* تعطرت أرواحُنا المشتاقة اليها دائماً، آخرَ شذىً من قطرات عبيرِ زهرٍ فاحَ نديًا، أخَّاذًا من جغرافيا وتاريخ أندلس الشرق الافريقيالباقية تفاصيلها في كل مكان..
* زنجبار اللحن الباقي لأساطيل العزة والحب والسلام التي انطلقت من عمان منذ قرون لتكتب تاريخًا خاصاً، وحالةً فريدة من الوجود قُدرله أن يمضي جميلاً ورائعاً حتى في أصعبِ لحظاتهِ وأقدارِه.
* قضينا ١١ يومًا رائعاً (١١/١٠ إلى ٢٠ / ١١ / ٢٠٢٢ ) في ربوع جزيرة زنجبار والجزيرة الخضراء استرجعنا خلالها عبق الماضي التليد،وزهو الإمبراطورية العمانية التي لا تزال آثارها ماثلة للعيان، وبرهانًا للزمان على ذلك المجد الذي أفَلت وقائعُه في غمضةِ عينٍ، ولم تنقضيآثارُه وشجونُه حتى اللحظة.
* هذا الجمال الذي تختزنه كل زاوية من زنجبار يدعونا للاحتفاء بالإنجاز التاريخي النقي الذي قدمته عمان للبشرية، مما يدعونا لإعادةالنظر في كل روافد التاريخ العماني وتدارك ما بقى شاهداً على ذلك الإرث الخالد، كبيوت العجائب والمتوني والمرهوبي والساحل وغيرهاوالتنسيق مع حكومة زنجبار على استثمار ما تبقى من تلك القصور والأبنية التاريخية التي ذهب معظمها لمستثمرين أجانب حولوها إلىفنادق فخمة تعود عليهم بأموال طائلة، وكم كان رائعاً أن يتم استثمار هذا التاريخ والعلاقة مع حكومة زنجبار التي تشهد تحسناً ونمواًملحوظاً ليكون استثمار تلك الصروح التاريخية عمانياً ولو بالشراكة مع حكومة زنجبار، بدلاً من جعلها هكذا أطلالاً بالية..
* فالعمانيون هم من بنو تلك الصروح التاريخية ، لتبقى شاهدة على عظمتهم وإسهامهم الفاعل في الحضارة الإنسانية على مر العصوروالأزمنة..
* عجبت عندما علمت أن مستثمراً واحداً من إحدى الدول الآسيوية يمتلك بمفرده أكثر من أربعة فنادق راقية، وهذا دليل على أن الاستثمارهنا مجديا للراغبين في مختلف المجالات الزراعية والصناعية والسياحية، وأن الجزيرتين بيئة واعدة وخصبة للاستثمار، والإجراءات والقوانينميسرة، كما أخبرنا أحد المسؤولين هناك..
* بات مهماً إعادة النظر في أحوال القاطنين هناك من الأصول العمانية المتجذرة أباً عن جد، وتسهيل تنقلهم بين موطن أصولهم عمان ومقرجنسيتهم زنجبار، وذلك لربطهم بوطنهم الأم..
* إن الزائر لجزيرة زنجبار وشقيقتها الحسناء الجزيرة الخضراء بيمبا يجدهما مثاليتين لسياحة الهدوء والسكينة بعيداً عن صخبِ المدنِالحديثةِ المعقدة التي يختلط فيها الحابلُ بالنابل، ويتوه السائحُ فيها بين الغث والسمين، وإن كانت زنجبار بدأت تدفع ضريبة الانفتاحالسياحي في بعض مناطقها التي انفتحت على النشاط السياحي بشكل كبير، بيد أن الجزيرة الخضراء لا تزال تحتفظ بطهرها ونقائهاومعدنها الجميل، وكم سررنا ونحن نشاهد هناك الحجاب الإسلامي تاجاً على رؤوس النساء حتى الصغيرات منهن، وكم سعدنا ونحن نرىالإقبال الكبير على تعلم القرآن الكريم واللغة العربية، وانتشار كتاتيب تعليم وتحفيظ كتاب الله في كل مكان، لاسيما المساجد التي ألحقتفي أكثرها بمدارس وكتاتيب تحتضن مئات الأطفال كل يوم..
* يأسرك في زنجبار والجزيرة الخضراء إنسانهما بهدوئه وسكينته التي لا حدود لها، وابتسامته التي لا تفارق محياه، وإفشاء السلام منالكبار والصغار، ولعل سر ذلك الهدوء والابتسام عدم هيمنة الحياة الماديَّة والمظاهر المدنيَّة الحديثة على حياة أكثر الشعب، فجل ما يفكرونفيه الحصول على لقمة العيش لا سواها، فلا رواتب عليا ولا وظائف ينتظروها، ولا أرصدة بنكية يتفاخرون بها، ولا إجراءات أو تعقيدات تعكرمزاجهم..
* حتى الأثرياء منهم وجدنا لطفهم وأخلاقهم وسجاياهم التي تدلل على أنهم جعلوا المال مصدر سعادة لهم وللآخرين، ولم يتركوا له الفرصةللاستحواذ على عقولهم وأفكارهم، فتجد مبادراتهم الواضحة لدعم العمل الخيري والالتفات الدائم للضعفاء والأخذ بأيديهم لما هو أفضل.
* إن الزائر لجزيرة زنجبار يلمس بكل جلاء ووضوح جهود جمعية الاستقامة التي أتت ثمارها اليانعة والعظيمة ليس في الجزيرة وحدها، بلعمت أقطاراً شاسعةً من أرجاء هذا العالم، تنشر الحب والوئام وتؤدي دورًا متواصلًا في التعليم والرعاية الاجتماعية وغيرها من المجالاتالتي تحرص عليه هذه الجمعية الفتية آخذة بزمام المبادرة، تعضدها جهود الخيّرين وعباد الله الذين صَفَت نياتُهم واتجهت قلوبُهم مخلصةً للهتعالى وحده .
* أما الجزيرة الخضراء فإنها تسطر للتاريخ حكاية رائعة، يتنفس عبقَها أبناءُ الجزيرةِ كل يومٍ من خلال أنشطة وأعمال أكاديمية سمائللعلوم القرآن وكلية سمائل للعلم والصناعة وجمعية الاستقامة حيث تمتزج المخرجات العلمية والهندسية والإدارية بالعلوم الإسلامية والمعرفةالمتقنة باللغة العربية وفصاحة أبناء الجزيرة وهم أئمة وخطباء يرتقون المنابر ويترنمون بجوهر الكلم ينثرون لآلي العلم والمعرفة والصناعة فيحارات الجزيرة وفضاءاتها الرائعة.
* عشنا خلال وجودنا في الجزيرة الخضراء هذا الشغف المتوقد لدى شباب جمعية الاستقامة ومشروع سمائل والتقينا بالشيخ ناصر بنسعيد الرواحي الذي يستحق بأن يتوج بلقب أمير الجزيرة الخضراء، فهو يدير من مكتبه المتواضع أكاديمية سمائل لعلوم القرآن الكريم وكليةسمائل للعلوم والصناعة، والأخيرة أنشأها مؤخراً بمنشآت حديثة تشتمل على قاعات سماها بأسماء ولايات نزوى وأدم وإزكي وبدبدلتنضوي هذه الأسماء الكبيرة إلى جانب اسم سمائل، بالإضافة إلى قاعة كبرى متعددة الأغراض ومركز إعلامي، وورشة للتدريب والتصنيعمزودة بعدد من الآليات الحديثة..
* ورغم حداثة هذه الكلية إلا أنها بدأت في تدريب الكثير من الشباب في مجال إصلاح المركبات وخراطة المعادن وتصنيع العربات وألعابالأطفال، وقد تم تصنيع عدد من المعدات والألعاب بجودة عالية..
* طرحنا سؤالاً على ناصر الرواحي عن المكتب الإداري ومقر أكاديمية سمائل لعلوم القرآن الكريم التي لم نرها، فكانت الإجابة منه بعدموجود مقر بنياني سوى مكتبه الصغير الذي يدير ويتابع من خلاله الكثير من مراكز تعليم القرآن في المساجد والمدارس ودور الأيتام، ولقدساهمت جمعية الاستقامة وهذه الأكاديمية في تخريج الأئمة والدعاة، وحفظة القرآن الكريم.
* زرنا الجامع الكبير الذي بني بتمويل من حكومة السلطنة، وافتتح برعاية معالي الدكتور نائب رئيس جمهورية تنزانيا الاتحادية وبحضورسماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة، حيث يعرف باسم جامع الخليلي، وأدينا صلاة الجمعة في هذا الجامع الذيأمنا فيه – أحد الطلاب – الذي أبدع القاءً وتلاوة وكأنه شيخ أزهري. .. فتىً يافع لا يتجاوز عمره السادسة عشر، قرأ خطبة الجمعة باللغتينالعربية والسواحلية، بكل اتقان ورباطة جأش، وصلينا صلاة الفجر في أحد مساجد زنجبار القديمة خلف إمام شاب بنفس العمر والكفاءة،الأمر الذي يبرهن على جودة التعليم في تلك المؤسستين التي تنتشر مخرجاتهما في أرجاء واسعة من الشرق الإفريقي، بالرغم مناعتمادهما الكلي على دعم صُنّاع الخير الذين يجودون بفيض غزير من أموالهم التي باركها الله..
* وجب لزاماً أن نرفع أصدق عبارات الشكر والتقدير لكل هؤلاء القادة والجنود المخلصين الذين يعملون بعزيمة وقادة وإخلاص رفيع لإبقاءراية الإسلام خفاقة وهم يعملون بكل بسالة لنشر الرسالة المحمدية ومبادئها السامية النبيلة..
* ونجدها فرصة سانحة لنوجه الدعوة للوقوف معهم ومؤازرتهم بكل قوة معنوياً ومادياً، ضارعين إلى المولى العلي القدير أن يكتب لهم الثباتوالتمكين، فهم جند الله وحراس رسالته المخلصين الأوفياء..
* بهذا أصل إلى خلاصة القول المختار عن رحلتنا إلى جزيرة زنجبار، معترفاً بعدم كفاءتي للكتابة عنها في هذه العجالة القصيرة..
* ختاما أدعو الله أن يوفقني لتكرار زيارة هذا البلد، وأجده وقد تبدل حاله إلى أحسن حال، وأن تختفي سيطرة الغرب واستعباده لبشريته،وهيمنته على ثرواته ومقدراته ليكون خيره لأهله، وكذلك الحال لسائر ديار المسلمين التي تعيش نفس المصير، اللهم آمين.
للأمانة :
صوّب وأضاف على المقالة الأستاذ سعيد بن خلفان النعماني رئيس تحرير مجلة التكوين
ناصر بن مسهر العلوي
الأثنين ٣ جمادى الاولى ١٤٤٤هـ
الموافق ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٢ م