إن حديث الإمام الحسن بن يسار البصري كان أشبه بخطاب الأنبياء، وأن مزاجه وأخلاقه وحياته كلها كانت أقرب إلى أصحابه من أيشخص آخر، وكثيراً ما كان يتم استدعاؤه لحل المشاكل الدينية والاجتماعية والسياسية، كان يجيب بسهولة على معظم الأسئلة، وما لم يكنيعرفه، لم يتردد في قول “لا أعرف”، لست أنا مكتشف هذه السطور، بل الإمام الغزالي.
وودت الكتابة عند رؤيتي لجهل الكثير، رغم أني لا أحبذ مسألة اتباع الردود، ولست من أنصار هذا الأمر، لكن في أوقات معينة نضطر للرد،خاصة عندما يتم التعرض لعالم جليل بمستوى الإمام الحسن البصري والذي لا تفيه مئات المقالات، لكن عندما يُخترق المحظور، يتحول الأمر إلى واجب شرعي وأخلاقي، وهذا أمر يجب عدم السكوت عنه، لأن من يحاول التطاول على القامات يكشف عورة حقده وغله الذي لايستطيع إخفائه، فإن الحقد أبشع سمة تلازم أي شخص ويجب معالجتها لأنها سميّة وتقتل محاسن الأخلاق، وتبعد الإنسان عن أخلاق المؤمنين، فتعلم قبل أن تتكلم أياً كنت يا هذا.
قلّة من يصلي بخشوع وتنهمر دموعه لشدة إيمانه، وقلة من ربط العلم بالعمل وبالدين الحق، لكن الإمام الحسن البصري كان يفعل ذلك، وهذا متفق عليه في جميع العقائد، ولا يختلف عليه إلا كل حاقد ومدّعي الدين، لم تحتل الثروة الدنيوية أي مكان في قلبه، وأنفق كل الأموال التي حصل عليها على طريق الإسلام.
حاول العالم أن يقضي كل وقت فراغه في الصلاة أو قراءة القرآن، وفي نفس الوقت كان مع الناسطوال الوقت ليعلمهم ويفيدهم من علمه.
قالت أم المؤمنين عائشة ذات مرة لما سمعت كلام خطبته: من هذا؟ إنه يتكلم بأصدق الكلمات!
إنه عالم عظيم من جيل نشأ في معقل الإسلام، ولد الحسن البصري (21 هـ – 110 هـ) في عهد الخليفة الفاروق، عمر بن الخطاب، في زمن بلغ الإسلام ذروته في العالم، وعندما نكون في بداية طريق اكتساب المعرفة، غالباً ما نتميز بالغطرسة والتعصب، وعندما نصادف شخصاً يختلف رأيه عن رأي معلمينا، فإننا نميل إلى السخرية من هذا الرأي، إن لم يكن بالكلمات، فعلى الأقل في قلوبنا، لكن أولئك الذين يناضلون بصدق من أجل ارتفاعات المعرفة، بالطبع يتصرفون بشكل مختلف.
أخذ الحسن البصري دائماً بعين الاعتبار آراء الآخرين، حتى لو اختلفوا عن آرائه، وهذه إحدى أهم فضائل العلم التي يجب أن نتبناها، والدليل على ذلك، هذا الاقتباس للإمام البصري:
“هناك ثلاثة أشياء يمكن لأي إنسان أن يتذوقها: هي حلاوة الصلاة، ومن قراءة القرآن، ومن ذكر الله، إذا شعرت بحلاوتهم فاعلم أن بابك إلى الله مفتوح، ولكن إذا لم تجد شيئاً من خلال القيام بهذه الأشياء الثلاثة، فاعلم أن بابك قد أُغلق”، والزهد الحقيقي هو عندما تكون الخيرات المادية في اليد وليس في القلب.
ذكرت في مقالات سابقة وباستفاضة واسعة عن الإمام الحسن البصري ومآثره، كعالم دين وعالم مسلم سخّر علمه ووقته في خدمة الدين الإسلامي ككل، لا فئة ضد أخرى، فالإسلام لا ألوان فيه، يرتدي المسلم ثوب الإسلام ويؤمن بنية خالصة لله تبارك وتعالى، نحن لا نضخم أحداً بناءً على عقيدة أو مذهب، بل بناءً على علم متكامل الأركان، وقواعد وشروحات مستفيضة، بما في ذلك علم الحديث الذي عاد به علمائنا الأجلاء بالسند المتصل عن النبي صلى الله عليه وآله سلم، لا اقتباساً عن الروايات من هنا وهناك.
المؤمن الحق، يجب أن يكون ضالعاً في التصرف بحكمة، عملاً بعلم وعمل وحكمة علمائنا المسلمين، فأيها القابعون خلف الأحقاد كفاكم، حقداً على الرموز الإسلامية، وإنه لشرف لكم أن تنهلوا من علوم الأجّلاء، إن كنت فعلاً تؤمنون بالله الأوحد، لكن كلما زاد تهجمكم، كلما تيقنت أن الإيمان الحديث مرتبط بأجندات سياسية وعقدية للونٍ معين، كونوا سياسيين ولا تدخلوا الدين في المشاريع والأجندات الدنيوية.
وهذا يعيدني إلى ذهنية المستشرقين التي تكافح لإثبات نظريتها وفكرتها، لكنها تنطلق من منهج علمي لا من منهد دنيوي حاقد، وأكرر تعلم قبل أن تتكلم عن الكوكب الدري، الإمام الحسن بن اليسار البصري.
عبدالعزيز بن بدر القطان