(١)
أحياناً في بعض الأوقات والمواقف قد تحدث ما تحدث لنا من الأمور النّكرة التّي قد تُنسينا أنفسنا ونحن نتحدّث مع الآخرين، ونكون في تلك اللحظات قد أوهمنا عقولنا بالعظمة، ونكون ساعتها في حالات الخُيلاء والرفيعة تلك مُشمّرين وواقفين شجعاناً، يملؤنا الإصطناع الشّديد بالثّقة ونحن متحدثين عن بعض آرائنا تجاه بعض الأمور والأحداث والأقوال..فيحدث أن نقول وبكلّ شموخٍ ونحن مملوئين بالعزّة والكبرياء..؛ هذه حياتي أنا وهذا هو أسلوبي فمن أراد معي حياةً وصداقةً وصحبةً فعليه السّير معي أو خلف مبادئي وأن يقبل الإلتزام بأسلوبي، ولكن لنكن منصفبن وبعدلٍ لما يجري حولنا من أمور وذلك قبل التّقوّلِ بكلمات غير ملائمة للأحداث تجلب لنا خواتيماً ونهايات لا نريدها، فيجب على الإنسان أن يراجع نفسه وهو يتَناظر مع الآخرين في آرائه فما كلّ العلاقات المجتمعية والعملية من صحبةٍ وصداقات وزمالاتٍ قد تقبل أن نطبّق عليها فقط ما نراه مناسباً لنا دون أن ننظر إلى تأثير تلك الأقوال من ألسنتنا المنقوصة من الحكمة أحياناً وكذلك تطبيق القوانين والمبادئ التي نريدها على الآخرين الذّين ربّما ما كانوا ليصاحبونا في حياتنا إلا لكونهم قد وجدوا فينا باباً من أبواب السّعادة التّي لم يجدوها مع غيرنا من النّاس سواءاً ذلك أكان في محيط الأسرة أو في بيئة العمل، لست أدعوا إلى التّخلي عن ما نؤمن به في خلجات أنفسنا، ولكن فقط علينا أن نركّز ونفتح أعيننا ونوازنها في بعض الأمور، فمن نفقده اليوم من أصدقاءٍ وزملاءٍ وأحبابٍ قد نعضّ الأصابع ندماً عليهم غداً عندما نكتشف مدى جورنا وتكبّرنا عليهم بالكلام وسوء اللّسان والمعاملة، وعلينا أن نفقه هذا القول الرّشيد والحكيم في مبادئ المعاملة..
(إن لم تستطع صنع السّعادة للآخرين لا تكن سبباً في خلق التّعاسة لهم).
(٢)
هنالك قواسم مشتركة بين بعض النّاس ذكوراً وإناثاً على حدّ السواء عندما يقومون -وهنا بين قوسين لا أقصد (مكانة القبيلة الإجتماعية)- برفع أقدار وشؤون أهاليهم وعشيرتهم إلى أعلى المراتب السّامية، فيقومون بنسيان أن من يتحدّثون إليهم ومن يُلْقون عليهم بالكلام من ألسنتهم الحادّة كالسّكاكين ويتغنّون بالأقوال والتّرفعات هم كذلك لديهم من الأهل والصّحبة والعشيرة منازل رفيعة ومقامات عالية في قلوبهم ولهم إحترامهم ووقارهم الذّي يحفظونه لهم دون أن يَنْبِسوا بذلك أمام مسامع الملأ جمْعاً وفُراداً، فليس الذّكي من قال كان أبي وجدّي هم من صنعوا كذا وكذا ولكن هو ذلك من قال أنا صنعت هذا وذاك، هو من أخذ وتعلّم فضائل نهج الخير بل وتربّى على حسن الخلق من الأوّلين من أجداده فسار على نفس المنوال دونما تفاخرٍ بما ليس من صنع يديه، يجب أن لا تأخذنا الحماسة العمياء فنتشدّق بما ورثناه من مالٍ ومكانةٍ إجتماعية من آبائنا وأجدادنا محدثين الأذى المادي والمعنوي على غيرنا، وُجِب علينا التواضع قولاً وفعلاً مع الآخرين بغض النّظر عما نملك من علمٍ وجاه ومالٍ.
(٣)
ليس من القوامة ولا الكياسة أن تعقد الجزم والرّأي بأنّنا أفضل النّاس وأحسنهم قيادةً فقط لمجرّد أنّنا نُـحسِن الكلام على عكس البقيّة جمْعاً وفُراداً، البعض قد أصبح يخطئ عند حكمه على الآخرين وتقدير مكانته في الأسرة وفي محيط العمل فنجد منهم من يقوم بتقديم من كان كثير الكلام وثرثرة في الأحاديث على البقيّة من النّاس، ويقوم برفع شأن أولئك وتمكينهم لترؤسِ الجميع ليس لسبب وجيه وسليم سوى لقدرة أولئك على اللّغوَ في أحاديثه وإعطاء النّكات والفكاهات في الإجتماعات والمناسبات وكأنّ السّيادة والقيادة مقرونة ومرتبطة بمدى كثرة تحدّث الإنسان مع غيره دون النّظر إلى ما يأتينا من حكمة ورجاحة عقلٍ وقرارٍ من كلمات خارجة من تلك الأفواه.
(٤)
من سوء الفعلِ أن تقوم وبكلّ غرابة بلكزِ بعض النّاس فتتعالى عليهم قولاً وفعلاً وكأنّك سيّد القوم وأعلاهم شأناً في الإحترام والتقدير وكأنّك أفضلهم في مراتب ودرجات السّيرة الطّيبة، مؤسف أن تقوم بنهرهم عن أمرٍ فتوردَ عليهم في تلك اللحظة عبارات في ظاهرها القوّة والعزّة ولكن في باطنها الخنوع والتّخلي ربٌما عن عهود ومواثيق سابقة، مؤسف أن يأتي البعض بأقوالٍ مثل..(كلّ شيء إلا أهلي)..، (أنا لا أحب أن يأخذ أهلي فكرة سيئة عنّي)..، (سأقوم يفعل كذا وكذا ولكن على شرط عدم معرفة الأهل بذلك)…، إلخ وغيرها من العبارات التّي تماثلها في معناها، فذلك من السّذاجات التي قد يلاحظها ويحسبها البعض سلبياً عليك، فكأنما تتعمّد إخفاء حقيقتك التّي تحياها وهي ليست معروفة عنك عند أهلك وصحبك، بل وكأنّك تكون قد سلكت طريق النّفاق مع كلاًّ من أهلك وجماعتك الذّين تخشى عليهم من نفسك ومن أسلوب حياتك السّرية وربما تخشى منهم معرفة الوهم الذّي تعيشه دون علمهم وحقيقتك الظاهرة لك والمخفيّة عنهم.
(٥)
من طرافات البعض قيامه بالإدّعاء ولبس ملابس الأُسُودِ والشّجاعة عندما يقوم بأمرٍ ما بعيداً عن رقابة عن أعين أهله وعشيرته، ولكن ما أن يقرب ويقترب من حدود الكشف والإنكشاف إلاّ وتراه قد ناله من الجبن والخوف الشّديد جدّاً فتراه فجأةً يغيّر من لبسه الذي كان يخفي فيه ذلك الضّعف الذي أنشأه في داخله، فلا تراه عند الإمتحان والصّعاب إلاّ وقد هانت عليه أمورٍ كان يقوم بها وأخلّى عن وعودٍ ربّما كانت بينه وبين الآخرين من أقرانٍ وأصدقاء، فنتفاجأ بسخفِ من كان أمامنا ومعنا قريباً كصديقٍ صدوق إلاّ وهو يذكر لنا عبارة التّي تنمّ عن الأنانية..(كلّ شيء إلا أهلي).
(٦)
أنا من المرّيخ وأنت من الأرض، من قال لك بأن ذلك قولٌ صحيح؟؟!، من الذّي خدعك وأخبرك بصحّة تلك المقولة الظّالمة لنفسك قبل أن تكون ظالمة ومجحفة لغيرك من النّاس الذين تعاشرهم وتصاحبهم في يوميّات حياتك؟؟!!
ليحبّك النّاس لا تنسى أن تعاملهم بصدقٍ وبصراحة تامّة تليق بهم كأصدقاء وزملاءٍ لك، أن تعامل الآخرين وكأنك تسكن المرّيخ وغيرك تعامله بدونية قاسية وغريبة ذلك لن يجلب سوى بعد الجميع عنك ولن يبقى معك سوى من كان على نفس شاكلتك المريضة الشّاذة التّي ما أن تزرع الثقة مع النّاس إلاّ وتقوم ببترِ تلك الوصلات التّي جمعتها معهم، إزرع وقُم بتقوية ثقتك بمن حولك ولا تفسد ذلك بالحالات الشّبيهة بنوبات إنفصام الشّخصية، فعليك عندما تبني اليوم من علاقات ودّ مع أحدهم بأن لا تأتي غداً هادماً ومدمراً بفعلِ سلبياتك مع البشر وكأن الأمر لا يعنيك أو أنه غير مهمّ.
(٧)
من النّاس من يحب لهو الأحاديث وتغيير صفات قالها عن الآخرين في الماضي إلى أوصاف واهية دون ميزانٍ وموازين وهي ليست حقيقية فقط من أجل أن يُفرِح قريحته ويُشبع هواه ورغبته طالما أنها تؤدي إلى تحقيق نظراته الأنانية تجاه الآخرين، البعض يصعب عليه فهم بأنه ليس من الطّيب في علاقتنا مع الآخرين أن نقوم بتغيير وصف أخدهم من ذكي إلى غبي ومن كريم إلى بخيل ومن طيب إلى شرير ومن عدول إلى ظلوم فقط لمجرّد موقف وحيدٌ رأيناه منه أو فقط لمجرّد قولٍ سمعناه منه ضدّنا بقصدٍ أو دون قصد، ليس من اللائق تشبيه أحدهم كائنٍ من كان صديق أو زميل أخٍ أو حبيبٍ وذلك بعد معاشرة جميلة وطيبة قصيرةٍ أم طويلةٍ بشخصٍ آخر عرفناه بشرّه وسواءةِ خلقه وصفاته، فالبشر وصفاتهم يختلفون كإختلاف أصابعك فلا يجب علينا الإنجرار نحو حالات الهَجْولة المزاجية ونوبات الفِصام الشخصية (مع الإحترام للمرضى الحقيقيون المصابون بإنفصام الشّخصيّة) ونحن لسنا مصابون بتلك الأوضاع المرضية التّي إخترعناها بأنفسنا.
(٨)
هناك فئة صغيرة من الناس يملؤها السّذاجة رغم ذكاؤها البارز ورغم ما يملكونه من نجاحات معروفة وعلاقات متميزة، هؤلاء يمكن وصفهم بين قوسين بـ(الأغبياء).. فهم فئة قد إعتبرت بأنّ الفقيرَ الضّعيف من النّاس والعباد لا يملك عزّة النّفس في داخله ولا حتّى يعلم عن العيْشَ بالكبرياء والفقه بمعانيها، القليل منّا قد لا يفهم ذلك وربما البعض منمن نعاشره كصديق وزميل وجارٍ وحبيب قد يعيش وهو متصنّعا على وهَمِ وجنون عزّة النّفس التي يكون قد إكتسبها بسبب شأنٍ وأمرٍ وحدَثٍ قد تغيّر به وطال حياته، وفي الغالب ذلك الوهم ينشأ بسبب تغيّر الماديات وبسطتها في البعض منّا فيجعلنا ذلك نُنشِـئ بسرعة حواجز العزّة والكبرياء في الأقوال والأفعال المُتصنّعة مع الآخرين دون أن نتذكّر أين كنّا بالأمس واليوم وأين قد نكون عليه في الغدِ من الأيام.
وأخيراً وليس آخر، لنستذكر من أقوال أحد العظماء الذّين لم ينخدعوا بمكانتهم الإجتماعية التّي حقّقوها من خلال نجاحاتهم المختلفة..
يقول الراحل محمد علي كلاي..(عزّة النّفس ليست لساناً ساخراً ولا طبعاً متكبّراً، عزّة النّفس هي أن تبتعد عن كلّ من يقلّل من قيمتك).
فؤاد آلبوسعيدي
#عاشق_عمان