للمرة الأولى منذ 12 عاماً، يشارك الرئيس السوري بشار الأسد في قمة جامعة الدول العربية التي ستعقد في مدينة جدة السعودية اليوم 19 مايو/ أيار الجاري 2023، بعد أن تلقى دعوة لحضور اجتماع رفيع بعد أن وافق وزراء خارجية هذه المنظمة في 7 مايو/ أيار على عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، وكما هو متوقع، سيكون لاستعادة العضوية الكاملة للجمهورية العربية السورية في جامعة الدول العربية تأثير كبير على الوضع في المنطقة ككل.
نتفق مع الرأي السعودي الذي يرى أن العالم يمر بتجارب جادة تتطلب الاتحاد لمقاومتها، وذلك من خلال تطوير آليات جديدة لحل المشاكل التي تواجه الدول العربية ككل، بالتالي، إن عودة سوريا إلى الحضن العربي خطوة نحو السلام والاستقرار في المنطقة، خاصة وأن العالم العربي بأسره سيستفيد من ذلك، لأنه من الممكن معاً التغلب على أي صعوبات، والآن هناك العديد من مثل هذه التحديات في المنطقة، من بينها قضايا إعادة العلاقات التجارية بين عواصم المنطقة وتعزيز الأمن، ومكافحة الإرهاب يمكن أن تصبح أكثر المواضيع فائدة للحوار.
وبالأمس كنت قد ذكرت في مقابلة حول هذا الموضوع أهمية عودة سوريا إلى الحضن العربي، شرط أن يقترن القول بالفعل، بعيداً عن المجاملات والأحضان، وغير ذلك، ولا شك أن بيان القمة الختامي سيكون وردياً كما جرت العادة، لكن هذه المرة هناك وضع خاص على الجميع مراعاته والتوقف ملياً حول ملابساته، إنها 12 سنة كاملة، دمرت هذا البلد الجميل، ودمرت اقتصاده، وشردت شعب يُشهد له بأنه أصيل، فعلى جميع المشاركين إنصاف هذا الشعب بإعادة وضعه إلى سابق عهده، إلى مساعدته في تدوير عجلة اقتصاده، حينها من الممكن القول إن سوريا فعلاً عادت إلى الحضن العربي من أوسع أبوابه.
لكن وبتحليل بسيط لهذا الأمر، دائماً ما كنت أقول إن المصالح هي التي تحكم أولاً، ومن ثم الأمور الأخرى، وبصرف النظر عن الوضع السوري وباقي الدول العربية بين مرحب ورافض للعودة، لكم من عاد ينطلق من إعادة حسابات تموضع المنطقة ككل، فهناك أنظمة عربية يعتقد البعض أنها في نعيم، لكنها على شفى حفرة من الانهيار، هذا سيعكس بدوره تطلعات دول أخرى لأن توجد البديل الذي يمكن له سد الفراغ، وسوريا هي الحالة المثالية لذلك، لأن ما ينتظر سوريا من إيجابيات ومشاريع ومخططات خاصة لجهة الانتعاش الاقتصادي لها ولكل من أراد أن يضمها إلى فلكه، فقد استطاع أن يضمن مستقبلاً مشرقاً على الأقل خلال الفترة المقبلة، فهي مركز وقلب يتوسط العالم العربي دون الخوض في التفاصيل، لكن موقعها الجغرافي وقربها من دول ليست بسهلة كروسيا والصين وإيران من شأنها أن تتحول إلى دولة مؤثرة في زمن قياسي.
ونعلم أن الغرب الممثل بالولايات المتحدة الأمريكية وكما جرت عادته حاول إفشال هذا الأمر وحاول منع حضور الرئيس الأسد إلى القمة، لكن هنا، انتهجت المملكة العربية السعودية خطها الخاص بها، وقررت أن تقرر وفق منظورها الإقليمي وأن تتسيد الإقليم وأن تلغي فرضية أنها تابعة للولايات المتحدة، وكنت قد ذكرت سابقاً، ومنذ أن قررت استخدام نفوذها دون اكتراث بواشنطن في مسألة النفط عبر منظمة أوبك، بدا أنها تعود تدريجياً لتأخذ دوراً ريادياً، كان يُعتقد أنه لدول أخرى طيلة سنوات.
وجدير بالذكر أن سوريا انسحبت من الحياة السياسية للمنطقة بعد اندلاع صراع مسلح على أراضي الجمهورية عام 2011، وفي ذروة الأزمة، تم تعليق عضوية الجمهورية العربية السورية في جامعة الدول العربية، حيث سحبت معظم الدول العربية سفرائها وانضمت إلى المقاطعة الاقتصادية للجمهورية، لكن في السنوات الأخيرة، تمكنت دمشق من تحسين العلاقات مع أبو ظبي والمنامة فقط، وفي عام 2018 أعادت سلطات دولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين عمل بعثاتها الدبلوماسية في سوريا، بالتالي، كانت هذه التغييرات نتيجة نجاح دمشق في إعادة الأراضي إلى سيطرة الحكومة، لكن ومع ذلك، لم تكن دول أخرى خارج المنطقة في عجلة من أمرها لتغيير موقفها فيما يتعلق بالجمهورية العربية السورية، على الرغم من وجود أفكار حتى ذلك الحين لإعادة الجمهورية إلى جامعة الدول العربية.
بالإضافة إلى ذلك، لقد تغير الوضع بعد الزلزال المدمر في 6 فبراير/ شباط الماضي، والذي أثر بشكل رئيسي على تركيا وسوريا، كان سبباً في أن اقتربت الدول العربية من سوريا وقدمت لها مساعدات إنسانية كبيرة، ثم اتفقت الرياض ودمشق على فتح سفارتين، ومن الواضح أن دول المنطقة الأخرى مستعدة لاتباع هذا المثال.
هنا لست أحلل مجريات ماذا سيدور في القمة، بقدر ما أحاول تبسيط الأمور من منظور كل العالم قد تابعه من ألفه إلى يائه، إذ يسهل التغيير في الوضع من خلال فهم أن مزيداً من العزلة لدمشق لا معنى له أي استمرار مقاطعتها، فقد احتفظ الرئيس بشار الأسد بالسلطة فرغم المقاطعة، بالمقابل، و كما كان للمصالحة بين السعودية وإيران تأثير على المنطقة، فقد اتفقت الرياض وطهران على إعادة العلاقات الدبلوماسية وفتح السفارات، كان التوقع الأقرب للمنطق أن يكون للتقارب بين البلدين تأثير إيجابي على الوضع في المنطقة، وربما الحدث السوري هو من نتائج ذلك التقارب.
بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يأخذ بعين الاعتبار الوضع العام في العالم ككل، حيث تفقد الولايات المتحدة دورها كقائد مهيمن، ومحاولاتهم للتدخل في شؤون الشرق الأوسط تسبب بالفعل استياءاً للجميع وبخاصة الدول الحليفة لها، وبالفعل تجاهلت الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية في النهاية الإشارات التي بعثتها واشنطن إلى أن سوريا لا تستحق إعادة قبولها في جامعة الدول العربية، ولم تنصاع لرغباتها وأعادت الأمور إلى نصابها ووضعها الطبيعي.
وبحسب قراءتي المتواضعة، أعتقد أن النتيجة الرئيسية للاجتماع في جدة بالنسبة لسوريا ستكون قرار المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة المساعدة في إعادة بناء اقتصادها بعد فترة الحرب، بالإضافة إلى ذلك، ستعمل الرياض وأبو ظبي بالتنسيق مع الحكومة السورية والأمم المتحدة لحل مشكلة اللاجئين وتسهيل عودتهم إلى ديارهم.
بالنتيجة إن حضور الأسد إلى القمة هو بحد ذاته رسالة مباشرة منه إلى المجتمع الدولي الذي ظل يطالب بتنحيه لـ 12 عاماً، أنه عاد إلى موقعه الأساسي وبدعوة عربية ومن دولة فاعلة كالمملكة العربية فعلاً هي رسالة، لطالما قلتها سابقاً، في السياسة لا عدو دائم ولا صديق دائم، وكم استغربت من موقف من يدّعون أنهم محللين وباحثين حين انقسمت الآراء إلى معسكرات وأحلاف، وفرق، فما قولهم الآن بما توصل إلى الزمن؟
وبالعودة إلى الموضوع الرئيسي، علينا أن نفكر بمنطق العقل وبعيداً عن العواطف، فجميعنا نرغب بأن نرى العرب قلب وكيان واحد، لكن ما كل ما يتمناه المرء يدركه، فكما هناك آمال لحلحلة الوضع السوري، هناك خيبات أمل توازيها، فرغم زيارة الرئيس الأسد لحضور القمة العربية في جدة، لكن من غير المضمون إحراز تقدم في التوصل إلى حل لإنهاء الحرب في سوريا، وليس واضحاً ما إذا كانت الجامعة العربية ستتمكن من القيام بجهود فاعلة بشأن قضايا ملحة مثل مصير اللاجئين السوريين ودعم الاقتصاد السوري، لكن بقلب شخص عربي، سأتمسك بالأمل، وأتجاهل الخيبات، على أن تخيب ظننا السلبي هذه القمة وتكون بداية نهاية معاناة السوريين وكل البلاد العربية.
عبدالعزيز بن بدر القطان/ كاتب ومفكر – الكويت