إلتحق عاصم بوظيفة نادل بالمؤسسة الحكومية التي كان يعمل بها والده ، برغم صغر سنه الذي لم يكمل السابعة عشر من عمره ، نظرا لظروف عائلته المتعسر ، ووالده الذي أصيب بشلل نصفي أعجزه عن مواصلة العمل.. في بداية الأمر أسودت الدنيا في عيني أبو عاصم بسبب المرض الذي قضى على مسيرته العملية.. وودعت ضحكته فناء البيت وجلسات الأصدقاء وإجتماع زملاء الوظيفة وهم يحتسون فناجين القهوة كل صباح .. سرى في جسده نيران من مشاعر الألم والوحدة والإنعزال و الهزيمة .. آلمت محيط حياته وقضت على مضجعه .. وأتلفت كل أحلامه وآماله.. أصبحت حركته بطيئة .. والإعتماد على من حوله .. من سيتحمل خدمته.. وإلى متى؟.. بعد تفكير عميق وحصول إبنه على العمل و مرور الايام أستسلم لواقع الأمر .. وسرت في جسده ينابيع الحياة تنتعش وتزهر من جديد ، وبعد أن وثق إيمانه وصلته بالله والإعتصام بحبله المتين..
عاصم أصبح رجل البيت والأسرة .. وهو المسؤول عن تلبية متطلبات العائلة.. كما أن له من الطموح في تكملة دراسته للدبلوم العام لكي يحسن من مستواه الوظيفي والمادي .. أطرق التفكير بعمق مع الثقة بالله بأن يوفقه وييسر له الأمر .. واصل كفاحه الليل بالنهار .. يلبى طلبات عائلته حسب الإمكانيات المتاحة، تساعده في ذلك والدته في صنع وبيع الحلويات و الأكلات المحلية.. أخواته الثلاث لا تنتهي طلباتهن الشخصية والمدرسية .. وفي المساء عليه أن يلتحق بنظام تعليم الكبار .. كما أن عليه الحصول على معدل يساعده للحصول على بعثة دراسية داخلية .. شد عاصم النية على الصبر وتحمل المسؤوليات والكفاح ومواصلة المسير نحو التفوق وتحقيق الأمنيات.. مما أرغمه على القليل من ساعات نومه وأوقات استرخائه .. أمه الداعم الأول له .. كانت تشد من أزره وتدعو له في صلاتها وخلواتها .. مع ضوء النهار وحلكة الظلام .. ساجدة، باكية بين يدي الله يكسوها الخشوع والوقار .. داعية التوفيق والسداد .. الصون والحفظ له ولأخواته من كل زائغ كفار … لم يعتريها الملل … ولم يقصم ظهرها قسوة الحياة وشدة الألم .. أملها بالله كبير .. وإيمانها بتفريج الهم من الله لعائلتها يسير ..
مع الأيام يزداد عاصم خبرة وحنكة في تدبير الأمور .. ومعرفة برعاية شؤون العائلة بلا تذمر أو تقصير .. مذاكرا ، وباحثا ومحضرا ، لواجباته الدراسية والمتطلبات اليومية .. حتى تخرج بإمتياز .. والتحق بإحدى كليات الهندسة مع الحصول على تفريغ من المؤسسة التى يعمل بها.. تخرج عاصم من كلية الهندسة .. ودموع أمه المنسابة على مجرى خديها قد أنهكتها الأيام والليالى تذرف فرحا.. ونبضات قلبها تزداد لهيبا وسرورا .. وجسدها العاني يواصل الحراك إبتهالا وتهليلا .. شكرا وتحميدا ..
إستأنف عاصم عمله في المؤسسة ولكنه كمهندس يدير مجموعة من الموظفين .. بكل جد وإجتهاد .. مطورا في نفسه ومبادرا في تسهيل سير عمله .. أدخل الكثير من التحسينات في مجال العمل من خلال مشاركاته البنائة وخدماته اللامحدودة .. طموحه اللامتناهي وصبره ومثابرته ، تم ترقيته ومكافئته ليشغل حاليا وظيفة المدير الفني لهذه المؤسسة المرموقة.
حمد الرمضاني (أبو سلطان)
#عاشق_عمان