المؤسسات العسكرية والأمنية والإستخباراتية في دول الكيان ومعها الكثير من المحللين والخبراء العسكريين والسياسيين والإعلاميين ودوائر البحث والتفكير الإستراتيجي، تجمع بأن حالة الإستنفار التي تعيشها دولة الكيان،لم تنته عند حدود القرار التي صادقت عليه الدولة العميقة من عسكر وامن وقطاعي الإقتصاد والمصارف،وصدرته المؤسسات الأمنية والعسكرية من جهاز شرطة وشاباك ورئاسة اركان ووزير الجيش،،والقاضي بمنع المتطرفين من الإستمرار في عمليات الإقتحام للمسجد الأقصى في العشر الأواخر من شهر رمضان،قرار عارضه بشده شركاء نتنياهو في التحالف بن غفير وسمويترتش،وهذا يعني بان شقة الخلاف بين مكونات حكومة نتنياهو أصبحت تكبر وتزداد،ويبدو بان قرار نتنياهو بتشكيل مليشيا خاصة لبن غفير،تحت مسمى الحرس الوطني،مقابل عدم انسحابه من الحكومة،بسب قرار نتنياهو تجميد ما عرف بالتعديلات القضائية،لم تفلح في تليين مواقفه وتغيريها …وهذا خطر يهدد حكومة نتنياهو،الذي سعى الى تحصين نفسه من خطر المحاكمة بالتهم الثلاث المنظورة ضده امام قضاء دولة الكيان ،الرشوة وسوء الإئتمان وخيانة الأمانة ،بالتحالف مع هذه القوى الفاشية.
قرار المنع جاء نتيجة عاملين مهمين صمود المعتكفين ورباطهم في الأقصى،وتصديهم للجماعات المتطرفة التي سعت لتكريس تقسيمين زماني ومكاني في الأقصى،وإيجاد حياة وقدسية يهودية فيه،واستكمال أخر طقس من طقوس ما يعرف بإحياء الهيكل المعنوي في ساحة الأقصى،ألا وهو إدخال قرابين الفصح الحيوانية الى ساحاته وذبحها فيها،وتصاعد اعمال المقاومة في الضفة الغربية والداخل الفلسطيني- 48،
والعامل الثاني الذى املا اتخاذ هذا القرار، الرسائل النارية التي ارسلها محور القدس بالرد الموحد عبر تصعيد الإشتباك، وإرتقاء المسار في تفعيل الميادين المختلفة لوحدة الساحات،للوصول بالمعادلة التي قال بها سماحة السيد في ايار 2021،بأن العبث بالأقصى يعني حرباً إقليمية.دولة الكيان التي تعيش ازمات عميقة سياسية ومجتمعية وبنيوية ،وصراع عميق حول هوية دولة الكيان،صراع ايدويولوجي وثقافي …ترك تأثيراته وبصماته على وحدة الجيش الذي سماه مؤسس دولة الكيان وأول رئيس وزراء لها بن غوريون ب”جيش الشعب”،من حيث “تقزم” هذا الجيش وتفككه،وظهور حالات تمرد عن الإلتحاق بالخدمة والتدريب في مختلف القطاعات العسكرية،وبما لا يشمل قوات او جيش الإحتياط،بل القوات النظامية والدائمة،والتي أتت على خلفية إصرار نتياهو على تنفيذ مشروع السيطرة على المنظومة القضائية وتحرير الكنيست والحكومة من الرقابة القضائية لما يعرف بمحكمة العدل العليا.
مواجهة العشر ساعات التي حصلت يوم الخميس الماضي 6/4/2023، قالت بشكل واضح بان رئيس وزراء الكيان كان ملجوماً،وبان المأزق الذي يعيشه جزء من ازمة دولة الكيان،وقد بدا ذلك من خلال الرد الباهت على الصواريخ التي اطلقت من جنوب لبنان وقطاع غزة،رد أخر فيه نتياهو عقد المجلس الأمني المصغر ” الكابينت”،للبحث عن رد مؤطر ومقيد يوجه الإتهام لحركة حماس ،ويبعده عن حزب الله،حتى لا تتورط دولة الكيان في حرب معه،وبررت تلك الردود بأنها،لكي تمنع توحد ساحات المواجهة،هذا التوحد هاجس دولة الكيان الدائم،ولكن دولة الكيان بمؤسستيها العسكرية والأمنية،وكما قالت الكاتبة ” لهيلاخ شوفال” في مقال لها في صحيفة “يسرائيل هيوم”،تعرفان جيداً بأنه لايمكن ان تتم عمليات إطلاق الصواريخ بدون علم ومعرفة حزب الله.
نتنياهو الذي كان يبحث عن رد يتناسب واستعادة هيبة وقوة الردع،وجد نفسه في المزيد من تآكل هيبة الردع،فلا هو بالقادر على خوض معركة على جبهات متعددة في جيش ليس لديه الإستعداد والجهوزية ومفكك،وكيان يعش أزمات داخلية متعددة ،وما بين الخوف من رد قوي ،يفتح عليه أبواب جهنم ،وما بين رد رمزي لا يستعيد هيبة الردع،ويوسع من الثقوب في تلك الهيبة وقوة الردع،ويكبل خياراته مستقبلاً،اختار رداً رمزيا وباهتا وحمل المسؤولية في مؤتمره الصحفي يوم الإثنين 10/4/2023 ، المعارضة في دولة الكيان ا عن الهجمات التي شنت على عليها من عدة جبهات،وقال بأن استسلام تلك المعارضة أمام حزب الله وتسليمها لغاز ما سماه غاز دولة الكيان لحزب الله،ليس بالإتفاق التاريخي بل إستسلام تاريخي.
واضح بأن قوى محور المقاومة ،قد نجحت في كسر هيبة الكيان وثبتت قواعد ردع واشتباك جديدة،وصلت رسائلها النارية ب” وحدة الرد”.
دولة الكيان التي قبلت وقررت منع قطعان المتطرفين من مواصلة اقتحاماتهم للأقصى،هي تدرك تماماً بأن حالة التصعيد لم تنه عند حدود هذا المنع،وربما يكون في الإطار التكتيكي،لكي تمرر اعيادها من فصح وذكرى يوم النكبة ” الإستقلال” ،وذكرى “توحيد القدس”،إستكمال إحتلال القسم الشرقي منها …والمعطيات والمعلومات والتقديرات والتحليلات ،تجمع على أنه سيكون هناك أيام قتال على الجبهتين الشمالية والجنوبية،وهذا واضح من نشر القبب الحديدية واستدعاء قوات الإحتياط وكتائب إضافية من الدفاع الجوي،ودعم الجيش بقوات من وحدات الكوماندوز،في منطقة الوسط وتل ابيب،خوفاً من هجمات صاروخية أو بواسطة مسيرات من عدة جبهات،في ظل تزامن ذكرى يوم القدس العالمي مع الجمعة الأخيرة من شهر رمضان،وكذلك تصاعد اعمال المقاومة في الضفة والقدس والداخل الفلسطيني- 48 – من اشتباكات مسلحة وإطلاق نار وطعن ودهس وغيرها.
دولة الكيان تريد ان تستعيد قوة الردع،وفي تركيزها على حركة حما س،بإطلاق الصواريخ من لبنان وقطاع غزة،وتركيزها أيضاً على لقاءات قيادة حركة حماس مع قيادة حزب الله بقيادة سماحة السيد حسن نصر الله،واعتبار الصورة التي جمعت هنية مع سماحة السيد بألف صورة،وهي تكشف بأن سماحة السيد ليس كما تعيش أجهزة أمن الكيان ومخابراته،بأنه يعيش في قبو او سرداب،بل يحضر لقاءات وإفطارات،ويشارك بقوة في الغرفة المشتركة لمحور القدس.
هدولة الكيان تخطط لشن عدوان حتى اللحظة لا نعرف وجهته ،هل هو لبنان أم قطاع غزة أو سوريا أو معركة “سور واقي” في الشمال الفلسطيني،على غرار معركة “السور الواقي” في عام 2000 .
عدوان خارجي تستهدف منه شد عصب وحدتها الداخلية،وينقذ حكومة نتنياهو من الإنهيار وخسارة مستقبله السياسي والشخصي ،وقضاء بقية عمره في السجن،ولكن هذا العدوان هل يسهم في استعادة دولة الكيان لقوة الردع،ام ستجد نفسها أمام تآكل كبير في قوة ردعها ضد محور قدس ينتقل من وحدة المفهوم الى وحدة التطبيق،وخاصة ان دولة الكيان في لحظة انكشاف امني وسياسي ،ثبت ذلك من خلال معركة العشر ساعات يوم الخميس 6/4/2023 …؟؟
دولة الكيان في السنوات العشر الأخيرة ذاهبة نحو منحدر تاريخي ،بدون كوابح او ضوابط،ويبدو بأن الثلاثية التي يقوم عليها المشروع الصهيوني “الأمن والهجرة والإستيطان” تقترب من نهايتها،ولعل معركة “سيف القدس” ،أيار 2021 ،جاءت كمحطة ذات دلالة هامة على هذا الطريق،حيث خضت وعي دولة الكيان بسؤال القلق الوجودي .
راسم عبيدات