مع إشراقة كل يوم دراسي جديد ، تطرق الأم بخفة أناملها باب حجرة طفلها الصغير ، تشعل أضواء المصابيح ، تزيح الستائر المخملية عن النافذة ، تفتح شبابيك الحجرة ، تنساب نسمات من الهواء العليل ، يتجدد الهواء المختمر في أجواء الغرفة خلال ساعات الليل ، وبهدوء تام ترسل قبلة حانية إلى جبين صغيرها ، يستيقظ أحمد البالغ من العمر ١٠ سنوات ، وكله نشاط وحيوية.
تتجه الأم لإيقاظ صغيرها كما هو معهود ، لكنه لا يزال يغط في سبات عميق ، وكأن على رأسه الطير ، يبدو أنه لم يأخذ كفاية من النوم ، ولم يسمع طرقات أمه على الباب كعادته ، حتى أنه لم يستيقظ مع ضوضاء إخوته … أيقضته أمه من فراشه بعد عناء شديد … قم بغسل وجهك… تناول الإفطار … وكن على استعداد في إنتظار حافلة المدرسة … تأخر أحمد عند دخوله للإستحمام ، ولم يلحق بحافلة المدرسة … وفي اليوم التالي تأخر أيضا عن الحافلة وهو يتناول طعام الإفطار … وفي كل مرة يضطر والده للتأخر عن العمل وإيصاله للمدرسة بسيارته الخاصة … ولا يدخل أحمد إلى المدرسة إلا بإعطائه مبلغا إضافيا من المال ، بحجة أن المبلغ الذي لديه لا يكفي … وعند العودة من المدرسة يكون في قمة التعب والإرهاق وقد أنهكه الجوع والعطش ، برغم إعطائه مبلغا من المال أكثر من حاجته … تشفق الأم على صغيرها وتحضر له بعضا من الطعام والشراب الخفيف ليستقوى به عوده ، وترجع له قوته وصموده ، حتى يحين موعد الغداء ، فتجتمع العائلة في جو أسرى يزيح عن كاهلها المشقة والعناء ، ويلبسها ثوب البهجة والهناء … لم يكترث أحمد لكلام أمه وما تحضره له … يذهب إلى غرفته … يغلق الباب على نفسه ، ولا يريد أن يكلم أحد … يتكرر هذا الموقف مع الأيام.
أبكرت الأم في إيقاظ إبنها أحمد مثل كل يوم ، ولكنه كان عنيدا هذه المرة ويرفض الذهاب إلى المدرسة … هل أنت مريض؟.. متعب؟.. هل ضايقك أحد في البيت؟.. أبوك.. إخوانك.. أنا… لا.. لا أريد الذهاب إلى المدرسة… أكرهها.. داهم الأم الشك والإستغراب من كلام إبنها… لا بد إن في الأمر شيئ ما… يجب مناقشة الأمر مع مدير المدرسة… وإيجاد حل لهذا الكابوس المخيف الذي بدأ يتسرب في حياة أبنائي ، ويخنق راحتى وتفكيري… يهدد راحة أسرتي وتماسك عائلتي… لم تتوانى الأم في الذهاب إلى المدرسة ومناقشة الأمر مع مديرها بحضور إبنها أحمد… سأل المدير لماذا لا تحب المدرسة يا أحمد؟ … هل من أحد يضايقك؟ في بداية الأمر لم يتفوه أحمد ببنت شفهه ، وجلس ساكتا شارد الذهن … يعتريه الخوف الشديد … وبعد محاولات عديدة ، وإشعارة من قبل إدارة المدرسة ؛ بأنها ستكون معه وفي صفه مهما كان الأمر ، والجميع سيساعده إن كانت لديه مشكلة في المدرسة أو البيت – في هذه اللحظات – وبعد تفكير و تردد عميق ، لم يجد أحمد سبيلا إلا البوح بما هو مختلجا في صدره ، ليزيح عن كاهله ثقل ألم التفكير ، ومعاناة تعكير صفو الضمير ، فتوشح حزام الشجاعة ، وطرد شبح الخوف من نفسه ، لكنه عندما أراد الحديث ، بدأ القلق يداهمه.. شفتاه ترتجفان.. تلعثم لسانه عن الكلام.. إحمر وجهه.. وانسابت دموعه البريئة على خديه… ثم أجهش في البكاء … موقف صهر به قلب أمه ، وسالت معه دموع الحاضرين من حوله … صرخت الأم أحمد حبيبي … إبني … وفتحت بيديها المتعبتين لتحتضن إبنها المكلوم بقوة ، لتؤمن له واحة من حنان صدرها الدافيء… أسقته شراب بلسم الأمومة … طردت بذلك الكوابيس و الأوهام التي كانت تعتريه… ومهيئة له وطن من السكينة والراحة والآمان … وبعد أن هدأت نفسه… واطمأنت سريرته… نطق قائلا أسلم من الصف السابع ، يأخذ مصروفي اليومي ويهددني كل ما رآني و يريد أخذ المزيد ، لا أستطيع أن أقول له لا ، لأنه أكبر مني سنا ، وأشد مني قوة وبأسا ، يطلب مني ١٠٠ ريال ، وإذا لم أحضرها له في هذا اليوم ؛ فإنه سوف يضربني أمام زملائي ، لذا لم أرغب بالمجيئ إلى المدرسة.
على الفور تم الجلوس مع أسلم والتحقيق معه ووجدت بعض الشواهد داخل حقيبته ، فلم يستطع الإنكار ، فاعترف بالمخالفات المنسوبة إليه ، وعلى الفور تم إستدعاء والديه ، لإطلاعهم بخلفيات ما ارتكبه ابنهم من مخالفات داخل المدرسة ، وتعاطيه لبعض المواد الممنوعة ، وإكراه بعض الطلبه لتسليمه مصروفاتهم اليومية، ولولا إنتباه هذه الأم الحريصة على إبنها لكانت المصيبة أدهى وأمر . لذا قررت إدارة المدرسة تسريح الطالب أسلم من المدرسة مع وجوب تقديمه الإعتذار لإدارة المدرسة والطلاب خلال طابور الصباح.
ومع مرور الأيام بدأت حالة أحمد في التحسن وشعر بالراحة والطمأنينة وعاد إلى حياته الطبيعية يسرح ويلعب ويذاكر مع أحبته و أصدقائه.
بقلم✍? : حمد الرمضاني
أبو سلطان