بعد وعكة صحية ومرحلة مرضية لم تدم طويلاً سقطت ورقة أخرى من شجرة عائلة ( أولاد بن دولة ) أنه عمي سعيد البلوشي الذي عاش عاشقًا للبحر منذ الصغر حتى أصبح صيادًا ماهرًا ومعلمًا يعطي دروسًا مفيدة عن البحار وما تخبيه من أسرار .
العم ( سعيد ) تربى وترعرع في منطقة الرديدة بولاية الخابورة مع باقي أفراد أسرته في ظروف حياتية صعبة تطلبت منه السفر إلى بعض الدول المجاورة طلباً لحياة معيشية أفضل حاله حال أبناء المنطقة ، ولما تحسنت الأوضاع بالبلاد رجع إلى حضن وطنه ليكون البحر مصدر رزقه الاساسي .
مرت سنين العمر ، ومرت العديد من المحطات أمامي وأنا أحاول لملمة مشاعر حزني على رحيله، تذكرت كيف كانت له المواقف الصلبة في العديد من الأمور، لكن تلك الصلابة ترجمة لمعنى الرجولة في زمان وبيئة تحتاج للصرامة والشدة بعض الشيء .. ومع صلابة العم ( سعيد ) إلا أنه كان رجلًا راضيًا بما كتبت له من أقدار ومتواضعًا يزن كلماته مع الصغار والكبار ويعرف متى يتحدث، حيث أنه يدرك تمامًا أهمية الكلمة وأهمية رزانة العقل، ولذا كنت أستمع لكلامة في كل زيارة يوفقني الله فيها ( كصلة رحم ) ، حيث أتعلم منها كثير من الحِكم التي نحتاجها بالحياة .
رحل ( أبو ناصر ) تاركًا إرثاً طيبًا من السمعة والذكريات الجميلة مع كل فرد منا ومع جيرانه وأصدقائه .. رحل مخلفاً حزناً عميقاً، إلا أن طيبته ترافقنا حتى بعد رحيله، فيبدو أنه أدرك أننا سنحزن كثيراً على فقده، فخلف وراءه مواقف جميلة تجعلنا نبتسم لذكراه حتى في أقصى درجات حزننا عليه.
عندما فاجأني نبأ وفاته لم أستطع أن أوقف شريط الذكريات الذي مر كمشاهد حية من أمامي، وفي كل محطة لي معه موقف، وفي كل موقف لم أستطع إلا أن ابتسم تلك الابتسامة التي تأتي مصاحبة للحظات الحزن العميق على رحيل إنسان لم يترك سوى الأثر الطيب والذكر الحسن.
رحم الله عمي ( سعيد ) وأسكنه فسيح جنانه ، وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان ( إنا لله وإنا إليه راجعون ) .
خليفة البلوشي