في صحراء “أتاكاما” بالتشيلي.
العالمة الفلكية دوروتا، وإلى يسارها زميلها بزيمك مروز، كما وفلكي ثالث من الفريق العلمي
وفي الدراسة ورد عن أحد العاملين من الفلكيين في المرصد، وهو بولندي اسمه Przemek Mroz وعمره 33 سنة، أن النتائج التي تم التوصل إليها “كانت مدهشة، فقد ثبت الآن أن درب التبانة ليست مسطحة، بل ملتوية، ومجدولة على بعضها عند الحوافي الأكثر بعداً عن مركزها، وهذا ناتج عن جاذبيات سابقة تعرضت لها، ربما من مجرات مجاورة، أو من سحب غاز عملاقة تتجول بين المجرات ومرت قربها في ماض بعيد، أو حتى من مادة مظلمة، لا نعرف عنها شيئاً” كما قال.
العربية
#عاشق_عمان