حفل قانون التعليم المدرسي رقم (31/2023) بالكثير من الموجهات الضبطية والتشريعية التي تستهدف رفع مستويات الأمان الفكري والنفسي والبدني للطلبة وتعزيز معادلة التكامل بين الجهد في التحصيل الدراسي والالتزام بقواعد الانتظام الدراسي والانضباط السلوكي للطلبة، وقد أعطى القانون في هذا الموضوع إجابات شافية وكافية تعمل اللائحة التنفيذية للقانون على تأطيرها وتفصيلها بشكل أكبر.
ولعل ما يلفت النظر في مواد القانون هو الحضور الواسع لمسألة إدارة السلوك الطلابي وضبطه في مدارس سلطنة عمان، وهو أمر يرجع فيه إلى جملة التحديات والمعطيات التي رافقت السلوك الطلابي في المدارس، وما أفرزته نتائج مختبرات التعليم من إيجاد مسار يحافظ على درجة التوازنات في التعاطي مع هذا الموضوع في ظل ما يرتبط به من حساسية مجتمعية حاولت لائحة شؤون الطلبة على تداركها قدر الإمكان، الأمر الذي منحها القانون قوة حضور في مواده لضمان تحقق الغاية الكبرى من هذه الضبطية، والتي يمثل حضورها في قانون التعليم المدرسي اليوم محطة مهمة في تعزيز إنتاجية المدارس وتعظيم دور القيم والأخلاق والهوية والثوابت كمحددات في البناء التعليمي والفكري للطلبة، عبر تقوية الالتزام بقواعد الانتظام الدراسي والانضباط السلوكي للطلبة، وتأطير قواعده وأسسه في بيئة المدرسة وحضوره في مسار تعلم الطلبة وجهد أعضاء الهيئة التعليمية في تشكيل شخصية الطالب. وهو أمر يمكن رصده في أكثر من مادة في القانون ومن ذلك ما جاء في الفصل الثالث واجبات الطلبة والأعمال المحظورة عليهم في المادة (47) حيث وردت جملة من القواعد السلوكية العامة، التي تفرض على الطالب تحولا في سلوكه التعليمي فيفرض عليه الالتزام باحترام زملائه وأعضاء الهيئة التعليمية وكافة العاملين بالمدرسة، كما يفرض عليه الالتزام بارتداء الزي المدرسي والمحافظة على المظهر الشخصي اللائق، والذي بلا شك يضع حدا للكثير من الممارسات الناتجة عن التقليد السلبي للطلبة في اللباس وقصات الشعر أو غيرها، كما يفرض عليه أداء الواجبات المدرسية المكلف بها، ثم إن يستمر هذا السلوك معه داخل بيئة التعلم وخارجها، في المبنى المدرسي والصف الدراسي ومرافق المدرسة وفي قواعد استخدامه الحافلات المدرسية، وعلى الرغم من أن هذه القواعد من السلوك بالنظر إليها ليست جديدة في حياة الطالب فهي تعبير عن التزامه بتحقيق متطلبات التعليم، كون هذا الالتزام يعبر عن هويته التعليمية ويصقل شخصيته ويضبط سلوكه بضابط القيم ويمثل الصورة الأنموذج من مسؤولية التعلم وتأثيره في حياة الطالب، فلا قيمة لتعليم لم يستطع أن يحرك مشاعر الطالب نحو المحافظة على مبادئه وقيمه وثوابت مجتمعه، ولا قيمة لمسار تعليمي لم يحرك في سلوك الطالب هاجس الجدية والمطالعة والانتظام والمراجعة والتعلم الذاتي، أو أن يؤصل فيه مسؤولية المحافظة على زمن التعلم ودون الاخلال بنظم سير الدراسة أو الامتحانات أو عرقلة مسار التعلم أو مخالة الآداب والإتيان بسلوك لا أخلاقي يتنافى مع العرف والذوق العام والمشاعر الوطنية والإنسانية؛ ومع ذلك يرتبط تحقيق هذه الواجبات والمسؤوليات رغم أنها التزام فطري وشرط أساسي لتعلم منتج وعالي الجودة، بمدى وجود التزام من المدرسة وأعضاء الهيئة التعليمية بتوفير حقوق الطلبة الواردة في المادة (42)، بحق الطالب المتساوي في تلقي الخدمة التعليمية في ظل بعض الممارسات التي قد تبرز حالة التمييز الخفي وعدم المساواة بين الطالب بسبب تحصيل الطالب وتفوقه الدراسي، بالإضافة إلى المادة (43) بحق الطالب في الحصول على تعلم ذي جودة عالية، والمادة (44) التي فصلت بشكل أكبر في مسؤولية الوزارة على ضمان حقوق الطلبة من حيث: (بيئة مدرسية آمنة وجاذبة، الاستفادة من الأنشطة والبرامج، الرعاية الصحية المناسبة، خدمة النقل المدرسي الآمن والمهيئى للطالب من مقره إلى المدرسة والعكس، وحقه في المشاركة الفاعلة في الحصول على كل الفرص المتاحة بالمدرسة) “يفرض اليوم على المدارس وأعضاء الهيئة التعليمية -وهو ما يتوقع أن تتناوله اللائحة التنفيذية للقانون– الإجابة عن جملة التساؤلات التي يطرحها ولي الأمر والمتابع للشأن التعليمي حول سلوك المعلم مع الطالب، ومسار الاحتواء والنصح الرشيد له، وعدم التمييز بينه وزملائه على أساس التحصيل الدراسي، الأمر الذي يجعل من المادة (42) حجة لولي الأمر والطالب في حالة حدوث أي انحراف أو قصور في التعامل مع هذا الحق أو لم يلتفت إلى نتائجه وآثاره السلبية على حياة الطالب الدراسية وشعوره بالتنمر بسبب هذا الإجحاف أو الغمط في أحد حقوقه وكذلك المادة (45) بتوفير الخدمات الزمة لتعزيز الصحة النفسية والبدنية والاجتماعية وغيرها للطالب.
ومع ذلك أيضا يمكن أن يشار في التعاطي مع معطيات المادة (47) لجملة من الأمور الذي قد لا يدركها البعض
والمرونة المتوازنة التي يجب أن تقرأ في هذا الجانب من حيث مفهوم مراعاة الخصوية في ارتداء الزي المدرسي والمظهر الشخصي خاصة إذا ما تأملنا خصوصية بعض الولايات والمحافظات في مسألة تطويل الشعر، وما يعنيه ذلك من الحاجة إلى مساحة التوازن التي تحفظ هذه الخصوصية والذوق ويشعر خلالها الطالب بأن القانون يعبر عنه ويحفظ حقوقه، ثم أيضا ما طرحناه ويطرحه أولياء الأمور من مفهوم الواجب البيتي والسقف الذي يجب أن يكلف به الطلبة، إذا ما علمنا بأن هناك ممارسة غير سليمة في التعامل مع الواجب البيتي ونوع هذه الواجبات، وحاجة ذلك إلى التصحيح والمراجعة والتقنين لفلسفة ومفهوم الواجب البيتي وعدد الواجبات التي يكلف بها الطالب ومن المسؤول عن تنفيذ الواجبات الطالب أم الأسرة، كما أن الواجب الذي أشارت إليه النقطة (د) في المادة (47) الانتظام في الدراسة، وهو أحد مسؤوليات ولي الأمر في المادة (26) في متابعة انتظام الطالب في الدراسة، يؤكد على أهمية بناء نقاط التقاء مشتركة بين المدرسة من خلال أعضاء الهيئة التعليمية والطالب وولي الأمر والمحتوى التعليمي الذي يضمن لهذا الطالب الاستمرار والانتظام، ذلك أن الوقوف على أسباب عدم انتظام الطالب في دراسته قد يرجع إلى عدة أمور تشكل البيئة التعليم وأعضاء الهيئة التعليم والمناهج وثقافة وفلسفة التعليم الجزء الكبر منها، واستشعار الطالب بقيمة التعلم وأهميته في الحياة، مرده أيضا مساحة الاحتواء والفرص المتاحة للطالب لإثبات ذاته وتغيير قناعاته، وهنا يقتضي الامر وجود التزام بالمادة (6) القاضي بمسؤولية الوزارة في تحقيق الجودة في التعليم المدرسي والمادة (43) بحق الطلبة في الحصول على تعليم ذي جودة عالية، ذلك إن انتفاء تحقق هذا الشرط وعدم حصول الطالب على بيئة تعليمية تقدره وتحتويه وتحترمه وتحافظ على نجاحه، قد يؤدي به إلى الانقطاع وعدم الانتظام في الدراسة، ومعنى ذلك أن المسألة يجب أن تقرأ من نواحي عديدة اجتماعية واقتصادية وأسرية ونفسية وتحصيلية ووفق مسارات متكاملة حتى يمكن من خلالها الحكم على هذا السلوك أو ما يصدر من الطالب من ممارسات بأنه مخالفة تفرض تطبيق المواد (92، و94)، كما أن التزامه بالتقيد بضوابط الأمن والسلامة في وسائل النقل مرهون بمدى كفاءتها وجاهزيتها ومستوى جودة الخدمة التي تقدمها للطالب والأريحية التي يشعر بها الطالب في المركبة، بما يعني معالجة جادة لهذا الموضوع الذي بات يضع علامات استفهام كبرى في عدم التزام النقل المدرسي بمعايير الأمن والسلامة وتحقيق الأمان، وعليه بات تحقق هذه الموجهات والتزام الطالب بها مرهون أولا بوجود التزام من الوزارة أو المدارس أو أعضاء الهيئات التعليمية.
إن ما طرحته المادة (48) من القانون من محظورات على الطلبة في قواعد الانضباط الدراسي والانضباط السلوكي، من حيث: مخالفة النظام والآداب العامة، والإخلال بسير الدراسة والامتحانات، والترويج أو تداول المواد المخدرة والمؤثرات العقلية أو تعاطيها أو حيازتها، أو الترويج لأي معتقدات فكرية، أو سوء استخدام وسائل ومنصات التواصل الاجتماعي لأجل الابتزاز والتشهير والإشاعة والإساءة للمجتمع ومنتسبي المدرسة، يحمل في ذاته دلالات كبرى لها أثرها المستقبلي على البناء الفكري للأجيال في ظل الظواهر السلبية التي باتت تشكل تهديدا للسلك الاجتماعي والهوية العماني، ومع أن بعضها يشترك فيه مع الطلبة أعضاء الهيئة التعليمية بالمدارس، فإنه يعبر عن عقيدة المجتمع وثقافته وأخلاقه، ويجسد السياسة العامة للدولة ويعس صورة واقعية لتأثير المنصات الاجتماعية، ويؤصل مسارا أعمق للوعي المجتمعي والتقني المتجه نحو وقاية المجتمع من كل أشكال التغريب الفكري أو كذلك من المخدرات والمؤثرات العقلية وغيرها من أن تستباح في بيئة التعليم أو أن يكون لها موقعا في أروقة المدارس، الأمر الذي يتناغم مع الإستراتيجية الوطنية للمخدرات والمؤثرات العقلية 2023- 2028 التي اعتمدها المقام السامي لجلالة السلطان المعظم.
من هنا نعتقد بأن قانون التعليم المدرسي يعكس توجها حكيما في فرض قواعد الانتظام الدراسي والانضباط السلوكي، ما يؤكد بأن المرحلة المقبلة تستدعي تعميق مسار الشراكة المجتمعية في التعليم والشراكة التعليمية المتفاعلة مع كل الأطراف والتي يجب أن لا تقصي أحدا من المسؤولية ومنح مفهوم الضبط الاجتماعي دورا أكبر في صناعة التوازنات في سلوك الطلبة وتعظيم دور الوالدين ومؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الضبطية والقضائية والتشريعية، ما يعنيه أن على وزارة التربية والتعليم أن تعيد النظر في بعض الممارسات والتوجهات السابقة المرتبطة بتحصيل الطلبة وتوجيه الاهتمام بالمتفوقين دراسيا دون غيرهم من جهة، ومن جهة أخرى تعمل على تفعيل وإعادة هيكلة مجالس أولياء الأمور وموقعه في خريطة عمل المدارس ذات الصلة بالتحصيل والانضباط السلوكي، في ظل ما فرضه القانون من دور محوري على ولي الأمر في متابعة انتظام الطالب، وما فرضه من جزاءات وغرامات إن لم يمارس دوره بشكل فاعل فأهمل متابعة من يرعاه ويقوم على تربيته، ناهيك عن أن الطالب اليوم لم يعد المتلقي فقط للتعليم أو المنفذ للتعليمات أو محطة تطبق عليه التجارب، بل له حق التعبير بالمشاركة وابداء الرأي والسماع له والإنصات لصوته، فيشارك في تحديد تعلميه ورسم صورة مستقبله، وأن تتجه الوزارة والمدارس وأعضاء الهيئة التعليمية لتحقيق هذا الغرض، إذ لا يمكن معاقبة ولي الأمر كما أشرت إليه المادة (92) على عدم متابعة ما يقع تحت مسؤوليته في حين أن قوانين المدرسة تحد من هذه المتابعة، أو لم تحقق المدرسة واجباتها في منح الطالب حق التعليم وحق التعلم وحق الإنسانية وحق المواطن والشعور بذاته وبأنه يعيش في بيئة تعليمية تحافظ عليه وتحتويه وتبني قدراته وتسعى لنجاحه، في حين أنه يعيش حالة التهميش وعدم الاهتمام والإقصاء لمهاراته التي لم تستثمرها المدرسة أو لم توفر أدوات استكشافها والإفصاح عنها في بيئة الصف الدراسي والمدرسة على حد سواء.
أخيرا فإن ما أثير حول القانون من وجهات نظر خاصة في باب العقوبات منه، وأن ما ورد من مفردة السجن والغرامة في قانون التعليم المدرسي لا يعبّر عن الصورة المتوازنة للتعليم التي تتجه لأن تستخدم من الأساليب والمفردات ما يتناغم مع الفقه التربوي وطبيعة تعلم الطلبة، يمكن القول فيه بأن ما ورد من جزاءات وعقوبات حددها المشرع، لم تستثن أحد سواء للطالب أو أعضاء الهيئة التعليمية أو حتى الوزارة أو المدرسة إن لم تحقق مسؤوليتها وتفي بالتزاماتها نحو الطالب، وأن ما جاء من عقوبات في المادة (92) إذا لم يلتزم ولي الأمر بتسجيل الطالب أو متابعة انتظامه في الدراسة، نتاج لممارسات ظلت حاضرة في نظام التعليم وأسهمت في زيادة الفاقد الإحصائي في تسجيل طلبة بالصف الأول، والحملة التوعوية الوطنية التي تبنتها وزرة التربية والتعليم لتسجيل طلبة الصف الأول، وحث أولياء على ضرورة تسجيل أبنائهم، نظرا لما يظهر من فاقد إحصائي كبير بين العدد المتوقع من الطلبة المسجلين في الصف الأول للعام الدراسي، وبين ما هو حاصل بالفعل من قوائم المسجلين بالبوابة التعليمية، وأيضا فإن هذه العقوبات قد تحد من بعض الممارسات المرتبطة بـ : إهمال الأبناء خاصة في ظل ارتفاع معدلات المشكلات الأسرية والطلاق وطلب الخلع والنفقة وغيرها، الأمر الذي كان ضحيته الطالب في عدم وجود من يحتويه حتى أصبح عرضة للتنمر أو الانقطاع في ظل تأثير مجموعة الأقران والمنصات الاجتماعية، وارتفاع جنوح الأحداث والداخلين ضمن هذا المفهوم وما تبعه من ارتفاع معدلات الجرائم وعدد الجناة من الواقعين ضمن فئة الأحداث، وقد تكون المسألة أيضا مرتبطة بعض الممارسات الحقوقية التي تم رصدها بشأن البنت القاصر التي لم تبلغ السن القانونية، الأمر الذي يمكن أن تعيد فيه هذه المادة الأمور إلى نصابها وفق جملة الضوابط والموجهات التي تحددها اللائحة التنفيذية للقانون.
د. رجب بن علي العويسي/ خبير الدراسات الاجتماعية والتعليمية في مجلس الدولة