يُمثل الإعلان مرآة صادقة للحياة، في أي بلد من البلدان، وشكلًا من أشكال النشاط العلمي والاجتماعي والثقافي والفني والسياسي، وأصبح الإعلان الآن إعلانًا إعلاميًا، ووسيلة مهمة من وسائل التسويق والترويج للسلع والخدمات، وقد أثر الإعلان على الإعلام؛ فتحول الإعلام عن رسالته الأساسية في نقل الأخبار بموضوعية وديمقراطية، ليكون أداة لترويج الإعلان التجاري والدعاية بمختلف أنواعها وأشكالها. إنَّ الإعلان سلاح فعال، سواء كان بيد المنتج أو البائع، وذا فائدة كبيرة في إعلام المستهلكين عن أي سلعة جديدة قد تظهر في السوق؛ الأمر الذي يوفر على المعلن والمستهلك معًا الوقت ويساعد على ترويج السلع ودورانها، ويدفع الجماهير نحو مزيد من الاستهلاك ويفتح آفاقًا جديدة أمام عجلة الإنتاج؛ وبالتالي التسريع في الدورة الاقتصادية لكل سلعة على حدة، وعلى الاقتصاد القومي بصفة عامة.
ويعدُّ الإعلان اليوم كفن وممارسة، من أهم وسائل التكنولوجيا الحديثة، وقد تَرَافق تطور الإعلان مع تطور القدرات الاتصالية للإنسان، وأصبح أسرع وسيلة في نمو الاقتصايات المتقدمة.
ويعدُّ الإعلان والدعاية والإنتاج والاستهلاك من أبرز مميزات هذا العصر، وعندما تتباعد المسافات بين المنتج والمستهلك بما لا يترك مجالًا للتواصل بينهما، يصبح الإعلان سيد العصر والزمان لضمانه مخاطبة المستهلك أينما كان. فعن طريق الإعلان يمكن إيصال الأفكار التي يريد المنتج توصيلها بطريقة شيقة، موجزة، مركزة، وتتميز بالسرعة، وخلال فترة قياسية يصل بأفكاره إلى المواطن والمقيم. وقد بدأ الإعلان يمارس تأثيره على جميع الخصائص التي تتسم بها متطلبات الحياة المعاصرة؛ فهو يجعل الناس يرغبون في أشياء ويعتقدون في أفكار قد لا يكونون حقيقة على قناعة بها. وينظر علم النفس إلى الإعلان على أنه وسيلة من وسائل التأثير في السلوك، فهو يتوجه أكثر مما يتوجه إلى فكر وعقل الإنسان. ويحتل الإعلان التليفزيوني مركز الصدارة من بين الوسائل الإعلانية، وقد اخترق الإعلان الإعلام وتم احتكاره، وتم إحلال المصالح التجارية محل المصلحة العامة بغية تحقيق المزيد من المكاسب لصالح الشركات والمؤسسات ورجال الأعمال. وقد كان الإعلان ولا يزال هو الوسيلة الأسرع، التي مكنت المنتجين والمتعاملين في السلع والخدمات من توسيع قاعدة المستهلك بأكبر قدر من الكفاية وبأقل جهود ونفقات ممكنة.
ولقد تعدَّدت الدوافع التي كانت وراء استخدام أساليب إعلانية جديدة في السعي للوصول إلى المستهلك، وكان من أبرز هذه البواعث والأهداف، اتساع موجة الإنتاج الكبير، وقد ابتدع النظام الاقتصادي الرأسمالي أساليب إعلانية جديدة في الترويج والبيع لاجتذاب أكبر عدد ممكن من الناس. ذلك لأن عجلة الحياة الاقتصادية -التي هي عصب حيوي لا ينضب- لا يمكنها التوقف في مكان واحد، فإما السير والتقدم إلى الأمام، وإما التراجع والمضي إلى الخلف. إن أرباح المؤسسات والشركات كانت دافعًا قويًّا وراء زيادة الإنتاج التي تتطلب زيادة المبيعات، ولا يمكن تنشيط البيع بدون تجديد أساليب الترويج، خاصة تلك التي تختص بالإعلانات المبتكرة التي تستخدم وسائل إعلانية جديدة مكثفة ومنتشرة. وتحاول المؤسسات والشركات والمنشآت الصناعية عن طريق الإعلان كسب ثقة المستهلك بها والإيحاء له بأنها لا تهدف فقط إلى الربح بل تهدف أيضًا إلى المساهمة في خدمة المجتمع، وتسهيل الحياة للمواطن والمقيم. والهدف النهائي للإعلان الإعلامي استخدام أساليب مقنعة لاستمالة الجمهور، وصنع تيار عام يتعاطف الجمهور من خلاله. إن مهمة وجوهر الإعلام الحر الديمقراطي البحث عن الحقيقة، ونقل الوقائع والأحداث بكل صدق وأمانة، استجابة لحاجة الناس وحقهم في معرفة حقيقة الأمور التي تتعلق بوجودهم.
إنَّ دور الإعلام الأساسي تبصير الرأي العام بكل مجريات الأمور الداخلية والخارجية، وتنزيه الحياة العامة من كل عوائق التعتيم الإعلامي، ولكن للأسف الشديد عدد كبير من بلدان العالم تمنع أنظمتها الاستبدادية الناس من الاطلاع على ما يجري، فتحصر هذه الأنظمة القمعية أجهزتها الإعلامية الرسمية، وتتحكم فيها لتوصل إلى مواطنيها كل ما يناسب مصلحة حكوماتهم، ولكن الحال يختلف في الأنظمة الديمقراطية التي تفتح المجال لإعلامها بكشف الحقائق، حتى تحمي مجتمعاتها من الفساد، وتعطي للإعلام حرية لا يحدها سوى دواعي الأمن الداخلي والخارجي للوطن. والمتابع والناظر للإعلانات المحلية يجد البعض منها إعلانات غير جيدة، لأن لا تتبع الأساليب العلمية، ولا تراعي العدل الاجتماعي، ولا تحمي المستهلك، ولا تنظر لمصلحته، ولا إلى الفائدة العائدة المرتقبة للمستهلك من هذا الإعلان، ويكون المحتوى والتصميم غير مناسب في الشكل والمضمون.
إنَّ للإعلان الجيد أصولًا علمية قائمة على أساس من البحث العلمي المتعلق بالسوق والمستهلكين ومحتويات الرسائل الإعلانية المراد نشرها، وأن يكون الإعلان صادقًا دون إخفاء بعض البيانات عن الجمهور، وجذب الانتباه لتحقيق الأهداف الإعلانية؛ لأنه بدونها تضيع كافة الجهود المبذولة هباءً، ويصبح الإعلان كالرسالة التي فقدت عنوانها. ويتوجب على الجهات المسؤولة وضع لائحة تنظيمية بها أسس وضوابط ومعايير تلزم فيها أطراف النشاط الإعلاني بالتقييد والالتزام وعدم الإخلال بضوابط اللائحة التنظيمية لضمان مصلحة الجمهور، وفي حالة مخالفة أي شخص لمواد اللائحة التنظيمية معاقبته بتوقيف النشاط الإعلاني عنه، وفي حالة تعدد المخالفات سحب الترخيص منه بشكل نهائي. ويبقى الإعلام يلعب دورًا في غاية الأهمية في تكوين الرأي العام، ولكن في ظل سيطرة الإعلان على مجمل وسائل الإعلام، ترك الإعلام دوره الأساسي في نشر الثقافة والمعرفة والعلوم الإنسانية والاجتماعية، وركز بأغلب إمكانياته وجهوده لخدمة الوكالات الخاصة بالإعلان. إن الإعلام الحر، هو الذي ينقل الصورة الصادقة بكل موضوعية وصراحة، والابتعاد عن التضليل، وتغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، وفق المبادئ والقيم والأخلاق والمواثيق الصحفية والإنسانية.
إنَّ سطوة الإعلان على وسائل الإعلام أصبحت حقيقة لا ينكرها أحد؛ لأنَّ وكالات الإعلان باتت تدفع مئات الآلاف من الدولارات إلى وسائل الإعلام، لتؤمن لها النفقات والإدخارات، وبهذه السطوة تحول الإعلام عن الأسس والقيم التي تأسس عليها، وأصبح للأسف الشديد أداة لوكالات الإعلان وللترويج والدعاية. إن الأزمات الاقتصادية التي تصيب العالم بأسره تؤثر على جميع المؤسسات والشركات والهيئات وحتى الدول، وهذه الأزمات بلا شك قد أثرت أيضًا على وسائل الإعلام التي اضطرت من أجل تأمين استمرارها في نشاطها الإعلامي، الخضوع إلى وكالات الإعلان المحلية والعالمية التي يملكها كبار رجال العالم في السياسة والمال والأعمال، وتم إغراق المجتمعات بإعلانات سيئة هابطة خدمة لمتطلبات التسويق العالمي. وإنني أناشد الجهات المختصة والمعنية بالإعلام بمختلف أنواعها وأشكالها، بضرورة إعادة حساباتهم وتقييم مواقفهم من الإعلان والدعاية المحلية والخارجية، والاهتمام بقطاع الإعلان وتطويره، والارتقاء بأطراف هذا النشاط بالغ الأهمية للأفراد والمجتمعات.
حمد الحضرمي – محامٍ ومستشار قانوني