يمثل المنتج العماني مساحة متجددة من الابتكارية والإنتاجية وتوطين الصناعة لدعم الاقتصاد الوطني، وخلق فرص أكبر لمساهمة القطاعالخاص في التنمية الوطنية المستدامة، في إشارة إلى التأكيد على دور الصناعات في بناء القدرات الوطنية، وتعزيز المكانة الاقتصاديةلسلطنة عمان في السوق العالمية، ولأن ما توفره هذه الشركات من فرص في استيعاب أكبر للشباب العماني وتوفير فرص عمل له – وهوالمرجو منها أن تستقر عليه وتعترف بمسؤوليتها الأخلاقية والوطنية نحوه في مواجهة التسريح- فإنه فرصة لبقاء النقد داخل السلطنة والحدمن التحويلات المالية الخارجية التي وصلت إلى 3.11 مليار ريال عماني عام 2021 .
على أن مما ينبغي التأكيد عليه أن المنتج المحلي لا يمثل اليوم حالة خاصة بسلعة أو فرد أو شركة معينة ، فهو تعبير عن الفخر بالمنتجالوطني والولاء والانتماء لأرض السلطنة ، وهو مساحة لشكر النعمة ، وتعبير عن مزيد من الثقة التي تربط المواطن بمؤسسات القطاعالخاص والشركات ، ودعوة إلى تأصيل مفاهيم الجودة والكفاءة والتنافسية في المنتج الوطني ، وهو أمر لا يمكن أن يتحقق إلا في ظلمساحة الثقة والاحتواء والتحفيز التي يستطيع ان يقدمها المنتج المحلي للمواطن، ذلك أن قدرة المنتج المحلي على استيعاب الواقع المعيشيللمواطن وتفاعله مع ظروفه ومشاعره، وإدراكه لمتطلباته، ومراعاته لأحواله الاقتصادية وذوقه العام، الطريق لتعظيم الثوابت، وتمكين القدرات،وترسيخ سلوك المواطنة من خلال المنتج المحلي، واحترام حق المواطن في حصوله على المنتج واستمتاعه به .
غير أن حضور المنتج المحلي ضمن دائرة المواطن اليومية وقناعاته الفكرية، وإيمانه به كمبدأ حضاري وثقافة اصيلة، يرجع إلى ما يحملهالمنتج ذاته من هوية تنافسية، لا تتوفر في غيره من المنتجات، والتي يفترض أن تظهر بشكل أكبر في وقت الأزمات، بحيث يتمثل ظروفالمواطن ويتفاعل مع احتياجاته، ويقف على تساؤلاته واستفساراته، فيقترب سعره من ظروف المواطن، والحالة المعيشية العامة لسكانالسلطنة، ليس لكونه الأقل سعرا كما انه ليس الأكثر عن غيره ، بل أن يكون في متناول يد المواطن من ذوي الدخل المحدود والأسر المعسرةوغيرهم كثير ممن تنسحب عليها هذه التسميات ، هذا الامر هو ما يصنع للمنتج المحلي موقعه في حياة المستهلك العماني، ويضمن لهمزيد من الطلب في السوق المحلية بما من شأنه رفع الطاقة الانتاجية للمصانع .
وتبقى الإشارة إلى أن الحديث عن الأغذية واللحوم البيضاء والحمراء ومنتجاتها والزيوت والألبان والعصائر ليس هو حديث عن الحديدومواد البناء، ذلك أن الأول نسبة الاحتياج اليه بشكل يومي، ويمس الامن الغذائي، وجودة الحياة، وصحة الانسان، كما أنها منتجاتيستهلكها الصغار والأطفال والكبار، والحاجة إليها في البيوت والمطاعم والمستشفيات والفنادق والمؤسسات الاستهلاكية بشكل يومي، ولمّاكان الامر كذلك والصورة التي يسقطها الاب لأبنائه عندما يخبرهم بأنه لم يعد الاستطاعة بأن يقدم لهم المنتجات المحلية التي أحبوها سواءكانت منتجات الحليب والعصائر والالبان نظرا لارتفاع أسعارها في السوق ، وأساليب الاقناع التي باتت حاضرة لدى كل أب وأم أو قائمعلى رعاية اسرة في ظل ارتفاع الأسعار، والتي باتت مدركة من الأطفال وغيرهم، وعنها ستكون التضحية بالمنتج المحلي أفضل الطرق للمحافظة على استدامة الحياة المعيشية للمواطن وأسرته، وحصولها على هذه المنتجات بأقل الأسعار من شركات أخرى غير محليه ، لتبقىهذه الصورة التي اسهم الواقع في صياغتها ووضع الأسرة فيها أمام القرار الأخير الذي لا يمكن التراجع عنه، كم سيكون له من أثر فيإعادة اقناع الأطفال في المدارس مستقبلا بشراء المنتج العماني.
عليه ما طالعتنا به مؤخرا شركة مزون للألبان من رفع أسعار منتجاتها ، وسلطنة عمان تحتفل بعيد النهضة الثاني والخمسين المجيد ،يطرح اليوم علامات استفهام حول الأسباب المبهمة التي تقف خلف هذا الارتفاع في المنتج المحلي، والمبررات التي من خلالها سمحت هيئةحماية المستهلك للشركة برفع أسعارها دون توضيح المواطن، والاغرب من ذلك أن الشركة لم توفق في اختيار موعد قرارها ، إذ جاء متزامنامع احتفالات السلطنة بالثامن عشر من نوفمبر والذي يفترض من المنتج المحلي أن يقدم فيه للوطن والمواطن قسيمة استحقاقات على ماتحقق له من فرص ونجاحات، وأن قبول المواطن بالمنتج العماني أهم الاسباب التي جعلت لهذا المنتج حضوره وموقعه، وأكسبه الثقة الشرائيةفيه، وكان عليه في سبيل ذلك أن يقدم العروض الترويجية الجادة بهذه المناسبة وخفض أسعار بعض السلع الاستهلاكية التي يعتمد عليهاالمواطن.
من هنا تأتي أهمية مراعاة البعد الإنساني والاجتماعي قبل أتخاذ أي قرار يؤثر في ارزاق الناس ومعيشتهم، فإن المواطن اليوم سيقرأ فيعمليات الدعم التي قدمتها الحوكة، والتسهيلات التي أوجدتها لنمو القطاع الخاص وما وأنفقته من موازنات من أجل وقوف المنتج المحليعلى قاعدة شرائية عريضة، دعوة إلى إعادة النظر في هذا المسار وتطبيق إجراءات أكثر إيلاما على الشركات المحلية التي لم تحاولتحسين صورة نفسها أو منتجها أمام المواطن ويكسب الثقة فيها، فإن الرهان في عودة المنتج المحلي في بيت المواطن وسلوكه الاستهلاكيوعاداته الشرائية يقررها المنتج المحلي نفسه وقدرته على التعاطي الواعي الذكي مع ظروف المواطن، واستيعاب واقعه، وإدارة مشاعرهواحتواء القلق الذي قد يتعرض له بارتفاع الأسعار، فإن المنتج المحلي اذا لم يحترم المواطن ويراعي ظروفه ويقدر أوضاعه ويصنع من خلالهجسور التواصل والانتماء للأرض، ويعظّم من قيمة مكونات المنتج ، وينافس من اجل بقائه في متناول يد المواطن، لن يكون له موقعه في قواعدالسلوك الاستهلاكي والثقافة الشرائية، فإن الإشارة عبر المنصات التواصلية إلى مقاطعة منتج الشركة يحدده جيب المواطن أو المستهلك،ومستوى توفر الملاءة المالية والسيولة النقدية التي تساعده على شراء هذا المنتج بهذا السعر، فسيد الموقف وصاحب الكلمة هو السعر ،فأينما قل السعر اتجه إليه الناس، وأينما وجدت التخفيضات الجادة ارتفع شغف الناس بالتسوق دون النظر إلى كون هذا المنتج محليا أومستوردا، ومع كل ذلك يبقى وجود مساحة من الشفافية والوضوح حول الأسباب التي أدت إلى ارتفاع هذه الأسعار في المنتج المحليمرحلة متقدمة قبل اتخاذ أي قرار برفع الأسعار.
أخيرا .. هل ستتخلى الشركات عن سياسة فرض الأمر الواقع وأنانية التصرف وجشع الربح والاحتكار؟، وهل سيعيد المنتج المحلي إنتاجواقعه من جديد، ويفتح صفحات جديدة يطل من خلالها على سلة المواطن الاستهلاكية بروح متجددة ملؤها الثقة والاحترام، وعنوانهاالمسؤولية ورد الجميل لهذا الوطن ومواطنيه ؟
د. رجب بن علي العويسي