يوفر قطاعا السياحة والتجارة نحو 418 ألف وظيفة في أنشطة الاقامة والخدمات الغذائية وتجارة الجملة والتجزئة وصيانة المركبات
يشهد قطاع التجارة تقدما مستمرا من خلال تسهيلات وحزمة قوانين تشجيع الاستثمار وتحد من التجارة المستترة كأحد مصادر المنافسة غير العادلة لريادة الأعمال
لتغيير المعادلة الحالية في سوق العمل من المستهدف تحرير سوق التوظيف والتركيز على رفع معدلات التشغيل وتعزيز الاحلال والتوطين
التوجه الاستراتيجي لرؤية عمان هو سوق جاذب للكفاءات ومواكب للمتغيرات الديموغرافية والاقتصادية والمعرفية والتقنية
تحليل – أمل رجب
ارتبط نجاح التعمين في عدد من القطاعات الاقتصادية الرئيسية في سلطنة عمان خلال السنوات الماضية بمدى القوة الاقتصادية للقطاع وارتباطه بكيان تنظيمي يتبنى توجهات وسياسات تربط بشكل جيد ومدروس ما بين احتياجات سوق العمل في القطاع وبين ما تتمتع به مخرجات المؤسسات التعليمية من مؤهلات وخبرات، وساهمت هذه التوجهات في ارتفاع كبير في معدلات التعمين في عدد من القطاعات منها المصارف والنفط والاتصالات، ويتيح هذا النجاح استفادة خطط تنظيم سوق العمل من هذه التجربة في تعمين عدد من القطاعات الأخرى ومدها لتشمل مختلف القطاعات انطلاقا من مبادىء أساسية لسوق العمل من أهمها تفعيل الإحلال والتوطين في القطاعين العام والخاص وغرس ثقافة ومفاهيم العمل السليمة والتي تتضمن أن الأصل في الوظيفة للعماني وأن التوطين يعزز الاستثمار بما يساهم بفاعلية في نمو الاقتصاد، وتأتي هذه المبادىء في إطار التوجه الاستراتيجي لسوق العمل والتشغيل في رؤية عمان 2040 والتي تستهدف سوق عمل جاذب للكفاءات ومواكبة للمتغيرات الديموغرافية والاقتصادية والمعرفية والتقنية.
وضمن خطط تنظيم سوق العمل وزيادة كفاءته وتنافسيته، هناك اهتمام كبير بتعزيز معدلات التعمين وتنظيم سوق العمل في قطاعات التجارة والسياحة وغيرها من القطاعات التي تتسم بتشغيل أعداد كبيرة من العمالة لكن مازال الجانب الأكبر منها يشغلها وافدون نظرا لتحديات عديدة تواجه العمل في القطاع الخاص بشكل عام وفي قطاعات محددة بشكل خاص منها السياحة وأنواع من الأنشطة التجارية كما تشمل التحديات الأساسية في سوق العمل التركيز خلال العقود الماضية على معدلات عامة للتعمين في مؤسسات القطاع الخاص مما أدى لتركز توظيف المواطنين في وظائف محددة نمطية وتحول التعمين إلى مفهوم كمي بدلا من أن يكون مفهوما نوعيا ممكنا لعمل العمانيين في كافة أنواع الوظائف والمستويات الإدارية، ولمواجهة هذا التحدي تسعى سياسات العمل نحو نشر التعمين في مختلف الوظائف في المؤسسات الخاصة وتعزيز ثقافة العمل والتوسع في جهود التدريب والتأهيل والتنسيق بين مختلف الجهات المعنية للربط ما بين احتياجات سوق العمل ومخرجات التعليم.
وتشير الاحصائيات الصادرة عن المركز الوطني للاحصاء والمعلومات الى ارتفاع اجمالي العاملين في القطاع الخاص من 1.4 مليون في نهاية عام 2021 الى 1.6 مليون بنهاية اكتوبر من العام الجاري، وضمن هذا الاجمالي زاد عدد العمانيين في القطاع الخاص من 266 الف في نهاية 2021 الى 284 الف بنهاية اكتوبر من العام الجاري، ويوفر قطاعا السياحة والتجارة نحو 418 ألف وظيفة في أنشطة متعددة بالقطاع الخاص تشمل الاقامة والخدمات الغذائية وتجارة الجملة والتجزئة وصيانة المركبات بمختلف أنواعها وهو ما يجعل من هذين القطاعين مصدرين رئيسيين للتوظيف والتعمين والاحلال خاصة في ظل الانخفاض الكبير في معدل التعمين في القطاعين حاليا حيث يبلغ عدد العمانيين العاملين في انشطة تجارة الجملة والتجزئة وصيانة المركبات نحو 43 ألف عماني مقابل 243 ألف من الوافدين، وفي انشطة الاقامة والخدمات الغذائية يصل عدد العمانيين الى نحو 11 ألف مقابل 122 ألف وافد وبذلك يبلغ إجمالي عدد العمالة الوافدة في القطاعين 365 الف وافد مقابل 53 ألف فقط من العمانيين، وضمن الوظائف الجديد في القطاعين خلال العام الجاري، تم توظيف نحو 3600 عماني في حين انضم حوالي 56 ألف وافد للعمل بالقطاعين خلال هذا العام منهم نحو 19 ألف بأنشطة الإقامة والخدمات الغذائية و37 ألف بأنشطة تجارة الجملة والتجزئة وصيانة المركبات، ولتغيير هذه المعادلة في سوق العمل بشكل عام، تستهدف كافة سياسات سوق العمل تحرير سوق التوظيف ورفع معدلات التوظيف من خلال قطاع خاص قوي قادر على النمو وتوليد فرص العمل.
يحتل قطاعا السياحة والتجارة أهمية خاصة نظرا لارتباطهما الوثيق بخطط التنويع الاقتصادي، فقطاع السياحة هو أحد ركائز النمو في الخطط الخمسية التنموية بينما تضع الرؤية المستقبلية التجارة كأحد محركات التنويع الاقتصادي مع توجه خاص لتعزيز حركة التجارة بين سلطنة عمان والعالم.
وتعطي خطط التنويع والتحفيز الاقتصادي اهتماما كبيرا بتحفيز قطاعي السياحة والتجارة وكافة القطاعات الاقتصادية من خلال التحسين المستمر في بيئة الأعمال لزيادة تنافسيتها وجاذبيتها لمختلف الأنشطة، كما يشهد قطاع السياحة بشكل خاص نموا لافتا خلال العامين الماضي والحالي مع عدد كبير من المشروعات الجديدة والتوجه نحو تنويع المنتج السياحي والتركيز المتزايد على رفع معدلات التوظيف في القطاع من خلال خطة التنمية الشاملة لقطاع السياحة التي تعمل بالتكامل مع عدد من البرامج الوطنية من بينها “تشغيل” لتعزيز التوظيف في قطاع السياحة وتطبيق خطط إحلال وتوطين القوى العاملة الوطنية, ويتم حاليا تطبيق البرنامج التنفيذي لتعزيز سوق العمل في القطاع السياحي والذي يستهدف بناء نظام مؤسسي واضح وتحسين الاحصائيات والبيانات المتعلقة بعدد العاملين في قطاع السياحة, وبناء الشراكات والعمل مع الشركاء, وتغيير منهجيات التوظيف وتبني حزم توظيف بالتعاون مع شركاء القطاع وتعزيز وتوسيع جهود التدريب وإعداد نظام المعايير المهنية وتنظيم الارشاد السياحي ويمتد الإطار الزمني للبرنامج التنفيذي لتعزيز سوق العمل في القطاع السياحي حتى العام المقبل.
كما يشهد قطاع التجارة تقدما مستمرا من خلال حزمة القوانين التي تم تطويرها بهدف تشجيع الاستثمار والحد من التجارة المستترة التي تمثل أحد مصادر المنافسة غير العادلة لأنشطة ريادة الأعمال مع تشجيع الشركات الناشئة باعتبارها مكونا مهما للوصول الى الاقتصاد المتطور المعتمد على التقنيات الحديثة والابتكار.
بدأت سلطنة عمان العام الماضي تنفيذ الخطة الخمسية العاشرة والرؤية المستقبلية عمان 2040، ويعد رفع معدلات التوظيف احد الأولويات القصوى والأساسية من خلال تشجيع نمو القطاع الخاص اذ تستهدف الخطة الخمسية العاشرة رفع معدل الاستثمار ليصل إلى 27 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي وزيادة مساهمة القطاع الخاص في البرامج الاستثمارية إلى 60 بالمائة كمتوسط سنوي خلال فترة الخطة مع السعي لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر في القطاعات النفطية وغير النفطية إلى ما يعادل 10,9 بالمائة بنهاية الخطة، ولتحقيق هذه الأهداف تسعى السلطنة إلى تعزيز مكانتها كوجهة استثمارية قادرة على استقطاب الاستثمار الأجنبي وتشجيع القطاع الخاص لضخ المزيد من الاستثمارات التي تعزز نمو الاقتصاد.
وفي إطار تحقيق المستهدفات الاستراتيجية في سوق العمل، أعلنت وزارة العمل في بداية العام الماضي الملامح الأساسية لخطة عملها التي تستهدف تنظيم سوق العمل ورفع معدلات التوظيف والتوطين في كافة القطاعات والوظائف في مؤسسات الدولة المختلفة الحكومية والخاصة، وتتضمن الخطة العديد من البرامج التي من شأنها استيعاب الباحثين عن عمل، ودعم رواد الأعمال، واستكمال جهود الإحلال والتوطين وفق خطط ومراحل لضمان تحقيق الأهداف المنشودة من هذا المشروع الوطني، كما تتبنى الوزارة خطة عمل لتنمية الموارد البشرية وتتضمن اقتراح السياسات والخطط المتعلقة بتطوير وتنمية الموارد البشرية في الوحدات المدنية في الجهاز الإداري للدولة، بالإضافة إلى وضع الأسس والمعايير اللازمة لتطبيق مفاهيم التخطيط الوظيفي والتطوير الإداري وجودة الأداء على مستوى الوحدات المدنية في الجهاز الإداري للدولة وغيرها من الشخصيات الاعتبارية، والعمل على مراجعة مشروعات الهياكل التنظيمية ومشروعات موازنة الوظائف السنوية للوحدات المدنية في الجهاز الإداري للدولة بجانب متابعة خطط وبرامج التدريب والتأهيل الحكومية، وتقديم المعاونة الفنية للوحدات المدنية في الجهاز الإداري، وتستهدف الخطة تستهدف توفير فرص عمل من خلال تدريب وتأهيل الباحثين عن العمل لإحلالهم على الوظائف المشغولة بالقوى العاملة الوافدة بالقطاع العام، كما تستهدف الخطة أيضا دعم التعمين القطاعي عبر اتفاقيات تشغيل مع مختلف القطاعات وتعزيز القطاعات المختلفة ببرامج التدريب المقرون بالتشغيل والتي تقوم على تدريب وتشغيل الباحثين عن عمل من خلال برامج التدريب المقرونة بالتشغيل لحملة دبلوم التعليم العام وما دون، وكذلك برامج التدريب على رأس العمل لشهادة الدبلوم فوق التعليم العام وما يعادلها من دبلوم الكليات التقنية بالإضافة إلى دعم برنامج ريادة الأعمال للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة من خلال تدريب آلاف الباحث عن عمل في برامج ريادة الأعمال للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتعزيز الشباب بالمهارات الوظيفية التي يتطلبها سوق العمل في جميع محافظات السلطنة، بينما يعمل برنامج “اعتماد”على تدريب وتمكين العاملين في القطاع الخاص ورفع مستوى مهاراتهم القيادية والإشرافية من خلال برنامج متخصص تم تصميمه بالشراكة مع مؤسسات ومراكز عالمية ومحلية ذات خبرة في صقل المهارات الإدارية وتدريب القيادات.