لا شك أن العالم كله قد دخل فى أزمة اقتصادية مستحكمة ليس نتيجة لجائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية فقط ولكن قبل ذلك ومنذ الأزمة الاقتصادية العالمية عام ٢٠٠٨. ومع ذلك وعلى المستوى الواقعى فهذه الأزمة العالمية وإن كانت تشترك في كثير من الأسباب ولكن تظل خصوصية الأسباب بكل دولة هى الحاكمة والراسمة للخروج من هذه الأزمة، كما أن الالتجاء إلى ما يسمى روشتة صندوق النقد فهناك من يلجأ إليها وهناك من يتخذ مسارًا اصلاحيًا واقتصاديًا يتوافق مع ظروفه وواقعه الاقتصادى المرتبط مباشرة بالواقع الاجتماعى الذى يدفع فيه المواطن غير القادر الثمن . ولذا نرى أن تأثير الأزمة يختلف من دولة لأخرى أيا كانت قدرتها الاقتصادية وبريطانيا الآن أقرب مثل بالنسبة لباقى أوربا. ففى مصر كان الالتجاء إلى صندوق النقد عام ١٩٩١ وقد التزمت مصر بما سمى ببرنامج الإصلاح الاقتصادى
«الهيكلة الاقتصادية»، وقد تم فيه تعويم الجنيه بنسبة معينة. تكرر ذلك عام ٢٠١٦ وتم تعويم آخر للجنيه أفقد قيمته والتى وصلت حتى مارس الماضى نسبة ٨٥٪، ناهيك عن آخر تعويم، الأربعاء الماضى، والذى سيزيد تخفيض لقيمة الجنيه. وكان ذلك نتيجة لزيادة نسبة التضخم الذى يعنى زيادة الأسعار، لأن الطلب أكثر من العرض، وهذا كان نتيجة مباشرة لعجز الموازنة العامة، أى أن المصروفات أقل من الإيرادات خاصة بعد تحميل هذه الموازنة أقساطًا وفوائد الديون الخارجية والداخلية. والأهم هو زيادة الاستيراد «لكثير من السلع الاستهلاكية» عن التصدير نتيجة لعدم قدرة الإنتاج فى جميع المجالات أن يسد الاحتياجات الأساسية للمعيشة، وكل هذا أنتج حالة من الاحتياج إلى الدولار خاصة بعد سحب أكثر من عشرين مليار دولار «ما يسمى بالأموال الساخنة» من الاحتياطى النقدى من البنك المركزى. ولأن الشعب المصرى هو صاحب الحق فى ملكية هذا الوطن ولأن هذا الشعب هو الذى يدفع الثمن ودائمًا خاصة الطبقات المتوسطة والتى لم تعد موجودة والطبقات الفقيرة والتى تزداد فقرًا. هنا لا بد من المصارحة، تلك المصارحة التى تعطى الشعب الحق فى أن يعبر عن نفسه وعن مشاكله وعن عدم قدرته على مواكبة المشكلة، حيث إنها تزداد خاصة فى عام ٢٠٢٣، كما تؤكد كل المؤسسات المالية العالمية. تلك المصارحة التى تقول إننا حتى الآن لا نرى ولا نسمع صوتًا لحكومتنا فى رؤيتها الاقتصادية والواقعية لحل المشكلة أو التخفيف منها، خاصة أن المواطن العادى لا يعنيه فى المقام الأول والأخير غير الحصول على ما يحفظ حياته التى تليق به كمواطن يعيش على أرض الوطن. المواطن لا يعنيه غير أن يتمنى أن يكون دخله قادرًا على أن يسد احتياجاته الأساسية وليست الترفيهية، حيث لاوقت الآن للترفيه. فهل وسائل الإعلام تعطى الفرصة للرأى الآخر للتعبير عما يشعر به المواطن؟ وهنا نحن نعلم أن هناك فارقًا كبيرًا لا بد من الفصل فيه بين الرؤية الوطنية التى تسعى لخروج الوطن من أزمته وبين من لا يريد للوطن السلامة، مع العلم أن هؤلاء لديهم إعلامهم الذى يهرى طوال الوقت، وهذا يعنى أن يصبح لزامًا على الإعلام أن يظهر ويستقبل الرأى الآخر الوطنى. ما هى خطة الحكومة فى برنامج تقشفى يسقط كل الحفلات والاحتفالات والبهرجة والمنظرة؟ ماذا نفعل فى مواجهة تلك المكافآت التى تصرف هنا وهناك وغير المعروفة من تلك الصناديق الخاصة؟ ما هى الخطة الأمنية لمواجهة السوق السوداء للعملة خاصة بعد تعويم الجنيه لهذا الشكل؟ ماهى الخطة الجادة والسريعة لمواجهة ذلك الفساد الذى فاق كل الحدود؟ وماذا سنفعل مع بعثاتنا الخارجية التى تقبض بالدولا ؟ ما هى الخطة العملية المحددة بزمن لبداية العملية الإنتاجية الصناعية والزراعية «حسب الواقع والإمكانات بعيدًا عن الخيال» حتى يمكننا الاكتفاء الذاتى قبل أن نصدر الخارج؟ متى يتم التطبيق الفعلى لما يسمى تسهيلات للمستثمرين فى الخارج والداخل بعيدا عن الشعارات التى نسمعها منذ عقود؟ متى يخرج المسئول من جدار مكتبه ويلتقى بالجماهير فى حوار سياسى وعلمى وموضوعى طارحًا المشكلة بكل أبعادها بمنتهى الصراحة والشفافية حتى يشعر المواطن بالمشاركة الحقيقية فى اتخاذ القرار ويتحمل المسئولية عن علم وفى إطار المصارحة والشفافية؟ مصر ملك كل المصريين. والمصرى عندما يشعر بالمصارحة والشفافية ويستطيع التعبير عن رأيه والمشاركة فى اتخاذ القرار مستعد أن يدفع الثمن إلى أبعد حد. وكم دفع المصريون الثمن فى ٥٦ و٦٧ و٧٣. وما زال الشعب يدفع الثمن.. حمى الله مصر وطننا الغالى على قلوبنا من كل شر وشبه شر ومن كل مَن يريدون به شرًا وحمى الله شعبها العظيم.
جمال أسعد