المبادئ الانسانية والأخلاق هي الأساس في العلاقات الدولية لكنها للأسف لم تولى الأهمية في التطبيق السياسي للكثير من دول العالم التي انحازت نحو مصالحها وتحقيق أجندتها السياسية ولو كان ذلك على حساب المبادئ الانسانية والقانون الانساني الدولي، وهناك الكثير من الأمثلة السياسية التي عبرت عنها تلك السياسات المزدوجة لذلك فقد مورست سياسات الحصار والعقوبات الاقتصادية وحدثت تدخلات عسكرية متعددة من قبل قوى دولية ضد دول أخرى بناء على ذرائع باطلة ولتمرير أجندة سياسية محددة .
العلاقات الدولية غالبا انحازت نحو مصالح الدول وتنحت بعيدا عن القيم والمبادئ الانسانية إلا أن بعض الدول سجلت علامات مضيئة في علاقاتها الدولية حيث اعتمدت المبادئ الانسانية وطبقتها قولا وعملا في سياستها الخارجية، وسنت تشريعاتها ومبادئها السياسية وفقا لتلك القيم والمبادئ الانسانية رغم صعوبة تطبيقها في عالم تسوده المصالح والسياسات المزدوجة وهذا النهج الانساني رسم صورتها أمام العالم ورسخ فلسفتها وحدد مسارها السياسي .
سلطنة عمان تعتبر من الدول القلائل التي اعتمدت هذا النهج السياسي القويم في سياستها الخارجية ورسخت خطا ثابتا في سياساتها الخارجية يقوم على اعتبار جميع دول العالم أصدقاء، وكرست مفهوم عدم التدخل في شؤون الغير، والحياد الايجابي وتجنب الحروب والبحث عن سبل السلام وطبقت العديد من المفاهيم السياسية القائمة على المبادئ الانسانية والاخلاق الدولية وحقوق الانسان، واستطاعت العيش بسلام ووئام وسعت لنشر هذا المفهوم في ربوع الأقليم والعالم توازيا مع منهجها السياسي، لذا لا غرابة أن تستقطب عمان أنظار العالم اعجابا بهذا النموذج السياسي الفريد، ولا شك أن هذه المبادئ والقيم الانسانية لها قواعد راسخة ومتجذرة في البيئة العمانية ومستقاة من الإرث الحضاري التي تشكل عبر مراحل تاريخية طويلة فتميز نموذجها السياسي منذ عصور قديمة، وهنا لا يجدر بالذكر قول الرسول محمد (ص) لأحد مبعوثيه عندما عاد الى المدينة المنورة وقد تلقى معاملة سيئة فقال صلى الله عليه وسلم: ” لو أتيت أهل عمان ما سبوك ولا ضربوك” وهناك أمثلة كثيرة وشواهد تاريخية بينت حقيقة الفكر السياسي العماني لا يتسع السياق، وهكذا كانت سياسة عمان في مختلف العهود مرورا بعهد اليعاربة ثم الدولة البوسعيدية التي تعتبر أطول الاسر الحاكمة في العالم اليوم، وتجلت هذه الصورة العمانية عندما جاء باني نهضة عمان الحديثة السلطان قابوس بن سعيد – طيب الله ثراه ليكرس ويصقل هذا النموذج السياسي العماني خلال نصف قرن رسم فيه معالم السياسة العمانية ووضع الاطار والمسار لها، واليوم يستكمل مجدد نهضتها الحديثة السلطان هيثم بن طارق – حفظه الله هذا الخط السياسي القويم، لتنال عمان ثقة العالم في أن تكون هي العنوان الذي يجمع الفرقاء ذلك لانها دائما صادقة مع نفسها وصادقة مع الآخرين، ورسخت نموذجا سياسيا حكيما يتمحور على قاعدة المبادئ الانسانية أولا والتي تتقاطع مع المصالح ثانيا .
المواقف السياسية العمانية منذ خمسة عقود تعمل وفقا لهذه الفلسفة العمانية المعروفة ملتزمة بهذا النهج باحثة عن السلام والاستقرار والازدهار للاقليم والعالم أجمع، فكانت سلطنة عمان هي قبلة السلام للحوار وتقريب المسافات بين الاصدقاء والفرقاء ونالت ثقة المجتمع الدولي ومؤسساته .
خميس بن عبيد القطيطي