القرار العربي بعودة سوريا لشغل مقعدها في الجامعة العربية، قرار مليء بعبارات ثورية غير مسبوقة في القرارات السياسية العربية المُعاصرة، بما حمله من عبارات ضرورة تجاوز الماضي واللحاق بالمتغيرات والمستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية إلى آخر البيان.
جُهد المملكة العربية السعودية كان واضحًا في ضرورة عودة سوريا للجامعة العربية، وفي ضرورة مشاركة الرئيس السوري بشار الأسد في القمة العربية بالرياض والمرتقبة خلال الأيام المُقبلة.
عودة سوريا إلى الجامعة العربية تأتي إدراكًا من الجميع بأن الصراع في سوريا يجب أن ينتهي، وفقًا لمعادلات جديدة تقتضي اعتراف الجميع بمصالح الجميع، كما تؤمّن عودة سوريا إلى الجامعة أوراقًا جديدة كمكاسب في المفاوضات الرباعية مع تركيا بموسكو.
وهذه الجهود الخيرة تدعونا الى فتح باب التفاؤل بأن تخرج “قمة الرياض” بجملة أخرى من القرارات التاريخية المصيرية والتي ستمثل إطارًا للعمل العربي المشترك مستقبلًا ولحدود الخلافات العربية- العربية كذلك، مع ضرورة سن ميثاق شرف سياسي وإعلامي عربي- عربي لتقنين الخلافات بين الأشقاء العرب وقطع دابر الابتذال والتنابز بينهم وضرورة التسلح بشرف الخصومة ومراعاة خطوط العودة.
قرار حجب مقعد سوريا في الجامعة لم يأتِ سوى بعد استفاقة البعض من فاجعة تسليم مقعد ليبيا لثوار الناتو فيما يُشبه الكوميديا السوداء؛ حيث سعى نفس المُخطط الى تسليم مقعد سوريا الى مُرتزقة المعارضة، وكاد الأمر أن يمر لولا تهديد الأقطار العربية بالانسحاب من الجامعة في حال تمرير هذا القرار المسخ، فما كان منهم إلا القبول بأهون الشريْن والأمريْن وهو تجميد عضوية سوريا، علمًا بأن الشيطان الأمريكي لم يجرؤ على طرح عضوية سوريا في الأمم المتحدة ولا في غيرها من المنظمات الدولية، وهذا يعني تفرد الجامعة العربية وحدها بهذا السلوك، وهذه الخطيئة تعني ضرورة العمل على تجريم حجب مقعد أي دولة عربية مستقبلًا.
الأمر الثاني المرجو من قمة الرياض هو اتفاق عربي على عدم الامتثال لأي قرار غربي بحصار بلد عربي وتجويع وإفقار شعبه، كما هو الحال مع سوريا و”قانون قيصر” الجائر، والذي لولا التزام العرب به لتلاشى وتبخر منذ أيامه الأولى، ويعود بنا الزمن إلى تذكر حصارات العراق وليبيا والتي نفذها العرب بكل جدارة واستماتة امتثالًا لشرعية واشنطن!! مع العلم بأن الحصار والتجويع هو جريمة متكاملة الأركان لا يجوز السكوت عنها أو المشاركة فيها.
الأمر الثالث المرجو من قمة الرياض هو العمل على وضع خارطة طريق لحركة تنقل العمالة العربية بين الأقطار العربية وفق شروط وضوابط تحمي حقوق ومصالح الجميع، خاصة في ظل تزايد أطماع بعض البلدان المُصدِّرة للعمالة على التفرد بسوق العمل والاستثمار في أقطار الخليج، مستغلة خواء قوانين العمل بها من أية محاذير أو ضوابط للهوية أو للخصوصية الثقافية.
الأمر الرابع تقنين الخلافات بين الأقطار العربية وحصرها في الحد الأدنى من الأضرار وعدم نيلها من مكاسب الشعوب وتوظيفها كوسائل ضغط سياسي كطرد العمالة أو التضييق عليها، وقطع إمدادات الطاقة، وتعطيل المشاريع الاستثمارية وإغلاق الحدود والمنافذ أمام حركة النقل التجاري.
قبل اللقاء.. جميل أن يأتي الخير ولو متأخرًا، والأجمل أن يكون هذا الخير المتأخر مقدمة لخيرات أكبر.
وبالشكر تدوم النعم..
علي بن مسعود المعشني