تردد كثيرا الحديث في وسائل التواصل الاجتماعي عن ظاهرة سفر بعض الأسر أيام إجازة العيد، وظهرت العديد من مقاطع الفيديوهات التي تلوم من سافر خارج البلد تاركا وراءه أجمل الممارسات الاجتماعية خلال أيام العيد، كما حاول البعض في الجانب الآخر أن تعزز من إيجابيات الاحتفاء بالعيد بين الأهل وربط ذلك بطريقة أو أخرى من ناحية دينية وسنة دنيوية وعادة مجتمعية ينبغي ألا تندثر.
ليس من السهل أبدا الحديث عن القيم والمثل الاجتماعية المشتركة بين أفراد المجتمع، ولا يمكن في ظل “النكسة” النفسية التي تعانيها شعوب المنطقة الآن أن نتحدث كما يتحدث “دوكهايم” عن “الوعي الجمعي” الذي يأتي في مقدمة الأولويات مقارنة بـ “نزعة الفرد” الذاتية، غير أن هناك بعدا آخر من تلك القيم والعادات المجتمعية “الجماعية” التي بدأت تتلاشى وقد تسبب في المستقبل هشاشة على مستوى أمن المجتمع اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا.
كل شيء دون استثناء في هذه الحياة مما يمارسه الإنسان في سلوكه ومعرفته هو قابل للتطور والانتقال من طور إلى طور حتى تلك المفاهيم المجتمعية والعادات يمكن أن تتشكل أو تشكل بطريقة أو أخرى بما يتناسب ويتلاءم مع معطيات المدنية الحديثة، وبخاصة إذا ما كان لبقائها أثر على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي وغيرها من المجالات.
وعودة إلى ذي بدء، فإن الأعياد “المهجورة” في القرى والأرياف البعيدة عن الحواضر والمدن لا يمكن القبول بتاتا بالبقاء على ما كانت عليه قبل عشرين عاما، فذلك لا يتماشى مع التحضر والرقي والتمدن الذي يعيشه سكان تلك القرى والمناطق، وفي المقابل ينبغي الإيمان التام أن هناك العشرات من الطرق والآليات التي يمكن أن تطور صيغة تلك الأعياد واحتفالاتها بما يتواكب مع التطور المدني الذي تعيشه تلك المناطق، وينبغي أن يكون ذلك من منطلق الإيمان بأهمية اجتماعية وسياسية واقتصادية على حس وطني رفيع، وليس من أجل الترفيه فقط أو من مبدأ الحفاظ على مشاعر وشعائر وممارسات اجتماعية ودينية فقط.
هذا الإيمان بالعائد الاجتماعي والسياسي والاقتصادي ينبغي أن تتكاتف عليه مكونات الدولة لدراسته والبحث فيه وتمكين القاطنين في تلك القرى من الاحتفاء بالأعياد والمناسبات الاجتماعية بصورة حضارية عصرية تدخل في أدواتها وحيثياتها المدنية الحديثة التي تحببهم في البقاء والاحتفاء مع أهلهم بدلا من الهجرات والنفور خارج البلد من باب الترفيه والتسلية.
إن انتصار المنطق الحديث للدولة الحديثة لا يعني تماما نسف الموروث تماما كما لا يعني هدم القرى من أجل تبني المدن، ومن منطلق التوافق الذي لا يختلف عليه اثنان في أهمية بناء المدن الترفيهية داخل المحافظات والتي سوف تساعد على “توطين” احتفالات المواطنين بمواطن سكناهم، فإنني سأطرح رأيا مختلفا قد لا يكلف شيئا عظيما ولكن سيكون له المردود الواسع جدا في عدم تفريغ قرانا من أعيادها وبالتالي عدم اندثار لحمة التماسك والتواصل وعدم غياب الجرعات الموسمية التي نستقيها من تلك المناسبات بـ “اللمة” العائلية القروية وما تضعه من أثر في النفوس.
إن من أهم أسباب نفور الناس عن الأعياد والهروب إلى الخارج مستثمرين تلك الإجازات، هي في الحقيقة غياب روح العيد وفرحته بين أفراد المجتمع، فصرنا لا نستشعر العيد كما كنا نستشعره سابقا، ولا نرى ملامح تلك الفرحة في وجوه أطفالنا كما كانت ترتسم على وجوهنا وكما كنا نرسمها على وجوه أبائنا وأمهاتنا، فكثير من القوانين ساهمت في مصادرة تلك الفرحة فقد منعت “المفرقعات” بالنسبة للأطفال، ومنع “السلاح” بالنسبة للكبار، ولكن دعونا نعبر بالمشهد بصورة عصرية حضارية على النحو التالي
لماذا لا تشترك معسكرات الجيش ومراكز الشرطة في المحافظات والولايات بالتعاون مع مكاتب الولاة بإحياء مناطق مشتركة بين مجموعة من القرى وفقا لتقاربها على تخصيص مكان للرماية وتخصيص مكان للألعاب النارية وتحديد مكان لمختلف الألعاب التي قد يبدع أهالي تلك القرى في إعادتها إلى الوجود.
إن شكلا من هذه الأشكال سوف يعيد الأعياد إلى الوجود بصورة منظمة واحتفالات ينتظرها آهالي القرى ثم أن هناك مشاركة فعلية من الأجهزة العسكرية التي تستطيع أن تعزز الولاء والانتماء في أبناء تلك القرى الذين هم دعامة أساسية لا يمكن أن يساوم عليها بتاتا فأمنها الأسري من أمن الوطن وقوتها من قوة الوطن، كما أن ذلك التقارب سوف يعزز الاعتزاز بتلك القوات التي تشاركهم الاحتفال والتي تساهم معهم في خلق البهجة والسرور والاحتفال بالأعياد.
إننا نحتاج أن نعيد ملء قرانا أعيادا وبهجة، ونحتاج أكثر للبحث عن أدوات احتفالية أكثر مناسبة لمجتمعنا وتمدنه، وأكثر وأكثر أن نبني علاقة وطيدة بين المجتمع وأجهزتنا العسكرية بمختلف ألوانها. وكل عيد قادم وقرانا أكثر جمالا وألقا وإثارة.
إبراهيم السالمي
#عاشق_عمان