كم تحزنني هذه القرارات التي تصدرها الجهات المسؤولة بشكل متواتر وحثيث، وكأنها في سباق محموم مع الزمن لزيادة معاناة المواطن المسكين الذي خارت قواه بسبب هذه الضربات المتلاحقة التي أصابته بصداع مزمن، وفقدان للراحة النفسية جراء هذه القرارات المصيرية ..
وأنا هنا لا أتحدث عن الضرائب المالية، وقرارات وضوابط منح الأراضي السكنية الجديدة ، ولا عن المدن التي يُشرع في إنشاءها وعرضها بأسعار خيالية، ولا عن الكثير من القرارات التي تصدر من داخل المكاتب، بدون معايشة الواقع، وسبر أحوال الناس قبل إقرارها، وما أعقب ذلك من تذمر وعدم رضى لم يحرك أزاءه ساكنا..
فقط أتحدث هنا عن القرار الأخير المتضمن إجراءات تصحيح أوضاع المخالفات المرصودة بشان الأراضي الممنوحة بعقد الانتفاع، وأركز هنا على أراضي الانتفاع الزراعي، وما ينتظرها من إجراءات صارمة تصل إلى الإزالة وسحب الأرض، فلله الأمر من قبل ومن بعد..
ولكون هذه الإجراءات ستطول أولئك الذين رماهم حظهم العاثر إلى توقيع عقد انتفاع زراعي أو سمه ب( عقد الصداع) الذي أجبروا على قبوله بعدما أوقفت أراضيهم الممنوحة لهم في مطلع ثمانينيات القرن الماضي بصفة المنحة، فاحتجزت لأكثر من ثلاثين سنة بحجة دراسةالوضع المائي ولم يُدرس ، وأفرج عنها بذلك العقد القاتل الذي معظم بنوده ليست في مصلحة المنتفع، وبقيمة خمسون ريالاً عن الشهر الواحد لكل فدان تدفع مقدماً بداية العام، ومدة العقد ثلاثة أعوام، يقابلها (٩٩) سنة تعطى للمستثمر الأجنبي !!!
ولم تكن الرغبة لدى الجميع في توقيع ذلك العقد المجحف لولا أنهم وعدوا بالتملك بعد إعمار ما نسبته سبعون في المائة من مساحة الأرض،فبذلوا كل ما في وسعهم من جهد ومال لتحقيق تلك النسبة وزيادة..
لكن وا أسفاه ذهب ذلك الوعد أدراج الرياح..
فيما تملك البعض من الذين أُنعم عليهم حينها، ورفض البعض الآخر توقيع العقد فأصبحت تلك الأراضي عائمة بين الحكومة والمواطن، علماً بأن بعضها بيعت عشرات المرات، ولا تزال باسم الشخص الممنوحة له أولاً ..
وبدلاً من أن يتم تصحيح أخطاء المعسكر السابق في التعاطي مع ملفات تلك الأراضي (بنوعيها ذات عقود الانتفاع أو المعلقة منها) أساليب وإجراءات تصب في مصلحة المواطن وإزالة ما علق بها من ظلم وإجحاف ..
ها هي الإجراءات الغليضة التي تظمنها القرار الأخير تترصد بأصحاب هذه الأراضي وربما تصل إلى إزالة ما عمروه وسحب الأرض بدون مراعاة أو شفقة لكل ما سُكب على تلك الأراضي الجرداء القاحلة من جهد وعناء، وما أُهدر في سبيلها من أموال باهضة، ناهيكم عما كابده صاحب العقد من صعوبات بالغة في سبيل الحصول على التصاريح اللازمة لتوصيل الخدمات وإعمار تلك الأراضي الواقعة بعضها في أماكن ذات تضاريس قاسية ..
وهنا نسترعي عناية اللجنة المشكلة لتطبيق بنود هذا القرار الذي تضمن الأحكام مباشرة.. فندعوها إلى عدم التسرع في تنفيذ هذه الأحكام، وأن تدرك أنها تتعامل مع ملفات معقدة ، تعاقبت عليها الأزمنة ، وتكالبت عليها القرارات القاسية، رغم أن أصلها منحة منذ أكثر من أربعين سنة، ولا يزال أصحابها يعيشون كل هذه العثرة..
فعليها أن لا تصنع قراراتها تحت أسقف المكاتب الباردة، لتطبيق الأحكام المصاحبة للقرار الذي كان يُقتضى أن يعطي اللجنة الحق في استنباط حلول عادلة لهذا القضايا الشائكة لا أن يكون هو الخصم والحكم..
وعليها أن تجلس مع أصحاب هذه الملفات، وتستمع إلى إليهم وتستقصي الظروف المحيطة بهم، ففيهم البائس الفقير ، ومنهم المظلوم الذيجارت عليهم التناقضات في التعامل مع هذه المعاملات، ومن أهمها تجديد العقود لأكثر من مرة رغم وجود هذه المخالفات المزعومة ..
وعليها أن ترجع النظر كرتين في أولئك الذين نهبوا المال العام، واستولوا على مساحات شاسعة من أراضي الوطن، ولم يحاسبوا كما يحاسب هؤلاء المغلوب على أمرهم..
فعلى رسلك يا وزارة الإسكان والتخطيط العمراني.. فأهل هذه المعاناة هويتهم عمانية أباً عن جد وخال، فاستوصي بهم خيراً فقد أضناهم الحال، وضاق بهم المآل، فعلى الله التكلال، والشكوى لغيره مهانة وإذلال.
مسهريات يكتبها ناصر بن مسهر العلوي
الأحد ١٨ رمضان ١٤٤٤
الموافق ٩ إبريل ٢٠٢٣