ينطلق تناولنا للموضوع من وجود مؤشرات إيجابية لنمو السياحة الوطنية وقدرتها على المنافسة في استقطاب أكبر عدد من السياح حول العالم، حيث تشير إحصائيات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات إلى أن (28.1%) نسبة الزيادة في أعداد زوار موسم صلالة السياحي لعام 2018، إذ بلغ عددهم 820 ألف زائر مقارنة بـ644 ألف زائر خلال عام 2017م، وهي نسبة مرشحة للزيادة هذا العام في ظل تتويج مدينة صلالة بلقب عاصمة المصايف العربية لعام 2019، وفي ظل السياسات الوطنية المتجهة لتعزيز دور السياحة في التنويع الاقتصادي، وجملة التدابير والإجراءات والحزم التطويرية والتشريعية التي شهدها القطاع السياحي بالسلطنة عامة وفي محافظة ظفار بشكل خاصة، بالإضافة إلى النمو السنوي للسياحة الوافدة للسلطنة، والتي تضاعف فيها أعداد الزوار الوافدين للسلطنة ما يقارب من الضعف وشكلت في السنوات الأخيرة ما يقارب 6.9%، حيث وصل في عام 2017 إلى 3.3 مليون سائح مقابل 2.2 مليون زائر في عام 2016، وشكلت قائمة السياحة لغرض الترفيه والترويح ما نسبته 34.7% وارتفعت نسبة زوار اليوم الواحد بنسبة 1.6% ليصل إلى 885.810 في عام 2017 مقارنة بعام 2016، كما ارتفع إجمالي إنفاق السياحة الوافدة في السلطنة في عام 2017 بنسبة 6.1%، حيث بلغ نحو 342 مليون ريال عماني مقارنة بـ322 مليون ريال عماني خلال عام 2016.
وعليه فإن رفع مساهمة القطاع السياحي في الناتج المحلي للسلطنة ليصل إلى نسبة 6% من إجمالي الناتج المحلي حتى عام 2040، تعبير عن وجود توجه وطني جاد نحو نقل السياحة من حالة وقتية ومسار ثانوي في مواجهة حالة اللااستقرار التي تعيشها السوق النفطية؛ إلى كونها خيارا استراتيجيا في رؤية التطوير والتنويع الاقتصادي وصناعة البدائل، وتعميق المعالجات المقنعة والمقننة التي تضع القطاع السياحي أمام مراجعات مستمرة، وتوليد ثقافة سياحية شعبية تصنع الإلهام في المنجز السياحي، ذلك أن تعزيز القيمة الاستثمارية في السياحة يتطلب صناعة تحولات نوعية على مستوى التشريعات والآليات والأدوات والسياسات والبرامج والخطط التنفيذية الموجهة للسياحة، لتشمل أيضا عمليات التنسيق والتكامل والتناغم بين المؤسسات الشريكة والفاعلة في هذا القطاع من جهة، وبناء فقه السياحة ومفاهيمها ومستجداتها في سلوك المواطن ووعيه وثقافته اليومية، بالشكل الذي يصنع منها نشاطا اقتصاديا واستثمارا يعزز من البناء السياحي للمجتمع، ويضيف إليه محطات سياحية متجددة على شكل أنشطة سياحية معتمدة أو عبر المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، على أن إحصائيات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات، تشير أيضا إلى أن مساهمة القطاع السياحي في الناتج المحلي تراوحت في الفترة بين الأعوام 2015- إلى 2018 من 2.6 و2.8، وهي نسبة مرشحة للزيادة في ظل السياسات المتخذة في رسم خريطة واضحة لهذا القطاع، وفي الوقت نفسه تؤكد هذه المؤشرات، الحاجة إلى العمل بجدية أكبر ومنهجية أعمق وتنسيق أعلى وأسرع، بحيث تستفيد من الفرص المتاحة والتسهيلات التي قدمتها الحكومة للمستثمرين الوطنيين والخارجيين في هذا الشأن، وجملة السياسات التطويرية لهذا القطاع التي وضعته أمام منظور وطني وتفاؤل مستقبلي بما يقدمه في المرحلة المقبلة، والتي انعكست على مساهمته في الناتج المحلي؛ وعبر تعزيز القيمة الاستثمارية المضافة الناتجة من خريف صلالة السياحي، وتبني استراتيجيات تسويقية وإعلامية في الترويج السياحي من أجل استقطاب أعداد أكبر من الزوار الوافدين، تضمن توفير بيئات سياحية متجددة ومتنوعة قادرة على تحقيق استيعاب أفضل لمتطلبات هؤلاء السياح تراعي طبيعة السياح والبيئات القادمين منها ورغباتهم السياحية، بالشكل الذي يؤسس لقراءة واعية لاتجاهات السياح وتعزيز انتشار البيئات السياحية المتقاربة مع أولوياتهم، وفي الوقت نفسه بما تعكس أولويات التنمية السياحية الوطنية والقيم والمبادئ السياحية العليا بالسلطنة.
إن ما تعيشه السياحة الوطنية من ميزات وفرص وإنجازات في الداخل عبر عمليات التحسين والتطوير في البنى المؤسسية والتشريعية، أو في الخارج وعبر الجوائز التقديرية والتقارير السياحية الدولية التي تظهر بين فترة وأخرى المقومات السياحية لعمان والفرص المتاحة للاستثمار فيها واختيارها كأفضل الوجهات العالمية في السياحة الثقافية والتراثية لعام 2018، فرصة للمزيد من العمل الوطني في تأطير هذه المقومات، وإضافتها إلى سلة محافظ تعزيز الاستثمار السياحي، على أن الأبعاد السياسية والأمنية وموقع السلطنة في الخريطة الجيوسياسية العالمية ومواقفها الحيادية في القضايا والأحداث الحاصلة في المنطقة، تشكل بدورها قوة داعمة لتحقيق الاستثمار السياحي وحشد الجهود نحو الترويج للسياحة الوطنية، إذ هو ما تحتاجه كفاءة السياحة وقدرتها على تحقيق المنافسة في ظل بيئة آمنه مستقرة، وسلوك مواطن يتسم بالهدوء والوعي والرقي والذوق، وبيئة سياحية مجتمعية تنمو فيها مفاهيم التعايش والاحترام وتقدير الآخرين وحمايتهم والمحافظة على حقوقهم كزائرين أو مقيمين، وقدرة المواطن العماني في طبيعته وفطرته وسليقته العامة على التكيف مع هذه الأفواج السياحية وما تحمله من ثقافات وعادات وسلوكيات وتقاليد ومفاهيم وما تحتاجه في التعامل معها من فهم لعاداتها وتقدير لمواقفها، فإن حضور هذه الممكنات، سوف يضمن قوة نوعية في التنمية السياحية الوطنية وتوظيفا فاعلا لمختلف خطوط التأثير السياسية والأمنية والسياحية التي يمكن من خلالها أن تسوق السياحة العمانية لنفسها كوجهة سياحية دولية آمنة وهادئة؛ بل ويتجاوز هذا التسويق معايير المنافسة لتتفوق على مثيلاتها من البيئات السياحية (بيئات التسوق والمولات والماركات والمناطق الاقتصادية الحرة) فتنافس مثيلاتها من البيئات الأخرى في المنطقة التي تعمل بشكل مستمر على توجيه السياحة إليها ونيل حصتها من الاستثمارات السياحية الأجنبية.
من هنا تأتي أهمية تعزيز رؤية الاستثمار السياحي وتعظيم قيمته كاستراتيجية وطنية تتناغم مع رؤية الدولة في تعزيز كفاءة الاقتصاد الوطني، من خلال تعزيز البنية الاستثمارية للسياحة الداخلية الوطنية، سواء عبر ما تقدمه من تسهيلات وفرص لتنفيذ المشروعات السياحية التي يحتاجها الواقع السياحي الوطني، ويشارك في الدفع بها إلى الأمام، المواطن نفسه من خلال حزم الدعم والتمويل السياحي التي يقدمها صندوق رفد وبنك التنمية وغيرها من المؤسسات التمويلية، بالشكل الذي يتيح للمواطن تنفيذ مشروعات سياحية تتناسب مع طبيعة المحافظة أو الولاية التي يقع فيها المشروع السياحي، وإبراز المعالم السياحية والجمالية فيها، وما تستدعيه في المقابل ليكون الناتج السياحي وفق المعايير ومحققا لسقف التوقعات، من زيادة عمليات الدعم والتمويل المالي المناسبة، ومراجعة لأنظمة العمل الحالية وإتاحة الفرصة لتأصيل هذا السلوك في اهتمامات المواطن، والاستفادة من البيئات الحالية الزراعية والمساحات الخضراء الواسعة في تنفيذ نزل خضراء ومتنزهات سياحية عامة وخاصة تقدم خدماتها السياحية للجمهور وفق معايير محددة ورسوم معينة، بالإضافة إلى الاستفادة من البيوت التاريخية والتراثية والمنازل الأثرية في تنفيذ النزل التراثية، وما وفرته من أنشطة اقتصادية وترويجية وتسويقية للمنتجات التراثية والتقليدية الوطنية، أو عبر تعزيز الاستثمارات السياحية الأجنبية في إقامة مشروعات سياحية تتجاوز المعتاد من المولات أو المراكز التجارية المغلقة إلى تنفيذ مشروعات سياحية مفتوحه يستفيد منها أكبر عدد من المواطنين والمقيمين وتقدم خدماتها بصورة مستمرة بدون أية قيود، مع المحافظة على تحقيق أعلى سقف الجودة في الخدمة السياحية المقدمة.
وبالتالي فإن تأسيس هذه الشراكات الداخلية والخارجية والتنويع الحاصل في توظيف الخبرات الدولية في تنفيذ أنشطة ومشروعات سياحية تتناغم مع طبيعة السلطنة، والبحث عن زيادة مساحة التنويع في الاستثمارات السياحية والتعدد في البيئات السياحية ليصل إلى مستويات أعلى، أو الإبقاء على سقف التوقعات عاليا بشأن الوصول إلى رقم صعب في مساهمة السياحة في الناتج المحلي، من شأنه البحث عن معالجات وبدائل واستراتيجيات سياحية قادرة على صناعة الفارق، سوف يسهم في تعظيم الاستثمار السياحي ووضع قيمة توقعات عالية له مصحوبة بأجندة عمل ومبادرات ومناشط وإنجازات سياحية قادمة، وترقية الأنماط والأساليب السياحية المعتمدة في تخليص المشروعات السياحية، أو فتح آفاق أوسع للتنويع في دعم الاستثمار السياحي الوطني وتشجيع المواطنين والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة نحو طرح أفكار ابتكارية تعزز من التنويع السياحي الذي يتناسب مع طبيعة البيئات السياحية بالسلطنة ومشاركة أكبر من المؤسسات ذات العلاقة كوزارات الإسكان، والنقل والاتصالات، والبلديات الإقليمية وموارد المياه، والزراعة والثروة السمكية، والتراث والثقافة، وغيرها من المؤسسات لتشكل معا ثنائيا واحدا في زيادة الاستثمار السياحي، وضمان إعادة النظر في معالجة التعقيدات في الإجراءات السياحية، أو عبر رفع مبلغ ونسبة الدعم المقدم للمواطنين والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة بشأن تنفيذ مشرعات سياحية، وزيادة نسبة الحوافز وتقديم عروض ميسرة قادرة على تعميق الاستفادة من هذه المشروعات، وبالتالي ما يستدعيه ذلك من الوقوف بصورة مستمرة على واقع المؤشرات السياحية التي يقدمها خريف صلالة، ونسبة الارتفاع والانخفاض في السياحة الوافدة في الشهور السياحية المناسبة التي تتسم فيها أجواء السلطنة في مسقط والمحافظات الأخرى بانخفاض معدلات درجة الحرارة وانخفاض نسبة الرطوبة في المناطق الساحلية، بالإضافة إلى قراءة نواتج التظاهرات السياحية التي نفذتها وزارة السياحة وغرفة تجارة وصناعة عمان في فترات متعاقبة لفهم متطلبات التنمية السياحية بالولايات والموارد والممكنات أو البيئات السياحية المتوافرة، وكيف يمكن ترقيتها لتصبح أكثر إلهاما سياحيا، وتقدم خدمات سياحية وترويحية تستحوذ على رضا الزوار والجمهور السياحي، وفي الوقت نفسه تقدم أنموذجا لبيئات سياحية قادرة على صناعة التجديد وتستحق أن يتجه إليه السائح الوافد أو السائح الوطني، نظرا لما يلمسه فيها من إبهار وتنوع وجاذبية، واقترابها من قناعات السائح وأولوياته السياحية وشغفه وطموحه السياحي، وما يستدعيه ذلك من إتاحة الفرصة للشركات ومؤسسات القطاع الخاص الوطنية أو الخارجية في تبني وتنفيذ مبادرات سياحية مبتكرة ذات أولوية تتسم بالابتكارية والتجديد وتتقارب مع الاهتمام والتفكير المجتمعي.
وعليه فإن إعادة تقييم متطلبات تعظيم الاستثمار في الخريطة السياحية الوطنية، يستدعي تكاتف جهود المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص والمبادرات الأهلية، في مزيد من العمل المتقن والتوجه الموحد في الوصول إلى تحقيق مؤشرات النجاح وتقييمها وفق معايير تضعها وزارة السياحة للإبقاء على سلم التميز والمحافظة على استمرارية نجاحها، فإن التوسع في الشراكات السياحية سوف يضمن تحولا في المنظومة السياحية، كما أن تعزيز مفاهيم التخصيص في إدارة المشروعات السياحية والاستثمار الأمثل فيه، وتقديم خدمة سياحية عالية الجودة تتسم بالديناميكية والتنوع، والتفكير في مبادرات سياحية مبتكرة، أحد أهم الحلول الاستراتيجية التي يجب أن يتجه العمل إليها في الوضع الراهن والمستقبل، لضمان مشاركة المجتمع والقطاعات الأهلية والخاصة في تنشيط اقتصادات السياحة الوطنية، وبالتالي ما يمكن أن يرتبط بمفاهيم التخصيص من سرعة في إنجاز المشاريع السياحية التي تعمل عليها، وتعميق مستوى التنافسية بين الشركات في تقديم أفضل العروض والأفكار العملية لتقوية السياحة الوطنية، مستفيدة مما لديها من تجارب خارجية أو إنجازات سياحية على مستوى المنطقة، لتشكل نموذجا سياحيا يحاكي ما هو متوافر في العالم من بيئات سياحية مراعيا في الوقت نفسه طبيعة الظروف أو المقومات السياحية التي تتميز بها السلطنة، هذا الأمر من شأنه تعزيز التشريعات السياحية وإيجاد مواد ونصوص في الاستثمار السياحي ترفع من سقف التنافسية السياحية بين الشركات، وتؤسس لمرحلة متقدمة في اختيار نوعية النمط والشكل السياحي الذي تحتاجه السلطنة ويتناغم مع اهتمامات المواطنين وأولوياتهم، في ظل التوظيف الأمثل للبيانات والمؤشرات السياحية والتثمير المناسب فيها، والتي نعتقد بأن المراسيم الاقتصادية الأخيرة جاءت لتلبي الكثير من الطموحات المنتظرة في هذا المجال.
د. رجب بن علي العويسي
#عاشق_عمان