في اللقاء الذي جمع وفد الفصائل الفلسطينية يوم الأربعاء 19/10/2022 ،ومن ضمنها وفد حركة ح م ا س بقيادة مسؤول العلاقات العربيةوالإسلامية فيها القائد خليل الحية،وعضوية الأخ اسامة حمدان ،مسؤول ساحتها وممثلها في بيروت، مع الرئيس السوري بشارالأسد،فتحت صفحة جديدة من العلاقات بين دمشق وحركة ح م اس،وطويت صفحة من القطيعة امتدت لعشر سنوات، نتاج لقراءة متسرعةوخاطئة ل ح م اس ولغيرها من العديد من القوى الفلسطينية والعربية،لما جرى في سوريا وعلى سوريا، فهناك تيار واسع شعبي عربيوإسلامي ،راهن على ” الثورة” الملونة ،أو ما عرف ب” الربيع العربي”،وليكتشف الجميع بأن ما حصل في سوريا وعلى سوريا،ليس لهعلاقة لا من قريب أو بعيد ب” الثورات” ولا بالربيع،بل هو خريف قاتم،قاد لتدمير العديد من الدول العربية ونهب خيراتها وثرواتها،وتفكيكجغرافيتها وضرب السلطة المركزية فيها،وتسعير حدة الخلافات المذهبية والطائفية والقبلية فيها.
هي حرب عدوانية كبيرة قادتها امريكا ودول الغرب الإستعماري ومعها العديد من المشيخات الخليجية،وقوى اقليمية في مقدمتها تركيا الىجانب أكثر من 100 دولة،وعشرات الجماعة الإرهابية والتكفيرية و”الداعشية” والتي جرى جلبها وتسليحها وتمويلها وتوفير الإقامةوالحضانة السياسية والإعلامية لقياداتها وعناصرها،وكذلك تسهيل سفرها ودخولها الى الأراضي السورية،في إستهداف واضح للدولةالوطنية السورية، فالمطلوب تفكيك سوريا وتغيير طابع هويتها الوطني القومي العروبي،ودفع قيادتها الجديدة للتطبيع العلني مع دولةالكيان،بحيث ترفرف اعلام دولة الكيان في قلب دمشق.
هذه القراءة الخاطئة والمتسرعة لحركة ح م ا س،والضغوط الكبيرة التي مورست عليها من قبل حلفائها وحواضنها الجغرافية والمالية،وبالذاتقطر وتركيا والحركة العالمية لحركة الإخوان المسلمين،والتي فكت حركة ح م ا س علاقتها التنظيمية معها،ولكن بقيت مرتبطة بها فكرياً،وكذلك وجود مصالح لتيار داخل ح م اس ارتبطت مصالحه واهدافه مع تلك الحواضن،دفع ب ح م ا س للخروج من سوريا.
ما حصل من تطورات ومتغيرات دولية واقليمية وعربية ومحلية،وإنكشاف حقيقة وطبيعة المشروع المعادي لسوريا وللأمة العربية ،وان ما عرفب” الربيع العربي”،ليس أكثر من مشروع سياسي،يستهدف الأمة العربية والإسلامية ،وكل أحزابها وتنظيماتها وحركاتها وبؤرها وانظمتها ال م ق او م ة،وأن الدول التي احتضنت حركة ح م ا س ،لم يكن هذا الإحتضان،بقصد وغرض دعمها ومساندتها في م ق ا و م ت ه ا واسترداد حقوق شعبها وأرضه المغتصبة، بل “استدراجها” وأخذها الى خانات التطبيع مع دولة الكيان والإعتراف بها، والإنخراط فيالمشاريع السياسية، ولذلك أجرت حركة ح م ا س مراجعة عميقة لمواقفها وخياراتها،حيث أمضت سنوات في حفر خيارها ورسم طريقه حتىتوّج بزيارة دمشق، تبدلت خلالها قيادات وتمت خلالها صراعات وحسمت مواقع وأدوار.
ح م اس حسمت خياراتها ،في اولوية هويتها الفلسطينية وال م ق اوم ة ،على أصولها في حركة الإخوان المسلمين.
عودة حركة ح م اس لسوريا اتت في مرحلة يحقق فيها محور ا ل م ق ا و م ة إنجازات ذات بعد استراتيجي ، فسوريا في المراحل النهائيةلتحقيق نصر كامل على الجماعات الإرهابية والتكفيرية ولبنان و م ق ا و م ت ه يفرضون على دولة الكيان معادلة ردع جديدة بالترسيمالبحري وحصول لبنان على حقوقه من الثروات الإقتصادية البحرية،وفي فلسطين ال م ق ا و م ة تشتد وتتصاعد في الضفة الغربيةوالقدس،وتحدث حالة كبيرة من القلق والخوف عند قادة دولة الكيان، الذين باتوا يخشون خطراً وجودياً عليها.
الحية في لقاء الأسد ،قدم مطالعة وقراءة عن اهمية دور سوريا في دعم ا ل م ق ا و م ة ،وكذلك دور الرئيس الأسد في ترسيخ ا ل م ق او مة ،وا ل م ق ا و م ة عند سوريا قبل الحرب عليها وما بعدها، لا تخضع للمزايدات او المؤثرات الخارجية،فسوريا كانت على الدوام الحصنالمنيع ل ل م ق ا و م ة ،وشكلت “حجر الرحى لها” ..ورغم كل الظروف الصعبة التي مرت بها سوريا من خوضها لمعاركها على أكثر من جبهةوضد أكثر من احتلال،ولكنها بقيت الداعم الرئيسي لكل حركات ال م ق ا و م ة ولقضيتنا و م ق ا م ت ن ا الفلسطينية، وقد يحاجج البعضعلى أن عودة حماس الى سوريا ستكسب اهمية كبيرة وذات معنى لو انها أتت في الظروف الصعبة التي مرت بها سوريا،وليس بعد اناصبح النصر قريب من الإنجاز النهائي…وجهة النظر هذه يجب ان لا تحجب رؤيتنا الشمولية للمتغيرات الحاصلة والتحالفات التي تتشكلفي العالم والمنطقة،حيث تنشأ موازين قوى جديدة ،في سياق متغيرات تتكامل لتصنع مشهد اقليمي جديد.
نحن ندرك بأن خروج ح م ا س من سوريا ،نتج عنه خسارة كبيرة ل ح م ا س ولسوريا ولمحور ال م ق ا و م ة،فالرهان على ما عرف ب”ثورات ” الربيع العربي،قاد الى اسقاط الكثير من الخطوط الحمراء للإنخراط في المشروع الأمريكي من قبل العديد من دول النظامالرسمي العربي،من أجل تدمير سوريا واسقاط هويتها الوطنية القومية العروبية،وهذا بطبيعة الحال اسقط المكانة التي يفترض ان تبقىفيها فلسطين والمقاومة كبوصلة ترسم وجهة المعارك وأولوياتها لصالح وهم أولوية الديمقراطية.
تبدو عودة حماس الى دمشق إعلاناً بسقوط الأوهام والأحلام على الربيع العربي، ومراجعة جدية لخيار قبول التموضع مع الأميركي الذييدخل مراحل من التأزم والتراجع، وعودة الى أولوية معيار فلسطين والمقاومة في رسم الأولويات.
نحن ندرك بأن هناك من سيضعون العصي في الدواليب، وسيشنون حرباً شعواء على ح م اس،وسيوظفون كل إمكانياتهم وقدراتهم الماليةو”ماكناتهم” الإعلامية ، ومرجعياتهم الدينية من اخونج وغيرهم،لكي يثنوا ح م ا س عن هذه العودة،وسيدخلونهم في معارك سياسيةواعلامية جانبية،ولكن قيادة ح م اس التي اتخذت هذا القرار ،باتت على قناعة تامة،بعدم مسلسل الهرولة التطبيعية العربية الرسميةوالإقليمية لحواضنها السياسية والمالية مع دولة الكيان،بأن الجغرافيا تضيق أمامها للعمل،وبأنه سيجري تقييد أنشطتها ووجودها وحريةحركتها،ولذلك كان ذلك جزء من مراجعة حركة ح م اس لمواقفها،والقرار بالعودة لدمشق.
انا أقول بشكل واضح هناك من حاولوا تشويش العقل العربي حول سوريا،بجعلها عنوان انقسام،وليس توحد لموقف فلسطيني وعربيحولها،…ولكن ثبت بأرض الواقع بأن العلم الفلسطيني لن يكون محايداً عندما ينقسم العرب بين ال م ق ا و م ة والتطبيع،ويكفي سوريا فخراًان تظهر وتشرعن نصرها من البوابة الفلسطينية كحاضنة لقوى ال م ق ا و م ة وقلعتها الحصينة ،فسوريا رئيساً وجيشاً وشعباً ،بذلواتضحيات معنوية كبيرة لطي صفحة مليئة بالجراح والآلآم ،لكي يعبدو الطريق نحو عودة حماس الى سوريا وتكامل حلقات محور ا ل م ق اوم ة.
راسم عبيدات
فلسطين – القدس المحتل
21 / 10 /2022م
راسم عبيدات
فلسطين – القدس المحتل
21/10/2022