يمثل خريف ظفار السياحي ميزة تنافسية لمحافظة ظفار، تعزز من مكانة سلطنة عمان في الخارطة السياحية بالمنطقة والعالم، ونظرا لما يتيحه موسم الخريف من فرص اقتصادية واجتماعية وثقافية واستثمارية وترويجية تنشط فيها مختلف قطاعات التنمية وتساهم فيها بدور محوري في نمو اقتصاد السياحة بشكل مضطرد، في ظل التوقعات بارتفاع أعداد السياح المواطنين والمقيمين من داخل سلطنة عمان والسياح الوافدين من دول المنطقة والعالم، وتمثل السياحة التعليمي إحدى أنواع أهم النماذج السياحية النوعية التي تصنع لهذه المواسم السياحية قيمة مضافة، حيث تقدم فرصا تعليمية وتدريبية وتثقيفية وترويحية تصنع لزوار خريف ظفار السياحي متعة التعلم والتعليم، والتثقيف والوعي، والمرح والترويح والترفيه، وبناء القدرات وصقل المواهب، بالإضافة إلى ما تتيحه من فرص الاكتشاف والمغامرة والبحث العلمي والاختراع والابتكار والريادة وغيرها من الممكنات النوعية لبناء اقتصاد المعرفة وتعزيز الاستثمارات الاقتصادية الواعدة، في ظل الفرص النوعية التي تضمها بيئة محافظة ظفار، والتي يمكن توظيفها كمائدة تعليمية متنوعة تصنع فرصًا أكبر لنجاح السياحة التعليمية المتنوعة بالمحافظة.
على أن تناول السياحة التعليمية كأحد مكونات النماذج السياحية التي يمكن أن تحقق للسياحة في ظفار مردودا اقتصاديا واستثماريا مهما، ناتج عن أن البعد التعليمي من أكثر الأبعاد الحاضرة في منظومة العمل الوطني كون مؤسسات التعليم بما تضمه من أعضاء الهيئة التعليمية في المدارس ومؤسسات التعليم المدرسي الأخرى، والجامعات ومؤسسات التعليم العالي، يضاف إليهم مجتمع الطلبة في مختلف الأعمار والمراحل الدراسية، يمثل أكبر شريحة للمجتمع الوظيفي بسلطنة عمان في القطاع الحكومي المدني، وبالتالي فإن إيجاد مسارات واضحة ومتنوعة ومبتكرة وعملية في توطين السياحة التعليمية وبناء أدواتها وحفز الاستثمار فيها، سوف يضمن ارتفاع عدد المستفيدين من هذا الحراك التعليمي، الأمر الذي سيسهم في رفع درجة مساهمة السياحة التعليمية وتعزيز حضورها النوعي في أجندة الخريف وبرامجه وفعالياته كأهم محطة استثمارية واعدة تمهد الطريق لمحطات سياحية أخرى، انطلاقا من دور التعليم كبوابة دخول سلطنة عمان للمستقبل.
إن التوسع الحاصل في المنظور التعليمي وتنوع الأجندة التي يمكن أن يطرحها التعليم في سبيل بناء أرضية قوية للسياحة التعليمية في خريف ظفار السياحي، يؤسس لمرحلة متقدمة تقرأ في السياحية التعليمية مسار التحول الشامل، وخيار تطويري تفاعلي، يقدم للتعليم أفضل التجارب والممارسات الدولية والإقليمية والعربية في تحقيق جودة التعليم، فالمسار التعليمي بما يحمله من شواهد مختلفة، ومحطات متنوعة، وبيئات تعليمية متجددة، وما يحتضنه في برامجه من قضايا مختلفة تتجاوز الجانب التعليمي الصرف إلى جونب أخرى لها علاقة بالإنسان والأمن والتنمية، كتلك القضايا المتعلقة بالتقنية والابتكار والاختراع والذكاء الاصطناعي وريادة الأعمال وسوق العمل، أو ما يتعلق منها ببرامج التنمية الفردية والمهارات الناعمة والمهارات الاجتماعية وبناء القدرات والتسويق الذاتي وصناعة الإنتاجية، أو كذلك ما يرتبط ببناء الأسرة والمشكلات الأسرية والقيم والهوية والأخلاق وترسيخ العادات الأسرية وتشخيص المشكلات الاجتماعية والظواهر السلبية، كالمخدرات والاحتيال والابتزاز وأنواع الجرائم وجرائم الاحداث والظواهر النفسية والاجتماعية والأخلاقية، أو ما يتعلق منها بالمغامرات، والرحلات الاستكشافية والخلوية وتسلق الجبال والبحث في الكهوف والنباتات والأشجار الدوائية، والبحث العلمي في مجالاته المختلفة الطبية والدوائية والعلاجية والعقاقير، أو كذلك ما يتعلق منها بالأبعاد الثقافية ودور التعليم في الإنتاج الثقافي النوعي سواء في بناء المهارات الثقافية كالمسرح والتمثيل والشعر والقصة والرواية وإنتاج المحتوى، أو كذلك بتوظيف الفرص الثقافية وإنتاجها تعليميا من خلال تعظيم دور المتاحف والبيوت الأثرية، والقلاع والحصون، والمكتبات والمراكز الثقافية والأسواق التقليدية والحارات التراثية القديمة، والأفلاج، بالإضافة إلى العادات والتقاليد والتراث غير المادي بمختلف تعابيره وأشكاله ورموزه وغيرها كثير، هذه الصورة من الاتساع والعمق والتكاملية التي يمكن أن تضمها السياحية التعليمية وتتفاعل معها بيئة محافظة ظفار، سوف تشكل رصيدا ثريا يضمن كفاءة السياحة التعليمة نحو بناء وتكوين فرص سياحية أكثر قدرة على التسويق السياحي وإنتاج الفرص السياحية وجذب السياح، وتقديم أفضل النماذج والخبرات والتجارب في هذا الجانب، على أن ما يحصل من استقطاب للعلماء والخبراء والمفكرين العالميين وصناع المحتوى وأصحاب الشركات العالمية في مستلزمات وحلول التعليم وتقنياته وغيرهم في مجالات أخرى سوف يضيف إلى السياحة التعليمية حضورا مهما، كونها المنطلق الذي يبنى عليه نجاخ السياحة بشكل عام.
عليه فإن الوصول بالسياحة التعليمية كمسار معتمد واستحقاق سياحي، يؤسس اليوم للمزيد من الشراكة التعليمية بين مختلف منظومات التعليم ومؤسساته في سلطنة عمان بالاستثمار في الرصيد الثري الذي تتميز به وتنافس عليه، فتصنع له حضوره في أجندة الخريف وموقعا لها في أروقته، بما يتطلبه ذلك من سياسات واضحة وإجراءات ثابتة وخطوات عملية، تصنع للسياحة التعليمية حضورا نوعيا في خريف ظفار، ولأن المحتوى النوعي في تنوعه وتكامله واتساعه وعمقه وارتباطه بحياة الفرد المواطن والمقيم والزائر في مختلف مواقعه يصبح ضرورة في جذب هذه السياحة؛ لذلك تتجه الأنظار إلى أهمية الجاهزية التعليمية المبكرة في ضمان تقديم سياحة تعليمية تمتلك المعايير الدولية، وتحافظ على درجة الاستحقاق الوطني، وتبرز في منصاتها مساحات أكبر للابتكار والتجديد وثورة كبرى في براءة الاختراع والاكتشافات، وترسم صورة مشرقة للوطن في استثمارات قادمة تنطلق من التعليم وتبرز قوة حضوره في منظومات الدولة فإن كون التعليم المحور الأول في رؤية عمان 2040، إنما جاء استلهاما من الدور المحوري الذي يؤديه في بناء اقتصاد الرؤية، وأن قدرة التعليم على صناعة الفارق والوفاء بالتزاماته وتحقيق الأهداف الإستراتيجية منه المحددة في الرؤية؛ الطريق لصناعة القوة في غيرها من المحاور، كما أن تحقيق نجاح في المحاور الأخرى يعتمد على مستوى القوة في المحور التعليمي، خاصة تلك المحاور المتعلقة بالقيم والهوية والمهارات وسوق العمل والشركات والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة واقتصاد المعرفة والابتكار والبحث العلمي وريادة الأعمال؛ فإن إنتاج السياحة التعليمية كأحد أهم المحطات والخيارات السياحية المتاحة في محافظة ظفار، محطة واعدة لخلق شراكة وطنية تنطلق من التعليم ومؤسساته والشركاء في القطاع الخاص وأولياء الأمور في سبر أعماق هذا الملف ورفع سقف الطموحات فيه، ليتجلى في الواقع محطات إنجاز وشواهد عمل، بما يضمه من محاضن تعليمية متنوعة، فإن التوجه نحو السياحة التعليمية اليوم دعوة إلى التفكير بنقل السياحة الوطنية خارج الصندوق الاستهلاكي المعتاد، والاستفادة من الفرص التي يصنعها خريف ظفار أو كذلك من مبادرات رؤية عمان 2040 خاصة تلك المرتبطة بالحوكمة وإعادة الهيكلة وتقييم المشروعات التنموية بالمحافظات في تعزيز السياحة التخصصية.
أخيرا كيف يمكن توظيف هذه الفرص الخريفية في صناعة سياحة تعليمية تحمل في ذاتها عوامل قوتها ونجاحها، وتفتح المسارات لإنجازات تعليمية قادمة تشهدها منظومة التعليم كنتاج لهذا التلاقح الفكري والتعايش المعرفي والتفاعل في توظيف مشتركات العمل في ظل ما يحمله من فرص للبحث والاستكشاف ومحطات للتدريب وبناء القدرات، بحيث تأخذ في الاعتبار الرصد التعليمي العالمي ونتائجه وكيفية الاستفادة منه في تعزيز جودة التعليم ورفع كفاءته الداخلية والخارجية وتعزيز مساهمته في الاقتصاد الوطني وتحقيق أولويات رؤية عمان 2040؛ وما الأدوات والوسائل التي يحتاجها نظام التعليم في سلطنة عمان في سبيل ضبط ممارساته وتعميق حضوره في منصات الإنتاج وأساليب العمل؟، هذه الصورة المتحققة من السياحة التعليمية تضع المؤسسات التعليمية أمام حالة من الاستنفار والجاهزية والاستعداد وبناء مرتكزات التحول الشامل الذي ينطلق من التعليم، ويؤسس لبناء المتعلم اقتصاديا، وصناعة تعليم منتج ونوعي يضمن حضوره في معامل الانتاج ومختبرات التطوير وإدارة المؤسسات.
إن الإجابة عن هذا التساؤل وغيره يؤكد اليوم على أهمية وجود الإرادة الفاعلة والأدوات الحكيمة في صناعة هذا المسار، والتي تبدأ من أولوية تعزيز السياحة التعليمية التخصصية في بنيتها المؤسسية والتشريعية والتنظيمية والتأهيلية، وتنشيط حركة المسار التعليمي بما يضمه في محتواه من ثوابت ومتغيرات، ومستجدات ومناشط وبيئات فكرية وثقافية ليضيف إلى السياحة التعليمية ثراء واسعا، ومساحات تطويرية تضمن قدرتها على المنافسة؛ فإن الميزة التنافسية لـ سلطنة عمان من جهة ولخريف ظفار السياحي من جهة أخرى وللمسار التعليمي والتنويع فيه كبوابة الدخول للمستقبل من جهة ثالثة وما يضمه التعليم من حشد اجتماعي كبير يمتلك مساحة كبيرة من الحركة والمرونة والتنوع من جهة رابعة؛ محطة للتفكير في المسار السياحي التعليمي الذي يصنع لعمان القوة الاقتصادية، ويوقد في شبابها الروح الوطنية والأخلاقية العالية، إنها الطريق للتحليق بموسم خريف ظفار السياحي فوق سماوات المعرفة والإنتاجية والمنافسة والابهار.
د. رجب بن علي العويسي – خبير الدراسات الاجتماعية والتعليمية في مجلس الدولة