حقيقة يحار المرء إلى أين تتجه الإنسانية؟! فالواضح أنّ هناك مشروعا غربيا ترعاه الولايات المتحدة الأمريكية لنشر الشذوذ الجنسي في العالم، بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن دعمه للشواذ في حفل أقيم في البيت الأبيض، ووصف بلاده أنّها «أمّة مثليّة»، وتضم إدارته مسؤولين «شواذ». وكل ذلك لا يعنينا في شيء، فذلك شأن يخصهم وليفعلوا في أنفسهم ما يشاؤون، ولكن المصيبة أن تسعى الإدارة الأمريكية بفرض الشذوذ على دول العالم، وتطبيق عقوبات اقتصادية على الدول الرافضة، وهو الذي حصل مع أوغندا، بعد أن فرض رئيسها يوري موسيفيني عقوبات للشواذ تصل إلى حد الإعدام، فإذا الغرب يقف ضده ويوجه له انتقادات لاذعة بسبب تبني قرار كهذا، لكن الرجل ثبت على موقفه وقال إنّ بلاده «لن تتراجع عن تطبيق عقوبات مشددة على العلاقات المثلية»، معلقا على التحذيرات الدولية بالقول: «توقيع القانون تم ولا أحد سيجعلنا نتراجع عنه»، كما أن هناك حملات مكثفة ومتزايدة عبر وسائل الإعلام الغربية، وعلى منصات التواصل الاجتماعي تشجّع نشر الشذوذ في العالم، فصرنا نشاهد تظاهرات «المثليين» علنا تهدد بأنّ «شُذوذهم سيصل للأطفال في المنازل». والواقع أنّ تهديدا كهذا تكمن خطورتُه بأنه يهدف إلى الوصول إلى الأطفال في منازلهم، بمعنى أنّ هناك وسائل ستُتّخذ لتحقيق ذلك، لكن الاعتداء على الأطفال في الغرب ليس جديدا، فالكاتب نور الدين برحيلة في مقال له بصحيفة «رأي اليوم» يشير إلى أنّ عدة تقارير غربية أنجزتها منظمات وجامعات موثوقة، منها اللجنة الوطنية الفرنسية، التي كشف تحقيقُها بخصوص الاعتداءات الجنسية على الأطفال في كنيسة «جان مارك سوفيه» تثبت ارتكاب 3200 اعتداء جنسي من طرف رجال الدين والكهنة على 115 ألف طفل على مدار السنوات الماضية، كما خلص تقرير آخر نشرته مجلة «دير شبيل» الألمانية إلى أنّ 1670 من رجال الدين بألمانيا، قاموا باعتداءات جنسية على 3677 طفلا.
الغريب أنّ كل تلك الأفعال بدلا من أن تجعل البابا فرانشيسكو بابا الفاتيكان يخجل منها، إلا أنه صرح بأنّ «المثلية الجنسية ليست خطيئة ولا جريمة»، ووصف القوانين المُجرِّمة للمثلية بـ «الظالمة»، وغيرها من العبارات التي تـتغزَّلُ بالمثليين، الذين وصفهم بأنهم «أبناء الله وأحبّاؤه»، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
أمام هذا الخطر الداهم والطوفان الجارف، لا بُدّ من التدخل لحماية المجتمعات العربية والإسلامية، إذ تعودت الحكومات العربية الانصياع لكلّ الإملاءات التي تأتيها من الغرب، فأصبحنا أمة مستباحة يتدخل الغرب في تشكيل ديننا كما يشاء، ويتدخل في مناهجنا الدراسية، وفي قراراتنا السياسية وغيرها، لذا نخشى الاستجابة لمسألة فرض الشذوذ هذه التي يسمونها تلطيفا «المثلية»، فصار من الضروري سن قوانين تحارب تلك الظاهرة والاهتمام بتنشئة الجيل الجديد تنشئة صالحة، تشارك في ذلك المساجد والمدارس والإعلام، والقضية لن يكفيها مقال واحد عابر، ولكن تحتاج إلى تضافر الجهود حماية للأجيال المقبلة. ومن هذه الجهود -مثلا- التركيز على مضار الشذوذ عبر منابر خطب الجمعة، التي يجب أن تساير أحداث الساعة.
وقد أحسن الشيخ فيصل غزاوي إمام وخطيب المسجد الحرام بمكة المكرمة، عندما تناول في خطبته يوم التاسع عشر من ذي الحجة 1444، السابع من يوليو الحالي الموضوع، رافضا الترويج للشواذ وتقبّلهم في المجتمع، لأنّ المثليّة لا علاقة لها بالتطوّر والحضارة. وقال الشيخ غزاوي في خطبته: «إنّ الله جعل الزواج بين الرجل والمرأة شريعة كونيّة، لكن اليوم.. يسعى البعض لتشريع زواج الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة، والزواج مع الحيوانات والتحريض على الانحراف الجنسي والشذوذ». وفي هجوم حاد على دول الغرب يرى الشيخ غزاوي أنّ هؤلاء قد أفلسوا روحيا، وانهارت عندهم كلّ القيم الإنسانية والحضارية، وأصبحوا يعانون من أزمات أخلاقية ومشكلات اجتماعية، لذا لم يرق لهم أن يبقى المسلمون على أخلاقهم وآدابهم وسلوكياتهم المستقاة من الوحي المطهر والمتفقة مع الفطرة السليمة، «فقام بعضهم باستفزاز مشاعر المسلمين في كلّ مكان واستثارة غضبتهم، بشن حملات محمومة وأفعال عدائية معلنة متكررة ضد العالم الإسلامي بدعوى حرية الرأي».
وبما أنّ موضوع الشذوذ هو موضوع الساعة الآن، فقد لاقت خطبة الشيخ فيصل غزاوي إشادة وتفاعلا كبيرين من روّاد التواصل الاجتماعي، واعتبروا أنّ ما جاء فيها هو الرّد الأمثل على دُعاة الرذيلة، وجدارا صلبا في وجه مُحاولات الغرب فرض الشذوذ تحت عناوين تجميليّة.
وأرى أنّ فيما قاله سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي في إحدى تغريداته، يحتاج إلى وقفات من جهات الاختصاص، فقد أشاد بتوجه بعض الدول غير المسلمة إلى العناية بتربية الرجولة وتنميتها في الناشئة، ورأى أنه كان حريا بالدول الإسلامية أن تكون سباقة إلى هذا، حرصا على الحفاظ على قوتها وصلابتها، وعلى ثروتها البشرية التي لا تعد شيئا عندما تفقد الرجولة خصائصها، وصولا إلى قوله: «وإننا لننشد هذه الأمة -ممثلة في القائمين على التربية والتعليم من رجالها ونسائها- أن تكون من أهم أولويات مسؤولياتها تنمية خصائص الجنس في الذكور والإناث، حتى ينشأ كلّ جنس متمسكا بخصائصه، حريصا على عدم التفريط في شيء منها، فإنّ ذلك من أهم ما يدعو إليه الدين».
إذا كنا نرى أنّ فرض الشذوذ في أمريكا -كما ذكرتُ سابقا- شأن لا يخصّنا -طالما هو بعيد عنا- إلا أنّ الأمريكيين أنفسهم، قد رفضوا تصريحات الرئيس بايدن التي وصف فيها بلادهم بـ»أمّة المِثليين»، وشهدت ولايات أمريكيّة عدة، احتجاجات واسعة ضد ذلك التوجه، خاصة من أولياء أمور الطلبة، وهذا أمر طبيعي وسوي.
كانت خطبة الجمعة في الحرم المكي، تعبيرا صريحا عن موقف الإسلام الرافض للشذوذ الجنسي، ولا ينبغي النظر إلى المسألة بأنها سياسية فقط، فالمسألةُ من صميم الشريعة الإسلامية. وفيما قرأتُ من التعليقات فإنّ البعض رأى أنّ الشيخ غزاوي أخطأ البوصلة، لأنه لم يتحدث عن أحداث جنين، لكني أختلفُ مع هؤلاء، لأنهم قد لا يعون خطورة المسألة مستقبلا على الأجيال والأوطان، فهذا شيء وهذا شيء آخر، ولكلّ مقام مقال، والحديث عن الشذوذ لا يعني إهمال جنين، وكذلك الحديث عن جنين لا ينبغي أن يكون على حساب الحديث عن الآفة الخطيرة، التي يراد لها أن تكون واقعا مفروضا يتسرّب إلينا بحرب ناعمة كالسرطان في الجسم رويدا رويدا، ولكن مع ذلك فإنّ المسألة أخذت بالتدريج، ففي عام ١٩٩٠ حذفت منظمة الصحة العالمية «المثلية» من قائمة الأمراض النفسية، وبعدها من قائمة الاضطرابات السلوكية، ثم ساوت الشواذ بالمعاقين، ثم جعلوا لهم يوما عالميا، فشهرا كاملا في العام هو شهر يونيو «للفخر والاعتزاز والتفاخر»، ثم جعلوا ستة عشر يوما لمناهضة العنف ضدهم، وأخذوا يهددون ويعاقبون الدول المناهضة للشذوذ والمثلية، وكما يقول د. حيدر اللواتي في تغريدة له: «لا أستبعدهم أن يُجرموا قانونيا وقضائيا من يناهض الشذوذ ولو بكلمة، ويصنفونه من الشواذ أو المرضى نفسيا وسلوكيا، وأنه يحتاج إلى علاج نفسي».
أدى الخطيب دوره وقام بواجبه، ولكن لن تفيد خطبة واحدة أو عدة خطب، إذا لم تكن هناك مواقف رسمية وقرارات سياسية نابعة من الحكومات العربية والإسلامية تجاه هذه المشكلة.
بقلم: زاهر بن حارث المحروقي
جريدة عُمان: عدد الاثنين 17 يوليو 2023م